بدايات التنظيم الشيوعي في المدحتية
محمد علي محيي الدين
حفل تاريخ ناحية الحمزة الغربي أو المدحتية بالأحداث السياسية المثيرة وتبوأت هذه المدينة مكانتها السامية بين المدن العراقية التي اشتهرت بوطنية أبنائها وبطولاتهم في التصدي والمواجهة وأطلق عليها بعيد ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة”موسكو الصغرى” وهو لقب يطلق عادة على بعض المدن العراقية التي برز فيها التنظيم الشيوعي وبرزت بين واجهاته الكبيرة، ولعل هذه التسمية وراء إصرار صدام الأحمق على تسميتها باسمه في محاولة لإنهاء تاريخها النضالي المعروف.
والحمزة ناحية تابعة لمحافظة بابل تبعد عنها 30 كم، وهي من المدن الحضرية التي تميزت بأبنائها المتعلمين، وشبيبتها المتوثبة المتطلعة لما هو جديد، فهي ميالة لتقبل الجديد والثورة على القديم، لذلك كانت أخبار الحرب العالمية الثانية محط اهتمام أبنائها ورجالها المتنورين، فقد جلب المرحوم علي الحاج حسون لمقهاه راديو كان مصدرا للأخبار المحلية والعالمية، مما حدا ببعض ذوي الوجاهة لجلب الراديو ليكون مدعاة لجمع أبناء المدينة وتنويرهم بما يذاع، ومن هؤلاء سلطان عبد الحمزة وكاظم جواد الجزائري وغيرهم من شخصيات المدحتية وأعيانها.
وكان كثير من أبناء المدينة يتابعون أخبار الحرب وانتصار الروس في معاركهم ضد الألمان فقد خلق ذلك نوع من الوعي الوطني لديهم وجعلهم يتطلعون لمعرفة ما وراء الأخبار وأسباب المقاومة البطولية للشعب السوفيتي ودوافع الصمود الباسل لهم، وراجت بعض الأفكار والتطلعات الميالة للفكر الاشتراكي المناضل من اجل تحرير الفقراء وتحقيق الرفاهة الاجتماعية وإزالة الفوارق الطبقية، وإعطاء الأرض لزارعها، وغير ذلك من المفاهيم الهادفة لخدمة الطبقات الفقيرة، فكان لشاربي ستالين وموقفه الفولاذي اكبر الأثر في التعاطف مع الموقف الحربي والانحياز للسوفيت.
وكان لأبناء المدينة من الطلبة دورهم الكبير في نشر الوعي الثوري، ورواج المفاهيم الطبقية بين أهالي المدينة ومن بواكير التنظيمات الحزبية كان الطالب بدر كاظم الحبيب وجابر عبد الشيخ جواد، ساندهم او سار على هديهم الرعيل الأول من مناضلي المدحتيه منهم عبد الله الذرب وصاحب الحبيب وحلبوص الحمد، وكان ذلك بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أواخر أربعينيات القرن الماضي، وشكل في المدينة اتحاد للطلبة، كان نواته شهاب الكوماني وسعدون الجزائري وجاسم محمد الحسن ورزاق الجزائري وغيرهم،واشرف على الكونفرنس الأول الشهيد ستار المعروف.
وفي واسط الخمسينيات نشطت الخلايا الشيوعية في المدحتية، وتلا الرعيل الأول مناضلين جدد كان لهم الدور الكبير في انتشار التنظيم منهم عبد الحسين العلي وصاحب حميد ومحسن الجزائري وهاشم حسن وكاظم وصاحب أبناء حمزة وصاحب الحبيب وحسين السيد كريم وعباس عبد ظاهر وجبار كاظم وغيرهم.
وكان لوجود مدرسة في المدينة أثره في بلورة الوعي الوطني ونضجه من خلال المعلمين العاملين في المدرسة من حملة الفكر الماركسي منهم الرفيق الكبير محمود رشيد “ابو ثائر” الذي كان له ابلغ الأثر في نشر الوعي بين الطلبة، وقد ودعته المدينة بالحزن عند فصله عام 1949، وكان لرجال الدين المتنورين دورهم الكبير في إشاعة الفكر الوطني ، ودعم الجيل الثائر المطالب بالحقوق الوطنية، من هؤلاء الشيخ علوان الحمزة، وعبد الحسين عليوي.
وللريف دوره الاسنادي للحركات الثورية في شتى أنحاء العالم فهو الملجأ الأول للمناضلين في مواجهتهم للسلطات الظالمة وهو المأوى للهاربين من ظلم السلطة وجبروتها، فكان ريف المدحتيه الملجأ الأمين والحصن الحصين لهؤلاء المناضلين، فكان لالبوطيف والكصيرات والبو عبد الله وغيرهم أثرهم الكبير في توفير الملاذ الآمن للمطلوبين وأمد المدينة بخيرة المناضلين الراسخين في مبادئهم منهم تركي الهاشم وشيخ مسيلم وحمزة الشبيب ومناور الناجي ونوري ونعمان أبناء هادي الكتاب، وغازي ذياب وأبناء سالم حسون وخليف العبد علي وكاظم غدير وغيرهم من نشامى البو طيف تلك العشيرة التي قدمت الدعم والاسناد لجميع مناضلي الحزب من اهالي المدحتية او غيرها من مدن المحافظة، وكان لريف خيڱان دوره المتميز في دعم الحزب وإيواء رفاقه والمشاركة في نضاله منهم أبناء حسن مرزة وإخوانه وحسين كاظم وإعلان حنتوش اللهيمص وغيرهم كثيرون مما يضيق المجال عن إيراد أسمائهم وربما لنا عودة لدراسة تاريخ المدينة السياسي ونضال أبنائها في دراسة مطولة إن توفرت لنا المزيد من المعلومات.
وعندما شيدت مدرسة متوسطة في المدينة أعطت دفعا كبيرا لنشاط الحزب فقد تولى إدارتها الشخصية اليسارية المربي الفاضل مكي عزيز السرحان الذي أصبح مفتشا بعد ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة 1958 وحاز على الدكتوراه من جامعات الاتحاد السوفيتي وهو أديب ومترجم وناشط سياسي لعب دورا كبيرا في التعليم، إضافة لطاقم المدرسة الذي كان جله من الوطنيين الديمقراطيين واليساريين، وكان لوجود هؤلاء المربين الدور الكبير في إنعاش التنظيم وتطوره وامتداده بين الشباب، فنشأ الجيل الثالث من الشيوعيين منهم على سبيل المثال لا الحصر محمد حبيب وجاسم محمد حسن وحميد عبيد البو شعيره وحميد عبد الحسين وشقيقه علي وفاضل عبد عناد ونوري عبد الظاهر وسعدون سكر وحامد عوده جاسم ونجم بديوي وجبار علوان وشقيقه علي وغيرهم تلاهم جيل آخر منهم محمد ناجي ومحسن حسون وعلي حسين سلمان وهادي حمزه وحسن مسلم وطالب شافي وعدنان مالك ورزاق عباس زيارة والاخوان علي ومحمد عبود واحمد شيخ حسن وكاظم الجزائري وجواد عبد الحسين وعدنان الجزائري وحسين علي سلطان ورزاق حسين العلي واولاد كاظم الحبيب وعيال ساجت وكاظم جواد الخلف، ومئات غيرهم من جيل الثورة، فقد انتمى معظم أبناء المدينة للحزب الشيوعي وعملوا في منظماته الديمقراطية، فكانت المدينة تفخر بهم وتشيد بمآثرهم وتاريخهم المجيد .
لقد سطر هؤلاء الملاحم البطولية وخاضوا معترك النضال بقلوب لا تعرف الخوف ولا تقبل الهزيمة، وتشرفت بمعظمهم السجون والمنافي بعد انحراف الثورة وتذبذب قيادتها، وخصوصا بعد أحداث الموصل وكركوك المفتعلة التي وقفت خلفها شركات النفط والقوى الاستعمارية والرجعية المحلية والإقليمية والمتضررين من الثورة من تجار وإقطاعيين.
وأسهم رجالات المدينة وشبيبتها في الانتفاضات والمظاهرات الوطنية في وثبة كانون 1948 وانتفاضة تشرين 1952والعدوان الثلاثي على مصر1956، ونشطوا إبان تشكيل جبهة الاتحاد الوطني التي مهدت الطريق لثورة الرابع عشر من تموز، وما أن انبثقت الثورة حتى سارع أبناء المدينة لإنشاء لجان الدفاع عن الجمهورية وانخرط كثيرون في صفوفها، وكان لابنائها الدور الكبير في انشاء النقابات الوطنية والجمعيات الفلاحية، مما أثار هلع الرجعيين وأذنابهم واعداء الثورة، وحدثت تجاوزات مقصودة من بعض القوى السياسية ولكن الحكمة والحيطة حدت من الاندفاع الثوري، وأفشلت المخططات الرامية لاحداث مناوشات جانبية تمهد لاثارة معركة يلقى بأوزارها على الشيوعيين، فكان للحكمة والعقل أثرهما في افشال المخطط المشبوه الذي خططت له العناصر الموتورة التي تضررت من التحول الكبير في التوجهات الشعبية.
وفي حمى الانتعاش الثوري خاضت المدينة في النشاط الجماهيري المحموم فخرجت تظاهرات كبرى في المناسبات الوطنية أسهم فيها أعيان المدينة وشبابها ونسائها وفتيانها فكانت جذوة الثورة فوارة في النفوس المتطلعة للغد المشرق السعيد، وكان قانون الإصلاح الزراعي وقانون العمل وقانون الأحوال الشخصية والخروج من حلف بغداد وبناء المساكن لذوي الدخل المحدود وغيرها من المكاسب الكبيرة التي تحققت في تلك الفترة أثرها في التصاق الجماهير بالطلائع الشيوعية الواعية، وتأسست رابطة المرأة ونشط اتحاد الطلبة واتحاد الشبيبة والنقابات والجمعيات، وشكلت هذه المنظمات روافد لا تنضب ومعينا لمنظمات الحزب التي انضوى فيها الآلاف.
وبعد انحراف الثورة عن مسارها، وهيمنت القوى الرجعية على مقدرات الإدارة في المحافظات قامت السلطات الحكومية بمحاربة قوى الثورة الحقيقية لتمهد الطريق في الانقضاض عليها والعودة بالعراق لعجلة الاستعمار العالمي، وقد طالت الاعتقالات مئات المناضلين وأنشأت نقابات وجمعية تابعة للسلطة بقيادة القوى الرجعية، وعاد الحزب للعمل السري لتغيير المسار ومحاولة اعادت الثورة لطريقها الوطني ولكن الأوضاع اخذت بالتردي والانحدار نحو الأسوأ حتى قيام الانقلاب الدموي في 8 شباط 1963 الذي اغرق العراق بالدماء واستشهد فيه الالاف من خيرة المناضلين وضاقت المواقف والسجون ومقرات الحرس القومي بالمعتقلين حتى لجأت السلطة لتحويل المدارس الى سجون، واصدر الانقلابيون بيانهم سيء الصيت المرقم 13 القاضي بإبادة الشيوعيين أينما وجدوا بمباركة من قوى داخلية وخارجية، وكان لمدينة المدحتية حظها وزج المئات من أبنائها في السجون واستشهد في المواجهة جواد عبد الحسين السلطان واضطر كثيرون للاختباء وتشكيل مفارز مسلحة لمواجهة الانقلابيين وحرسهم القومي.
ومن الشيوعيين المعروفين في المدينة الرفاق عبد الله الحمزة وهاشم حسن عبد علي وعيد الحسن العلي ومحمد حبيب السلطان وحلبوص الحمد السليمان وجاسم محمد الحسن وكاظم محمد الحسن وحسين علي حسين وسعدون ومحمد ناجي العلوان وصالح محسن الجزائري وسعدون كاظم الفرج وزهير عبد الظاهر وحاتم محيي الحبيب وعبد العالي الجبوري وسعدون هاتف وعيال ساجت وعلي عبود اسماعيل ومالك ناجي وسليم الجزائري وفاضل فرج وحميد عبيد وحسين الكاظم الجرياوي وجوده كاظم الجزائري وحامد كاظم الدليمي وحامد كاظم الحبيب وظافر حسن الملوح ونجم بديوي وشاكر هاتف واحمد شيخ حسن وحسين عبد الظاهر وعدنان مالك جميعهم تعرضوا للاعتقال، ومئات غيرهم لا يسع المجال لذكرهم.