بإتجاه طائفة الفرح .. أيها الوجع
أسماء محمد مصطفى
على الرغم من أنني لم أعرفها شخصياً ، لكنني أرسم ملامحها بريشة تخيلاتي كلما تذكرتها بحرقة تدفعني الى إطلاق الدموع بوجه الألم المستبد ، حتى أشعر بأنّ صدري ماعاد يحتمل الذكرى الموجعة لحكايتها التي تطفو على سطح رأسي كلما مددت يدي الى بحر الذاكرة اللامتناهي، لالتقط منه صور الماضي القريب او البعيد .
هي شابة ممتلئة بأحلام تتعلق بسفينة حياتها الزوجية التي تخوض عباب بحر الحياة في بلد مستعر لم يهدأ ولم يستقر منذ سنوات .. وكان زوجها من طائفة غير طائفتها تحابا وتعايشا كأي اثنين لايعنيهما فارق ديني او قومي .. إلاّ أن وحوش الكراهية التي حاولت ولاتزال تحاول زرع الفرقة بين أفراد هذه الطائفة وتلك ، توحد بينهم في أثناء الموت إذ تستخدم أدوات القتل نفسها لتصفيتهم ، ولهذا قُضيت المرأة التي اتحدث عنها وزوجها لأسباب طائفية .. فقد اختطفته أيادي الغدر وطعنتنه بسكين وألقته في الشارع تاركة أحلامه تنزف الى أن أسلم الروح وذهب ضحية زارعي الفتنة .. فياللسخرية المبكية .. أن يموت الإنسان على الهوية في بلده !!
وبعد مقتله بنحو سنة قتلت هي بشظية ضربت عنقها بعد أن تطايرت من سيارة مفخخة استهدفت جمعاً من طائفة زوجها ، وكانت هي بالمصادفة قريبة من ذلك الجمع ! فالقتلة لايفرقون في الموت بين منتمٍ الى هذه الطائفة او تلك ، لأن هدفهم الفتنة وتشويه سمعة الطوائف والقوميات في بلد لطالما تعايش فيه الناس بعيدا عن أي طائفية .
قبل مغادرتها الى مرقدها الأخير كان وجعها وجعين : فراق زوجها وحقيقة أنها ستواجه الحياة وحدها مع طفلين . لم يفارقها حزنها ، فقد ارتدته وجعلته ثوبها الذي لايفارق جسدها وقلبها ، إذ إنّ رحيل زوجها فاجعة غيّرت نظرتها للحياة .. ولم تعلم أنّ فاجعة ثانية بانتظار طفليها .. تمثلت بفقدانهما لها أيضا .
حين رحلت عن هذا العالم افتقدتها طفلتها التي كانت في السنة الأولى من عمرها ، وأخذت تطرق أبواب غرف البيت بحثا عنها حاملة في قلبها الشوق الى حضنها .
أما شقيقها الذي كان في الرابعة من عمره ، فقد شاهد أمه تقتل أمام عينيه في الطريق ، وأصيب بالهلع وظل يصف الحادثة بكلمات طفولية تدمي قلب من يسمعها ..
هذه واحدة من حكايات الوجع والفقدانات المتكررة الناجمة عن الأمراض الطائفية والمخططات الإجرامية التي استهدفت تمزيق البلد وأهله ، فكم من حكاية وحكاية تشبهها في النهايات الدامية ؟ وكم زوجاً وزوجة خطفهما غول الحقد الدامي تاركاً عيون الأطفال متسمرة أمام مرايا الهلع ؟ وكم عائلة عراقية نكبت بمفخخة وعبوة ناسفة واغتيال ؟ وكم بيتاً اتشح جداره بلافتات الحداد ؟ وكم طفلاً تشرد او لم يجد حضناً يعوضه عن حضن الأم او الأب ؟ وكم دمعة انثالت على خدود وجوه الأرامل والأيتام؟ وكم صرخة حرمان أطلقت بلاجدوى في فضاء من لايسمع نداءات المساكين+؟
وبعد أداة الاستفهام “كم” التي تتردد كالصدى اللامنتهي بين جدران حياة ليست بحياة ، يرتفع صوت ” متى ” مطلقا ً صداه : متى يتوقف هذا السُعار ؟! ومتى يخفت صوت الوجع الذي بقي وسط الطوائف طائفة لوحده وبلون واحد يتشاركه الجميع .. أما آن الأوان لطائفة الفرح أن تزحف على حياتنا وتنتمي الينا وتجمعنا تحت رايتها ؟ ، نحن الشعب الذي بقي عصيا على الطائفية التي حاولوا نشرها بيننا ، إلاّ أنه نال مانال من أوجاع وفقدانات بسبب المفخخات والاغتيالات وسلسلة الفساد السياسي الذي سرق ثرواته وتركه وحده يقابل مصيره وسط القحط .. ولكن آن الأوان لنغير حياتنا بإتجاه الأفضل ..
فقط المطلوب منا التوحد ورفع أصواتنا باسم الانتماء الى العراق بعيدا عن أي انتماء آخر .. بعيدا عن الولاء لشخصيات او جهات او مصالح شخصية ضيقة .. ومادمنا لم نسمح للطائفية أن تفرقنا ، فليس صعبا أن نتفق على حمل راية التغيير نحو الأفضل .. نازعين عنا انتماءنا الى طائفة الوجع ، بإتجاه طائفة الفرح التي من المؤمل أن ينتمي اليها الجميع .