زيد الحلي
في كل مرحلة ، تتسيدد ظاهرة ، فتصبح ” علامة مسجلة ” بإسمها ، ولا اظن ان احدا لا يشاركني الملاحظة ان كلمة ” الشائعة ” كظاهرة ، اصبحت علامة ” مسجلة ” في المرحلة التي نعيشها الآن ، فهي الكلمة الاكثر شيوعاً في احاديث السياسيين وفي وسائل الاعلام ، حتى باتت لصيقة في جزئيات الحياة اليومية ، فعند الحديث عن ” تحسن ” وضع الكهرباء ، يقول لك طفلك ” بابا إنها اشاعة ” وحين يعلو سقف التصريحات حول البدء بخطوات ” المصالحة الوطنية ” تقفز امامك كلمة ” لا تصدق .. فالأمر مجرد شائعة ” وعندما تقرأ تصريحا لمسؤول عن استتباب ” الأمن ” يذكرك الواقع بأن ذلك التصريح مجرد ” شائعة ” وأخشى ان تتجذر هذه المفردة في الذهن المجتمعي ، فيتصورها البعض من سذاج المواطنين إنها كلمة جميلة ، فيطلقها على مولودته الجديدة ، فنقرأ على وسائل التواصل الاجتماعي : إن فلانا رزق طفلة جميلة سماها ” شائعة ” او ” اشاعة ” !!
ان من بيدهم ادارة امور البلد نسوا ان الشائعة طائرة أسرع من الصوت وفي احايين كثيرة اسرع من الضوء ، وفي صفحات التاريخ وفي الذاكرة القريبة والبعيدة ، اسماء لحوادث مؤسفة ، وانهيارات وتداعيات كبيرة وخطيرة في حياة الأوطان والشعوب ، اطاحت بعروش وامبراطوريات ، وقفت خلفها وقادتها ” شائعة” صغيرة .. إنهم لا يدركون خطورتها وتأثيرها السلبي القوي باعتبارها من مفاتيح الشر، ومن دواعي الوقوع في الخطأ المميت ، بل الوقوع في الخطيئة أحياناً.!
وفي رأيي ان اهم اسباب انتعاش ” الشائعة” يعود إلى انعدام المعلومات، وندرة الأخبار الموثقة ، ومن هنا ينادي الخبراء بضرورة تزويد المجتمع بجميع الأخبار التفصيلية والدقيقة الممكنة حتى يكون على بينة مما يدور حوله من أحداث وأعمال تؤثر على حياته ومستقبله… وهذا ما يحصل الآن مع الاسف ، وانني اشبه ” الشائعة ” مثل انسان يمدحك في ضجة ويخونك في صمت وهي اخس صور الخيانة، واخطر انواع “الشائعات” تلك التي تروج في أول الأمر، ثم تغوص تحت السطح ، لتظهر مرة أخرى عندما تتهيأ لها الظروف بالظهور، ويكثر هذا النوع من الشائعات في القصص المماثلة التي تعاود الظهور في كل حرب و في كل ازمة وعند اتخاذ اي اجراء اقتصادي مفاجئ ، او قرار بعزل فلان من مسؤولية كبيرة او فشل في ادارة قضية تهم المواطنين .
وحسب دراسة علمية ، فإن المعلومة الصحيحة تفقد 70% من تفاصيلها عند وصولها إلى الشخص الخامس أو السادس، مما يدل على أن الشائعة سهلة النشوء وسهلة التركيب ، فبمجرد أن يحاول شخص تعويض الفاقد من هذه التفاصيل فإن المعلومة نفسها ، بتركيباتها الجديدة ، تتحوَّل إلى شائعة.. وهذا هو غالباً ما يحدث حين يحاول بعض الأشخاص أن يصوروا أنفسهم انهم أعرف أو أقرب من غيرهم إلى مصدر المعلومة.. فتكون تصريحاتهم الفاقدة للتأثير ، اخطر من “الشائعة” ذاتها التي يحاولون الرد عليها .
دعوة الى اصحاب القرار : انتبهوا رجاء الى خطورة ” الشائعات” التي تدور مثل الثعابين حول اعناق الوطن ، اقتلوها في مهدها ، وانهوا غلوائها ونتائجها المدمرة بأجراءات الصدق والشفافية قبل فوات الآوان ..!!