عبير حميد مناجد
الدنيا أم .والآخرة رضا الأم. ولدنا من رحم أم .وربتنا ام وسهرت على راحتنا وسنوات الدراسة والأمتحانات أم .واعطتنا الثقة في أستقبال الحياة وأن نكون رجالا وأمهاتأ ناجحين في حياتنا المهنية والشخصية أم.. وقبل كل هذا أرضعتنا من حليبها وحنانها وجعلت تغرس فينا الدين وخشية الله والحلال والحرام, وكبرت احلامنا في ان نكون اطباءا ومهندسين, ومحامين, واساتذة ومعلمين, ومهنيين رائعين ,هي من علمتنا ان يكون لحياتنا هدف. وان نتسلح بالعلم والأيمان فهما خير ما يتسلح به المرء في الحياة الصاخبة الوحشية.. المرأة الأم هي من دفعت وتدفع ثمن بؤس الحكام وسياساتهم الخاطئة التي رملتها وجعلتها في كثير من الأزمان , والأماكن تواجه الحياة مع أبناءها وحيدة فلعبت دور الأب والأم معا كي لا تضيع رعيتها … دفنت مشاعرها وأنوثتها في قبر سحيق وصارت ام فقط لا غير, كي ترعى الأمانة وتصون الوطن في ابناءه واخلاقه,,المرأة الفلسطينية والعراقية والسورية اليوم.. صارت أما فقط هدفها ان تنشئ أجيالا لتكمل المسيرة وتواصل النضال والقضية..
مليوني أرملة هو وأربعة ملايين طفل يتيم الأب او والأم معا هو ماخلفته سلسلة الحروب العالمية بقيادة امريكا على العراق. كما خلفت آثارا نفسية وتركيبة أجتماعية سيصعب تخطي آثارها على المدى البعيد حتى… من عدم الشعور بالأمان وفقدان الأمل بغد افضل وسوداوية في النظرة الى المستقبل والأرتباك من سلاسة العودة الى الحياة الطبيعية ,ومسايرة ركب الحضارة الأنسانية,, ناهيك عن المشاركة فيها اتكلم هنا عن أمهات وأطفال المستقبل الذين ذاقوا ويلات الحروب وجربوا الخوف والحزن والحرمان ,وخبروا كذب الساسة وفسادهم وعدم اهتمامهم بهم .
في زيارتي الأخيرة لبغداد بعد غياب سنين طوال عنها ,فكرت ان أزور مدرستي حيث قضيت أجمل سنين عمري وأكثرها براءة وطهرا ,,وسألت عن مدرساتي فلم يبقى منهن أحد بل لم يعرفهن أحد فكل شئ تغير.. وحين كنت أهم بالسلام على مديرة المدرسة في مكتبها , لأنها سمحت لي بالزيارة قبل ان أغادر, وجدت طالبة شابة يافعة تبدو أكبر من ان تكون طالبة ثانوي ( ذلك انها تركت المدرسة بعد الأحداث الطائفية المؤسفة التي جرت في العراق 2005ـ 2007 ومثلها الكثير من طلبة وطالبات العراق وعادوا للدراسة بعد استتباب الأمن نوعا ما) وهي تبكي وتستعطفها ان تسدي لها مساعدة ومعروفا بأن (تشيل لها) بعضا من الدروس التي رسبت فيها حتى يتسنى لها ان تتخرج اخيرا لكي تجد عملا وتعيل اسرتها وأبناءها لأنها متزوجة وزوجها معتقل في أحد السجون . بدون أن توجه له تهمة محددة منذ سنوات, وبدون شهادة ليس هناك عمل , الا أن المديرة رفضت وخرجت الطالبة وهي تشهق بالبكاء ربما أستعدادا للمصاعب والأيام حالكة الظلمة التي تنتظرها ورغم انني لست من انصار (الواسطة والمحسوبية), ولا بأي شكل كان الا أنني تعاطفت مع الطالبة وعاتبت السيدة المديرة لماذا لم تساعديها ظروفها صعبة جدا ؟ فأجابتني بسخرية, وهل تظنين انها الوحيدة التي تواجه ظروفا صعبة هل تعلمين كم طالبة (عندي) يتيمة الأبوين؟ وكم طالبة مطلقة ؟وكم طالبة أرملة ولها أولاد ؟صغار وكم طالبة متزوجة وزوجها في السجن أو في المعتقل منذ سنين وفي رقبتها أبناء وأخوة صغار؟ كم طالبة يحب ان أساعد؟؟ لأنهن كلهن ظروفهن صعبة قولي لي أنا محتارة.. ألزمتني بالدهشة والسكوت وعجزت عن أتمام الحديث معها وخرجت وأنا حزينة ومتسائلة..زمان كانت الأم التي تعيل ابناءا في سن الدراسة او الأرملة في عمر الأربعينات ومافوق ..في العراق اليوم ..الأمهات واللاتي يتحملن مسؤولية عوائلهن والأرامل بعمر الثامنة عشرة ومافوق. فعلا كل شئ في العراق (تغير) منذ آخر مرة كنت هناك.