“الوطنيه” الايديلوجيه الثلاينيه الزائفه؟/2
عبدالاميرالركابي
قد يستحق زكي خيري من بين الشيوعيين العراقيين والعرب، انتباهة، على الأقل من زاوية كونه الاقرب الى عينة الاستدلال على خلفيات حالته الأقل دوغمائية، كما حالة حزبه بالمقارنه بغيره من الأحزاب العربيه، وغيرها من الأحزاب المشابهه في العالم الثالث،بما يعود فيذكر بقوة حضور الموضع الذي انبثق الحزب المذكور فيه، وقد يكون اهم مايمكن ان يلاحظ لهذه الجهة، الميل الملحوظ لمفهوم “نمط الإنتاج الاسيوي”، من بين التيارات الرسميه من الأحزاب الشيوعيه، كما نوه به ماركس وانجلز، مايعد اقرب الى الخطوه، وان غير المكتمله، ولا التي تتوفر على مقومات الانقلاب باتجاه الخصوصية، ومع القبول بطغيان منظور الماركسية الالغائي لاي منطوى اكتمال نمطي لها، أي من دون الذهاب لحد اعتبارها “نمطا” يستحق البناء عليه، مقابل النمط الطبقي الكلاسيكي الأوربي، غير ان هذا الجانب خارج بحثنا هنا.
فالمذكور لايتحلى بالاجمال بوحدة تفكير وموقف، وهو يمكن ان يقارب من بعيد بعض الخصوصيات البنيوية،مع الحرص على احراز شرعيه مايفعل من الخضوع الصريح في نهاية المطاف لمصدره العقيدي الأساس كما فعل في تقريره عن المسالة الزراعية بعد 1958، في حين يظهر من حيث التاسيس العام والمبررات التي تبيح نظريا وجود حزبه في العراق، على المنطق الغربوي النافي للخصوصية، والماحق للظواهر الكبرى العائدة للواقع التاريخي البنيوي كاحتمال، وبالذات لمقدمات مايعرف بالعراق الكيان الحديث، ابتداء، وعلى وجه الخصوص، من الحدث الثوري التحولي الكبير غير الناطق في 31 حزيران 1920 ، والذي تجري مصادرته وقتله عادة باصرارلخصوصيته الاستثنائية، وامتناعه، وفي بعض الأحيان بما يستدعي السخرية لخراقه وعظم وازدحام تناقضاته، ومايستعمل لمقاربته المزوره من وسائل، مثقلة بالغرضية والجهالة الساذجه، كما الحال في النص النموذجي ادناه، والحري بالتثبيت كعينه لازدحام تناقضاته الفجة، يقول خيري:” كانت ثورة “1920” اول ثورة وطنيه عراقية، فمن حيث نطاقها شملت القطر العراقي من شماله الى جنوبه، بعربه واكراده واقلياته وبمختلف طبقاته الوطنيه، عامه، وكان هدفها المباشر التحررمن الاحتلال البريطاني والحكم الكولونيالي، وإقامة دولة وطنيه ديمقراطية وعصرية . وقد أقيمت فعلا الدولة العراقية المعاصرة دون ان تكون مستقلة تماما او ذات سياده وطنيه كامله. ولم تتحقق الديمقراطيه او الحرية السياسية بالنسبة لاكثرية السكان الساحقه فقد احتكرتها الطبقات المالكة العليا. فلم يكن نجاح ثورة “1920” الثورة الوطنيه الأولى في العراق، نجاحا تاما او كاملا”(1) ولا يكاد المرء يصدق ان تكون السوية العقلية والتفكرية المعرفية لبلد مثل العراق، بهذا القدر من فقدان المقياس الذاتي، بحيث يقبل ويتم السكوت على نص مثل هذا، صادر عن حزب يفترض انه احد ابرز الأحزاب الحديثة المؤثرة في الحياة العامة.
فلنحاول إعادة قراءة هذه المصفوفة المؤلفة من مجموعة أشلاء، كل منها يعود لعالم، ولكائن غير الاخر، لتشكل هيكلا هجينا غريبا، سنحاول إعادة كل جزء منه الى أصله:
ـ أولا بالتوقف عند التسميه التي يطلقها على الحدث الثوري، فهو برايه”ثورة وطنية عامه” وهي تسمية مصادرة مقصودة وجاهزه، اول ماتدل عليه، الاستخفاف والخفة إزاء ظاهرة كبرى متعلقة بتشكل كياني، له خاصياته المختلفة عن المعروف والشائع من بنى كيانيه، يجري تطويعها اعتباطا لمفهوم جاهز من خارجها، متعد على طبيعتها التي تحتاج لتعيين بعد البحث المدقق في معطى مجتمعي تاريخي، يستحق ان يحمل التسميه التي تطابق طبيعته المستخلصة كما يفترض، من التعرف على كينونته، وهو مالايفعله الكاتب، ولايستطيع، لانه غير مؤهل للقيام بمهمة كهذه تتجاوز قدر اته، فيرتكب بناء عليه خطأ فادحا على مستوى المنهج والغاية، بما يخرج مايقوله من أي سياق قابل للاعتماد اوالقبول الاولي.
ـ وإذ يقرر بانها شملت القطر العراقي “من شماله الى جنوبه بعربة واكراده واقلياته وبمختلف طبقاته الوطنيه عامه”، فانه يرتكب بداهة كذبه فاضحه، فالحدث العشريني وقع في ارض السواد، او عراق السواد لاعراق الجزيرة، بحسب التقسيم الثنائي المعتمد من الجغرافيين، منطقة ابتداء التشكل الوطني الدائم، بحسب الخاصبات البنيوية الازدواجيه الامبراطوريه، حيث التشكل يبدا حكما من الجنوب، قبل ان يكتمل لاحقا امبراطوريا ازدواجيا(سومر في الدورة الأولى ، والكوفة والبصرة في الثانيه، والمنتفك سومر الحديثة اليوم)والمستمر من القرن السادس عشر، وهي ليست الثورة الوحيده، ولا الأولى، ولا العامه، او المقاربة للعموم، فالثورة الثلاثية عام 1787 قبلها ضد حكم المماليك أيام العثمانيين، حررت العراق من بغداد الى البصرة والفاو، مع تغير شكل الاحتلال ومصدره، فالعراق المعروف تاريخيا بسلاسل الغزوات الهابطه عليه من الشمال، والاتيه من الشرق والغرب، لم يعرف في كل تاريخيه، حالة اختراق جاءت من الجنوب الذي هو تقليديا، “منطقة امنه” من ناحية، مع الاختلاف النوعي اليوم في الجهة المحتله المختلفة اقواميا، ومعتقدا،ونوع تنظيمها، وطاقتها الاحترابيه التسليحيه، وهذا لايمنع من ان يكون الحدث قد لاقى تاييدا واسعا في منطقة عراق الجزيرة، لكن الثورة ومركزها، وموقع تاججها، هو ارض السواد العراقية الحديثة، السابقة حداثه على حداثة الغرب، ووصوله للعراق، والتي كانت حين وصل الإنكليز الى الفاوعام 1914 ، قد عرفت حقبيتين من التاريخ، الأولى “قبلية”، والثانيه انتظارية تجديديه دينيه، هما اللذان حضرا وقتها في خلفية الحدث الثوري، وكانا محركاه ومادته.
ولم يكن العراق بعكس مايوحي الكاتب، قد اكتمل عام 1920 تشكلا، أي ان الحديث عن فئاته وطبقاته عامة، واقلياته، هو حديث خارج نطاق الحالة المدروسة، ينتمي لمدرسة الفبركة والاكراهية النمطية الغربية الاستعمارية، والنمو الكياني المجتمعي المتماثل، كان المفترض بزكي خيري لو كان وطنيا عراقيا، ان يرفضها، ليقول بان العراق وقتها لم يكن قد اكتمل تشكلا، ولو ان معجزة كهذه كان يمكن ان تحدث بحيث يقفز شيوعي معبا بالترسانه المفهومية الغربية المبسطة، بحيث يصبح المتحدث بمستوى يؤهله لان يقف بموقع العراق الذي هو منه، لقال وقتها بان الشكل العراقي الرافديني ازدواجي لايشبه، ولاتنطبق عليه قوانين التشكل الغربية الحديثة، الخاصة بظهور الكيانات الوطنيه والقومية، والدول الأمم بنتيجة، وضمن سياقات الانتقال التاريخي من الاقطاع الى الراسمالية، فالعراق بالطبيعة والبنيه والتكوين، هو نمط كيانيه ازدواجيه امبراطورية، لاتتشكل الا وفق الديناميات الإمبراطورية، وهو ماقد أكدته بما لايقبل الجدل، مسارات دورتين تاريخيتين، تبداالاولى قبل الميلاد بأكثر من ثلاثة الاف عام، لتتكرر في دورة ثانيه، ليست بعيده، بدات في القرن السابع عشر، وانتهت في الثالث عشر، الى السادس عشر.
ولو ان الكاتب قد توصل بقدرة قادر لمثل هذه الرؤية، لما كان قطعا قد تحدث عن العراق بكل “طبقاته واقلياته الوطنية عامه”، ولدخل بابا اخر يقول: بان العراق الأسفل المتشكل حديثا في ارض الرافدين، هو الموضع الذي انتفض وقتها ضد الاحتلال الإنكليزي، انما ضمن سياقات واشكال تمخض، جوهرها ومحركها البنيوي، امبراطوري، ساهمت في تعزيز آليات تشكله الحديث، ونقلتها ضمن ظروف استثنائية، خطوة جديده الى الأعلى، وهو ماكانت علائم وبدايات مباشرته في بداياتها، كما تمثلت في ميل القيادة الحديثة الثانيه الدينيه الانتظارية النجفيه، الى الامتداد بناء عليه شمالا، مع انتقال المرجع الأعلى حسن الشيرازي، أبو الحسن، الى سامراء، وقبلها محاولات المنتفك، المركز القيادي القبلي، الوصول الى بغداد، والمطالبه بالولاية عليها، كما حدث ابان الثورة الثلاثية، والمضبطه التي رفعت وقتها من البصرة، باسم منطقة ارض السواد المجتمعين هناك، الى الباب العالي، كما قبل ذلك، كما تشير الوقائع التاريخيه.
لم يكن زكي خيري ولا أي من الايديلوجيين الملتحقين بالمنظور والنموذج الغربي وطنيا عراقيا سوى بالنوايا المناقضة للمارس، بل من صنف وجماعه ظهرت في حينه لكي تكون ملحقا بالتصور الافنائي الغربي، المضاد للبنيه والنموذجية الوطنيه العراقية، وهو ومن معه ممن يشبهونه، كانوا يعكسون حالة مزدوجه من النكوص والاندحار امام الظاهرة الرافيدينيه، التي تتفوق بنيويا وطبيعة تكوينيه على المتاح من الطاقة الاستيعابية العقلية البشرية عموما للظاهرة المجتمعية، فتظل هذه بناء عليه “خارج الافتكارالممكن”، وتلك ظاهرة عامه، ظل العقل البشري باجماله قاصرا ازاءها، يضاف لذلك صنف اخر من القصور الاني، المتاتي من الوقوع تحت وطاة النموذج الغربي، والنظر اليه واعتباره النموذج الأعلى، بالذات ابان فترة صعوده وهيمنته الأولى الساحقة، الامر الذي يولد في حالة العراق بالذات، معضلة مزدوجه، لابل مركبة، تتعدى الغرب وظاهرته الحديثة الكيانيه المتصلة ب، والمرافقه للتحول البرجوازي الحديث، ومجمل ما اشاعه الغرب من مفاهيم، وماعرف ب “العلوم” ومنها “علم الاجتماع” الأحادي الناقص، الذي يكرس النمطية المجتمعية الأحادية، باعتبارها نمطيه وحيده واحدة، لانمط غيرها.
بدبهي في مثل هذه الحالة، وبناء لمستوى التشكل المجتمعي الكياني العراقي من ناحية، والغلبة الكاسحة للنموذج الغربي الحديث، ان تمر الوطنيه العراقية بطورين، الأول استعاري تلفيقي تخيلي، مرتكز للتطابق القسري مع النموذج الغالب على مستوى المعمورة، بانتظار الطور الاخر اللاحق المفترض ان يتشكل على انقاض “الوطنية الايديلوجيه” الزائفة المزورة، وان تتخذ هذه، وكما يفترض ابان تجليها وتحققها، موقعها باعتبارها حالة ثورة كبرى، وقفزه مفهوميه استثنائية على مستوى المعمورة، اهم مايميزها، انتسابها الى “مابعد غرب”، الامر المنتظرملاقاته والتعرف عليه من هنا فصاعدا، حكما وضرورة، اذا لم يختر العراقيون طريق الفناء الذي افضت اليه ودفعت نحوه، فترة الايديلوجيا والاسقاط المدمر الافنائي، بعد قرن او يزيد على غالبته.
ـ يتبع ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) زكي خيري/ مقدمة كتاب / من تاريخ الحركة الثورية المعاصرة في العراق 1920 ـ1958/ الطبعه الثانيه/ سعاد خيري/ دار الرواد للطباعة/ص 3.
-الوطنيه- الايديلوجيه الثلاثينيه الزائفه؟/2
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا