الوطنية المتعذرة والطور التكنولوجي ؟/ملحق6
ينتمي زمن الريعيه النفطية في العراق بين عامي 1968/2003 الى مابعد مشروع الغرب الحداثي بشكليه المباشر وغير المباشر، والى نمط مستجد من الصراعية مفض الى الزمن الثاني من حالة “العيش على حافة الفناء”، الذي ايتدا عام 1980 مع الحرب العراقية الايرانيه (1980 /1988) أطول حرب بين بلدين في القرن العشرين. وقتها أي مع انقلاب 17 تموز 1968، طرا تطور غاية في الفرادة، دخل مجرى الصراعية الازدواجية، لاعلاقة للغرب به، ولم يكن قادرا على اصطناعه بذاته وممكناته النموذجية والمفهومية، مع انه وجد وقتها كحالة قلب اكثر خطورة ومضاء للتوازنات بين الاطارين، الأعلى والاسفل، لصالح الأول، وتميز بالفعالية الفائقة، مقارنه بما كان قد طرأ من متغير قبله، مع الغرب ومشروعه، وقوة ووطاة حضوره الاستعماري والنموذجي المنتهي الى العجزوالفشل الصارخ.
ومع تجاوز فهاهة السردية الايديلوجية الحزبيه، ونظرها البراني التلفيقي لتاريخ العراق الحديث وظواهره الأهم، بالاخص منذ خروجها من عالم الفعالية التاريخيه بعد ثورة تموز، ولجوئها ل”نظرية”ماصار دينا اقرب الى الهلوسة، اسمه “الدكتاتورية” كيافطة شيطنه بائسة للمقابل بلا مضمون، دالة على العجز الكلي، وتوقف العقل دون الاقتراب مما هو معاش وحاصل فعلا، ماادى وقتها للذهاب الى الذروة في ممارسة السباحة خارج الواقع ومتغيراته، بينما العوامل الخارجية والاقليميه تغدو اكثر فاكثرهي العنصر الحاسم والفاعل، كما الحال مع الثورة الايرانيه واثرها بالذات بسبب الحرب، في تعطيل فعالية واستمرارية الريع النفطي، والمتغيرات الحاسمه داخل بنية الغرب، مع انتهاء ازدواجيته وقطبيته عند غياب الاتحاد السوفياتي، وتغير شكل واليات أداء الراسمالية مابعد المصنعية، لحظة صعود أمريكا لموقع القوة العظمى الوحيدة على مستوى المعمورة.
هل كان العراق وقتها سائر الى “الإمبراطورية الأحادية”، أي الى قيام شكل من اشكال الإمبراطورية الملازمه لبنيته وكينونته الازدواجية، محورة بحسب الاشتراطات الحديثة والمتغير الأهم الحاسم الطاريء على بنية الازدواج، مقارنه بالحالات الأسبق السومرية البابلية الابراهيمية وماقبلها، والعباسية القرمطية الانتظارية، يوم كانت الاليات اليدوية الزراعية واشتراطاتها الاستثناية، هي الفاعله، والمتحكم الوحيد بالاليات الازدواجية، مقارنة بما قد طرا اليوم من متغير أساسي حاسم، جاء من خارج الوسائل المتاحة انتاجيا، ومثل للمرة الأولى وخلافا لما بدا به العصر الحديث في هذا المكان، مع نهوض الغرب الحديث وتدخليته بطوريها (1817/1958) المنتهية الى الفشل الكلي، والى نوع من الانقلابية الملائمه لمجتمعية الازدواج، تناظر الانقلاب الالي الغربي الحديث، فتوفرت ووفقا لاليات المكان وطبيعة بنيته، والطور التاريخي الذي يمر به، احتمالية انقلابية من نوع كان من شانه ان يأخذ هذا الكيان الإمبراطوري طبيعة، نحو طور من التشكل التاريخي الامبراطوري الحديث المحور، والمختلف عما كان يعرفه في الماضي.
والمؤكد اننا هنا امام فرضية تقع بباب الاستحالة اذا قيست سواء وفق مبدأالشعاريات المتهافته، او مايعرف بالقراءات الاقتصادية للنفط ودورة “الوطني”، مادامت فرضية الازدواج واشتراطاتها مستبعدة، وخارج النظر، ناهيك عن البحث، وبالأخص دوره ونوع فعاليته من زاوية علاقته بالبنيىة، كمثل بنية الجزيرة العربية كيان أحادية اللادولة المحكوم لاقتصاد الغزو و “الحرب كوسيلة للعيش” الذي يحتقر العمل في الارض، ونمط كيانيه زراعية استثنائي ازدواجي امبراطوري، بنيته الأساس محكومه لقانون العيش على حافة الفناء، مع مايتوقع من تكريس الريع النفطي الفائض للاعالة او “البطالة” مكان الاحترابيه، عن طريق توزيع الاعطيات على الهرم القبلي، كما في المملكة السعودية، ومحاولة نظام الريع العراقي الاستقلال عن المجتمع، وإيقاف الياته الاصطراعية الازدواجية، بالتحول الى رب عمل موظف للمجتمع من اعلى، تكريسا للاحادية المستحيلة، كما لم يسبق ان حدث من قبل، مع كل ماينبغي دفعه من ثمن مقابل تامين أسباب التحول التاريخي الى الإمبراطورية الأحادية “الحديثة”، ماقد اوجب مواجهة والخضوع لمحركات الازدواج التي لابد من دفع ثمنها ديناميه “فوق وطنيه”، محكومة لقوة الضغط من اسفل كمؤدى واجب الدفععلوا “وتقدما”، مقابل محاولة تكريس الأحادية(1).
يعني ذلك ان نظام الريع الامبراطوري الأحادي، بقدر مايمثل فرصة استثنائية، ولحظة غير مسبوقه، فانه في الوقت نفسه ليس حالة او متغيرا يمكن ان يؤدي المطلوب منه والمراد، وان خارج وعي القائمين عليه، بين ليلة وضحاها، او من دون مقتضيات وأسباب تحور بناء على ضغط المستوى الأسفل بعراقته البنيويه والتاريخيه، وتشكله الراهن الحاضر منذ قرابة ثلاثة قرون ونصف القرن، هذا سوى ان ماقد حصل وقتها من صعود نظام ريعي عقائدي بنواة قرابيه ( بحسب صدام حسين : اهل الخبرة، واهل الثقة)، لم يكن باية حال من صنع وابتكار عبقرية احمد حسن البكر، وصدام حسين، او من دون تدخل عوامل الصراعية الفائقة لوعي الفاعلين على المستويين، الاعلى والاسفل، ناهيك عن العوامل والأسباب غير المباشرة والحمائية غير المحسوبة، ولا الملموسة عيانا.
ولابد للمرء مثلا وقبل البحث في “الثروة الوطنية النفطية” الخرساء والمحايدة ك “مادة”، كما يطلق عليها، من التفكر في أسباب، والحكمة التي استوجبت وجودها، ولماذا وجدت بالشكل والزمن الذي وجدت عليه واكتشفت، في الجزيرة العربية، والعراق بالذات، أي في موضع الثورة العقيدية الابراهيمه الأخيرة، المحمدية، وماتبعها كيانيه الازدواج الإمبراطوري، قمه وذروة منتهى صعود الدورة الثانيه، وقد ابتدات في الجزيرة العربية حيث أسباب الاحتراب الضروري القصوى، و”الفتح”، المساعدالمباشر على تحرير الاليات الرافدينيه المتوقفه تحت وطاة الاحتلال الفارسي، وعوامل ذاتيه تكوينه، وإتاحتة الفرصة لها كي تنطلق في دورة ثانيه، اعلى واوسع مدى وشمولا من حيث التاثير والفعل الكوكبي، والنتائج المترتبة عليه، مقارنة بتلك الأولى السومرية البابلية الابراهيمه، مايوحي وكأن ثمة قانون حمائية طبيعي للبؤرة الازدواجية التحولية، يغطي ويعوض عن قصورها التكويني، ومناحي هشاشتها وحساسية ورقي او “رهافتها” البنيوية إزاء مايضادها، ويحيط بها من عوامل كبح وتدميراحادي دوري(2).
ومعلوم ان النفط وعوائده، ووجوده كمادة ارتبط بالغرب وصناعته وتنقيبه، وانه اصبح منذ بداية الخمسينات وإقرار قانون المناصفة بالارباح مع شركات النفط العاملة في العراق، عنصر الإغاثة الرئيسي الذي منح الدولة الأولى القدرة على الاستمرار بعد عام 1952 ، قبل ان يتحول بعد عشرين سنه بالضبط، ومع التاميم في 1972 عنصر حل لحالة تازم قصوى كانت قد بدات تنذر باحتمال تحقيق المستوى الأسفل انتصارا، بدات ملامحه الأولى تلوح مع ثورة 14 تموز 1958 من الصعب وصفه، او تقدير ماكان يمكن ان يترتب عليه، عدا عن كونه لم يكن وقتها قد نضج تماما ولا اكتملت مقوماته الضرورية، مع استمرار حالة النقص التاريخي في وعي الذات.
وهكذا يكون حضور الغرب هنا قد امتاز عمليا لافقط بالحضور المفهومي والنموذجي، ولا الوطاة الاحتلالية المباشرة الكولونياليه وحسب، بل وبعامل أساس حاسم إضافي، ليس له من شبيه او مثيل على مستوى المعمورة والبلدان المستعمرة، الا فيما ندر، وضمن سياقات اخرى مغايرة نوعا،، وعموما ليس كما قد وجد واكتسب فعاليته في موضع ازدواجي متفوق على الحضور الغربي، ومتعد كينونة وديناميات لطاقة هذا الاخير على الفعل والاستيعاب، برغم ماتميز به من صعود استثنائي متفق مع موقعه، وعلو دينامياته، وطبيعته البنيوية ضمن نمطه باعتباره انشطاريا طبقيا.
ـ يتبع ـ
ملحق 7
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بفجاجة وتدني مستوى الخطاب “الدكتاتوري”، الموجود فقط لاسباب الحفاظ على الوجود الهيكلي، خارج مقتضيات استعمال العقل، والصلة بالواقع والاليات، يمكن لترسانه وحثالة الدعاوى العصبوية الفارغة، ان تعتبر مانقول من قبيل الإشادة ب ” الدكتاتورية” خارج احكام الموضوعي والمعطى الواقعي، لغربتها عنه وعن عالمه، مع تجاوز ظواهر من نوع اعلان اليونسكو عام 1978 خلو العراق من الامية التي عادت تتفشى بارقام مخزية مع انهيار بنية التعليم بعد عام 2003، واعلان وكالة الصحة العالمية عن وصول الخدمات الطبيه في العراق مع التسعينات، مستوى مايماثلها في اوربا الجنوبيه، ومستوى الدخل الفردي والخدمات وقتها، مقارنه بنسبة من اصبحوا اليوم تحت خط الفقر بلا كهرباء، ولا أي حضور خدمي للدولة، مع توقف الإنتاجية، والإصرار على إبقاء العراق عند “الإنتاجية صفر”. والجيش “الرابع” من مليون ومائة الف منتسب، مع مايعنيه ذلك كما يعرف الغرب وإسرائيل من مقتضيات لوجستيه وتنظيمه فائقة، والحديث عن نوع السلاح الثالث بين الشرقي والغربي، الذي شرع العراق بالتفكير به ووضعه موضع التنفيذ، وتمكن الطيارين العراقيين من ملء طائرات السوبر اتندر في الجو بالوقود، وهم الطيارون الذين تقاسم الاجهاز عليهم اغتيالا الموساد الإسرائيلي والمخابرات الإيرانية بعد 2003من دون ان يرد لهم ذكر من قبل المحررين من الدكتاتورية، ولا اعتبروا باية درجة قضية “وطنية” تستحق التوقف. مايضعنا بلا ادنى شك امام حالتين.
“دكتاتورية” من ناحية، وعمالة وخيانه وطنيه تدميرية قاسدة من السراق العملاء، تفوق الوصف، لقوى تأتمر بامر السفارتين الامريكية والايرانيه، مع حضور قوى هي بالأحرى “قمامة تاريخيه” لاعلاقة لها بالعراق، ولاتاريخيه، ولاتكوينه، اذا ما احتكمنا لآلياته التاريخية نتاج بنيته، ومكانته على مستوى المنطقة والعالم.
(2) العلمويون بالطبع، والذين يرون العلم من زاوية الخرافة، ومن مدخلها، لانهم غير قادرين على التفكير الا خرافيا، سوف يعترضون باسم “العلم” على أي ملمح متجاوز لخرافيتهم النقلية، واستقالتهم العقلية الكلية، من نوع مانطلق عليه هنا “الحمائية الطبيعية” التي يتمتع بها الكيان الازدواجي، الامر الذي يستحق معالجة مستفيضة لاحقا.
الوطنية المتعذرة والطور التكنولوجي؟/ ملحق 6
اترك تعليقا