الوداع الأخير
ــــــــــــــــــــــ
وأنا أدخل صالة الفندق فأذا بها امامي وجها لوجه ، تسمرت في مكاني ولم احرك ساكنا ، ها نحن نلتقي بعد فراق طويل ، ما زالت في بريقها واناقتها ، لم تشخ ، ولم تبلغ خريف العمر مثلي ، ربما حزني على فراقها قد اثر بي كثيرا .
بالأمس وانا اعيش مراهقتي ، اغرمت وعجبت بها ايما غرام وأعجاب ، الذي سرعان ماتطور الى حب سرى في دمي واحاسيسي ، ولا أدري هل هي أغرمت بي او لا فهذا سر من اسرارها ، حينها نصحني افراد عائلتي بالأبتعاد عنها لأنها سوف تكون حائلا بيني وبين دراستي ، فالأولى الأنتباه لدراستي وبعدها أفعل ما أشاء ، ويبدو انهم لا يدركون للغرام معنى ، الا انني لم أعر في حينها أي أهتمام لتلك النصح فحبي كان اكبر من كل النصائح ليتطور هذا الحب والشغف الى امر اسمى وأعمق وصرت استرق الوقت في منتصف الليل لألتقيها وحينما تتهامس الأصوات وتتعالى التنهدات راح يصحو من يصحو ، وراح هناك من يؤنبني في سلوكي هذا الذي قد يضيع مستقبلي ، ولم يبخلوا علي بالنصح في التوبة منها التي لم اكترث لها ولم تكن لها عندي أية اهمية بمكان ، ولكن هيهات فهم لايشعرون بأحاسيسي نحوها ، ربما كانوا كبار السن وقد عدى عليهم الزمن ، أما انا فأشتاظ نارا نحو من احببت ومن دخل هواها في نفسي بدون استئذان ، فحين أدنو منها وتتلمس اناملي أناملها وتختلط آهاتي وحسراتي وزفراتي مع صوتها اشعر بأنها الحياة وخلودها ، اتساءل وأنا أحتضنها هل لك قلب ينبض بحبي ؟ ، ولكنها لم تجبني وأنا لا ادري وربما اعلم بانها تتفاعل معي ولكن بدون احاسيس .
ومع الأيام وتندلع حرب الثمانينات فاذا بحبيبتي التي اغرمت بها تغادر الحياة رغما عنها بقذيفة سقطت هناك ليس ببعيد ، فيا بؤس حالي لماذا سرق مني الزمن اجمل ايامي ومشاعري واحاسيسي ، انها لن تعود ، وإن عادت فليس بما كانت ، قد تشبهها ولكن ليس فيها هناك مايربطني اياها .
وتستمر الحياة وكلما كبرت تكبر آهاتي باستذكار أجمل أيام صباي وها انا ادخل صالة الفندق بعد تلك السنين في خريف العمر ونيف لألتقيها مرة أخرى إنها هي بكل تفاصيلها فيا ترى هل تراجع الزمن ؟ لا .. لا .. محال أن يكون كذلك .. نظرت اليها ولكن لم تعر لي أية أهمية بمكان ، تساءلت مع نفسي .. هل ياترى نـَسـِيـَت حبي واشتياقي ولوعتي لها ؟ ولكن .. لا جواب .. إذن لـِم َ نظراتها محدقة بي ؟ .. دنوت منها كثيرا لأتأكد ، هل هي أم لا ؟ وسرعان ما استحضرت خاطري وتذكرت بأن من أحببتها قد ماتت في حرب الثمانينات بقذيفة عابرة … انها تشبهها كثيرا ولكنها ليست هي بالتأكيد ، ودنوت منها أكثر فأكثر ، ومددت لها يدي لتتلمس اصابعها فراحت تدغدغ اناملها بكل اطمئنان غير آبه لسنين عمري ومشيب شعري والناس ترقبني ، وكدت اعانقها لشدة ولعي وفرحتي لاستجابتها لهلوسة اصابعي التي انغمست في احتضان اصابعها ولم تبد شيئا آخر ، مما زاد شوقي ورغبتي في احتضانها ولكن ادركت حينها أن علي التعامل معها بلطف رجل خريفي العمر وأن الصبا ولى مدبرا الى غير رجعة ، ومع انتهاء رحلتي في هذه السفرة وها انا اشد من وثاق أمتعتي في غرفتي المخصصة لي في ذلك الفندق وأستعد للنزول الى صالته لانظر نظرة الوداع الى من أحببت لأني على يقين بأنها لاتزال هناك لتوديعي ، ولاودع من سكنت وتلمست شغاف قلبي وسحرت مشاعري ، وكم تمنيت ان تصحبني في رحلة عودتي ، الا اني ادركت انها من ممتلكات صاحب الفندق فوداعا ايها الپيانو .