النووي الإيراني و(الإنبطاح) العراقي!..
محمد الحسن
“الإتفاق النووي يُثبت للعالم إمكانية حل المشاكل عبر الدبلوماسية”.. محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران ومنفّذ إتفاقها النووي.
بهذه العقلية يتعامل الإيراني مع أعقد القضايا وأشدها حساسية, ويستطيع تكييف عقيدته وموقفه حسب مقتضيات مصالحه العليا.
سنوات طويلة لم تزعزع صبر وثقة الإيراني بممثّله التفاوضي؛ فالغاية متفق عليها بهدوء.. سلسلة عقوبات جديدة، وجولات تفاوضية شاقة، الشعب ينتظر، والساسة يسعون، دون مشاكسة. قد يعطي أحدهم رأياً مخالفاً لتوجهات أصحاب الرأي التفاوضي؛ غير إنّ التخوين والإتهام لا وجود له في قاموس السياسة الإيرانية.
سليماني الذي يقاتل أمريكا في مواقع عدة؛ يعد عمله مكملاً لظريف الذي يفاوض أمريكا في مواقع عديدة أيضاً؛ غرابة تصل لمستوى حجم المنجز الذي حققه الإيرانيون في جنيف ليلة القدر!.
قد يحقق الإتفاق “النووي الإيراني” لمناطق الصراع تسوية كبرى، الأمر الذي يعجل بوصول المنطقة لطريق السلام الضائع في زحمة الدماء، لكنه بنفس الوقت يمثل درساً لنا في عالم السياسي الخالي من المشاعر والمليء بالمصالح، ومن يطرق على العاطفة كاذب!..
الإختلاف بينهم وبيننا؛ هم يصنعون الأحداث كالكبار، ونحن ننتظر تنفيذها أو لنصبح جزءاً منها ولعلنا نتطلع إلى (فضلة) ثمارها..!
لا يوجد فرق كبير بين تركيبة عقل الإيراني ونظيره العراقي، لكن ثمة تناقض عراقي غريب؛ إذ يحتفل بعضنا ويشيد بقدرة المفاوض الإيراني وشجاعته وتخطيه لحواجز العقد النفسية عندما جلس مع أشد خصومه، غير إنّ هذه الإشادة تتحول إلى تقريع وتخوين وتوهين عندما يجلس عراقي شيعي مع عراقي كوردي أو سني، ويُوصَّف الجالس ب (المنبطح) بينما يروّج على إنّ المجلوس معه، السني أو الكوردي، قد خرج “منتصراً ومظفراً بمكاسب كبرى” عند جلوسه مع الشيعي الداعي للحوار (المنبطح)!..
جميعاً ندفع أثمان ثقيلة جداً، ولعل أجيال قادمة ستسأنس بشتم كل من عاصر هذه المرحلة، وحدهم من يروّج للحرب والخراب، يتمتعون بمصائب الجميع. بعضهم يعد نفسه مقاوماً يمثل جزءً من “محور المقاومة” الذي تتزعمه إيران، ويغالي بتصدير نفسه تحت هذا العنوان، إلا إنه لا يستطيع أن يقدّم مبرراً واحداً عن (الإنبطاح الإيراني)..!
إيران عندما فاوضت الكبار، لم تتكلم معهم بصيغة (بعد ما ننطيها) أو (مثلما عندكم نووي نريد نووي) حسب نظرية (٧*٧). طلبت ما تحتاجه، وما يؤسس لها مستقبلاً أفضل، وأعطت ما تحتاجه أيضاً وما يريد الكبار أخذه منها، لكنها وجدت الحصول على ذلك عن طريق الحوار أفضل وأسلم بكثير. نعم، وفق منطق وفرضيات بعضنا، فأنّ إيران فاوضت وسعت بقوة من أجل أن تنبطح، شعبها وكلها إحتفلت لإنها أنبطحت، نحن أيضاً إحتفلنا لإنّ إيران إنبطحت؛ فلماذا نحتفل بالإنبطاح الإيراني ونرفض الإنبطاح العراقي؟!
لم تتبطح إيران، وما أنبطح العراق الداعي للحوار؛ إنما جبناء القوم هانت عليهم مصائبنا، طالما هم يتمتعون بما ينهب بأسم المذهب أو الوطن، وطالما إنّ ضجيجهم يؤنس روح الحقد المتأصلة منذ البعث، وطالما أبناؤهم في “غرب المتوسط”..