هديل العزاوي
ان عيش الانسان تحت وطأة ظروف بيئة قاسية حالت بينه وبين مايطمح اليه، وجبروت الوقت الذي افتقد كينونة الرحمة فيه، ادى الى انعكاس اثاره بالسلب او الايجاب على روح ذلك الشخص، والذي يحدده عامل الطاقة الذاتية في داخل تلك النفس الانسانية ومدى قدرته على توظيفها بالنحو الذي يطمح ان يكون عليه من صفات الخير والعطاء والالفة والتسامح ..الخ. لكن مانراه الان من مشهد اليم تمثل في هيمنة وتسلط نوازع الشر والاستبداد في داخل النفس البشرية، بحيث وصلت نزعت الشر لديها الى درجة العبودية والظلم لذوي ابناء جنسها من البشر، ذلك لانها وظفت ذاتها بالوجه الاخر الحالك الظلام المتشبه بالحقد والكراهية والهواجس المخيفة التي لاتملك اياً من معاني الرحمة والعطف.
يقول سيدنا عمر بن الخطاب ( رضي الله تعالى عنه ): ” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتم احرارا ” ، نداء عظيم لجحود النفس البشرية وطغيانها الاعمى المتجبر الذي عصف برياح غدره رقة العطف والسلام، موضحا فيه صورة الفطرة الانسانية التي تكون عليها روح البشر من تمتع بالحرية المطلقة منذ ابصارها الاول لنور الحياة ، ومتسائلاً في ذات الوقت بالتعليل عن استعباد البشر ووقت نشأته بقوله ” متى استعبدتم ؟ ” اذن كيف يكون للاستعباد وجود ؟ !! ..مالم تُفعل جذوره الشريرة وتكشيرة انيابه الدامية ! لذا لابد من مقاومة ذلك الجبروت عن طريق تحفيز بوادر الخير والرحمة الكامنة في خلجات النفس الامنة واطلاق رسائل السلام التي تكمن في جوهرها الفطري وسجيتها الكونية المولودة ذاتيا فيها ،ومقاطعة دخول كهوف الاستبداد والمكابرة التي لاتملك سوى فرضيات مادية حصلت عليها من اجل تنفيذ النفوذ وتعويض النقص بفرض القوة المفرطة البعيدة عن الانسانية التي ليس من شأنها سوى الاذى والقهر وعذاب لكل روح بريئة، وهنا تسكب العبرات حقا ؟! لان الضمير الحي قد مات، واخذ لايسمع صوت الحق النابض بداخله بعد ان دب اليأس فيه وعجز عن مطاردة جنود النفس الخبيثة الامارة بالسوء إلا مارحم ربي.
ومن هنا نوجه منطلقا فكريا لتقويم النفس، بعدم اتباع العصيان والسير خلف قافلة لعناتها التي تنفثها بوجه شمس السلام، وذلك بتدريبها على تحمل الشدائد وزلازل المحن وقوة المصائب ، وعدم الاكتراث الى عنفوانها الساحق لتكون قوة في اوج عظمتها نحو الجور والتجبر، وكذلك العوامل التي من شأنها أن تعمل على تغييرها حسيا وبشكل ملموس على ارض الواقع واهمها البيئة المحيطة بها وتأثيرها المباشر على تغيير وانحراف السلوك اما ايجابيا بتنامي اوجه الخير او سلبيا بانبثاق كلاحة الشر، وهذا للاسف الشديد مالانتمناه لما له من عدوانية تفني عالم باكمله .
وفي معرض حديثنا عن هذا الموضوع نود ان نسلط الضوء في هذه اللحظات على احدى نظريات ارسطوا في بيت الحكمة اثناء دراسته حول سلوكيات الانسان في العيش والتعايش مع البيئة المحيطة به والتي فحواها يقول “ان البيئة لها تأثير ملحوظ وملموس على بناء شخصية الانسان”، حينما اجرى اختبارا على خمسين طفلا آنذاك يعيشون في بيئات مختلفة، وجعل كل طفل منهم يعيش في بيئة معاكسة لاجواء بيئته الاصلية ، الامر الذي جعل من ارسطو يرسو على نتيجة واحدة مفادها، ان الاجواء المحيطة بالانسان تؤثر وبشكل مباشر سلبا او ايجابا على سلوكياته وتفاعله الاجتماعي ومدى انسجامه الحسي والحركي معا خصوصا بعد ان خرج بنتائج مغايرة بل ومختلفة تماما عن اصلها. وهذا يؤكد كلامنا الذي ذكرناه انفا حول عامل البيئة.
وخلاصة الكلام في مسك الختام هي تطبيق امر الله تبارك وتعالى في محاربة نزعة الكِبَرلما فيها من صفات منبوذة تتسم بالظلم للنفس وكراهيتها بقوله جل في علاه ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إنَّكَ لَنْ تَخِرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولًا {37} كُلُّ ذّلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا {38}﴾ سورة الاسراء ..صدق الله العظيم
ومما لا شك فيه ان الله نهى عن الكبر وحذر منه، وهذا دليل قاطع على وجوب تجنب هذا السلوك المشين لما له من اضرار سيئة في حاضر الحياة ومستقبلها . فكم من شعوب بدلت حكامها وانتفضت روحها العصامية من اجل الحرية والسلام والعتق من المظالم والمكابرة والاستبداد ومن اجل اعلاء قيمة الانسانية وانتشاء روح العطاء والرحمة والرخاء.
اخيرا ننصح بالقول كل من وجد نفسه في هذه السطور ان يعيد ترتيب افكاره وحياته من جديد ويتأمل احواله التي سيكون عليها بين اقرانه لو مضى في هذا الطريق المرير ، فكم من نفس ظالمة متجبرة لقت حتفها على غير حين وكم من مظلوم ارتفعت نجواه الى الحي القيوم مستغيثا ومناجيا ان ينزل على الظالم غضبه الجبار وبطشه الاليم القهار، وتذكر اخي القارىء ان كل من يزرع يحصد ثمار زرعه ، فليكن غراسك من طيب لتنال كل طيب .