مات العبقري المرحوم إينشتاين وظلت نظرياته الشهيرة والمثيرة للجدل حول نسبية الزمن والأفكار المتعلقة بها مثل فكرة إمكانية السفر عبر الزمن، ظلت تفتقر لإثباتها بشكل عملي ملموس لعامة الناس. ولكن الساسة العراقيين الأفذاذ حسموا الجدل وأثبتوها حتى صار الأطفال يفهمونها ويؤمنون بها، وإن ساستنا يستحقون جائزة إينشتاين وإينش تايه ياعراق صار لك شــگـد (1) والقادم أسوء. فهناك أشياء كثيرة كنت أمقتها في عصر طاغية الطواغيت الأولين والآخرين صدّام ابن صبوحة، والمقت كما هو معروف شدة الكره والبغض، وأكثر شيء كنت أمقته هو حالة القهر والخوف من التصريح بالرأي تجاه القبح والفساد والظلم والبطش والاستبداد بالقرارات والتحكم بالمصائر الذي كنا نعيشه ويعيشنا على مستوى الواقع والخيال والكلام والتفكير بحيث صرنا نخاف حتى من التفكير ضد الطاغية خوف أن يبان تفكيرنا في وجوهنا وتفضحنا ملامحنا وتودي بنا إلى السجن والتعذيب والإعدام. وقد زال هذا الحال الرديء جدا في عام 2003 ولكن مالبثنا أن بدأنا نرى تدريجياً ظهور الطواغيت الجدد ولكن بقياسات وأحجام أخرى عائلية رجالية نسائية ولادية بناتية وأشكال وألوان مختلفة وأعداد أكثر موزعة جغرافيا وفيديرالياً ومذهبيا وإيديولوجيا وشراكـَـوِيّـاً (2) (شراكوياً مشتقة من عبارة الشراكة الوطنية وأتمنى أن أكون أول من اخترع هذا المصطلح وأنال بسببه جائزة المناضل الوطني زهـگـان ومن ضيمي اسولف (2) واخترع). وهؤلاء الطواغيت الجدد هم قادة الأحزاب المتعددة كالأدغال والتي لاتمتلك أية رؤية سياسية واضحة وحلول عملية لإصلاح الأوضاع المتردية في عراقنا الجريح وشعبنا المستباح ولو امتلكوها لما فعلوها لأن تردي الأوضاع يساعدهم في جني مزيد من المال الحرام والبقاء في المناصب المغرية والرؤية الوحيدة التي يمتلكونها والحلول الوحيدة التي يجيدونها هي مايخص الثراء الفاحش من خيرات البلاد والعباد والتملص من تبعات وعقوبات الفساد. لقد كنت أنا شخصيا ومازلت حتى لحظة كتابة هذا المقال، من أشد المتمسكين بالرأي القائل أن عصرنا أفضل من عصر صدام أو على الأقل هو أقل منه شرورا وسوء لأننا نستطيع حاليا ولغاية هذه اللحظة أن نعبر عن سخطنا ورفضنا للقبح والفساد والظلم والبطش والاستبداد بالقرارات والتحكم بالمصائر الذي نعيشه ويعيشنا. ولكن ولكن ولكن أكررها ثلاثاً ليقرأها من جلسوا في المناصب مرة واثنتين وثلاثة (ويتصورون المناصب كالنساء مثنى وثلاث ورباع) ولم يقدموا شيئا سوى المزيد من التردي في واقعنا والترقّي في واقعهم وعوائلهم وأقاربهم وعشيقيهم وعشيقاتهم. أقول ولكن ولكن ولكن للأسف أصبحنا بفضل هؤلاء الساسة وأصحاب المناصب الفاشلين الفاسدين نقترب بسرعة الضوء من أن يكون عصرنا هو عصر صدام ابن صبوحة، وكأن السياسة التي يتبعها أصحاب المناصب في عراقنا المبتلى المظلوم سياسة تطبق النظرية النسبية للمرحوم إينشتاين الذي عاش ومات فقيرا ولم يكسب من نظرياته ومعادلاته مالاً كثيرا لا حلالاً ولا حراماً بينما جنى ساستنا منها من الكنوز (مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) وإن شاء الله ستكون نهايتهم الخسف مثل قارون. وإن منهجهم في قيادتنا يشبه آلة زمن فاسدة رعناء بدل أن تنقلنا إلى عصر أجمل وأنظف سواء كان عصراً من الماضي أو من المستقبل نقلتنا إلى عصر دموي همجي عصر فتنة وطخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ولكن لاترى فيه علياً عليه السلام ولا ذريته، وتسمع فيه الألقاب الرنانة للساسة وأصحاب المناصب ولاترى من أغلبهم غير الخواء والرؤوس الفارغة إلا من الأفكار الهدّامة والثراء الحرام والعقد النفسية التي تجعلهم يتلذذون باللعب بأعصاب الرعية وتدمير المجتمع والبنى التحتية المادية والفكرية. ياأصحاب المناصب بسببكم صرت أخجل من المفاضلة بين عصرنا وعصر صدام وباتت تضعف حجتي في الدفاع عن رأيي الذي مازلت متمسكاً به حتى هذه اللحظة وهو أن عصرنا مايزال أرحم وأهون من عصر صدام ولسبب بسيط واحد هو أنني تمكنت من كتابة هذا المقال ونشره على الملأ، فإن ارتأيتم مصادرة هذا الحق البسيط مني والذي لايسمن ولايغني من جوع سوى إطفاء بعض اللهيب المستعر في جوفي من ظلمكم وفسادكم وقبحكم فسأقول حينها لقد زال آخر فرق بين عصركم وعصر صدام وسقطت ورقة التوت التي تستر عورتكم فاخرجوا من جنة العراق مطرودين والحقوا بحواءاتكم (3) ونسائكم الشرعيات منهنّ والمزوّرات كشهاداتكم والمتعددات كجنسياتكم وانتماءاتكم واستمناءاتكم (جمع استمناء) فهنّ هناك في دول الجوار ودول العالم لأننا نعرف أن عوائلكم لاتسكن العراق بل تتنعم بخيراتنا هناك. ولي اعتراف أخير ربّما هو نوع من الاعتذار عمّا ورد في مقالي من ألفاظ نابية تليق بالشخصيات النيابية واللانيابية، واعترافي هو أنني كتبت مقالي هذا تحت تأثير عدة مسكرات ومخدرات تقلل وعيي وإدراكي لخطورة كلماتي وتبعاتها، ومن هذه المسكرات والمخدرات على سبيل المثال لا الحصر:
أولا: مجازر سبايكر والصقلاوية التي مازال جناتها والمتسببون فيها يتنعمون بالحياة، سواء من كان منهم من سكنة المنطقة الخضراء أو خارجها.
ثانيا: البطش والتنكيل بالمتظاهرين في البصرة وغير البصرة وقتلهم.
ثالثا: تفجيرات خان بني سعد خلال هذا العيد الحزين وغيرها من التفجيرات الإرهابية الأخرى.
رابعا: خرجت لأعايد بعض جيراني وخروجي لم يستغرق سوى دقائق معدودة لفحتني خلالها حرارة الجو المتطرفة والتي تحاكي نار جهنم التي ستكوي الساسة العراقيين في الآخرة.
ثانيا: حاولت الاستحمام لتخفيف حرارة الجو فإذا بتيار الماء يشوي الأبدان كأنه تياراتنا السياسية التي أحرقت العراق وشعبه وخيراته، وكأنه شراب من حميم الذي سيشربه الساسة العراقيون في الآخرة.
د. بهجت عبد الرضا
19 تموز 2015
==================================
(1) إينش تايه: تحوير لاسم إينشتاين، وكلمة تايه: تعني تائه. صار لك: يعني مضى عليك. شــگـد: صيغة تعجب تعني فترة طويلة أو صيغة سؤال يعني كم من الوقت. وكل ماسبق هو كلمات وعبارات عامية عراقية.
(2) زهـگـان: تعني الشخص الذي وصل إلى قمة الغضب وعدم التحمل بسبب وضع خارج عن المألوف أو قاسٍ. ومن ضيمي: تعني من القهر والضيم الذي أعانيه. اسولف: تعني أتكلم. وكل ماسبق هو أيضا كلمات وعبارات عامية عراقية.
(3) حواءاتكم: جمع كلمة حواء، وربما جمعها هو حواويكم، على طريقة جمع التكسير والقهر.