فراس حج محمد
اليوم، ومع أول خيط نُسج في بردة الصباح، عند الثانية عشرة، كنت حاضرا بكامل أبهتك، بجلالك، بضحكتك، بعينيك الباسمتين، بمهابة بادية، كأنك هنا لم تغادر ولم تبرح مكانك الذي ألفانك فيه.
كم تذكرت أشياءك التي تغنّي الآن عنك نشيدك الأبدي، تلك الحجارة، الأشجار، النباتات، الحيوانات الأليفة، الحكايات، النكات الطريفة البريئة، الأغنيات، كلها شاهدة الحضور الذي لا تترنح له قامة، ولا تذبل له زهرة، ولا يذوي له جسد!
لعلي لم أخبرك أنني وأنا على مائدة طعامي اليوميّ أراك تنظر إلي كلما وقعت عيناي على حافة مثلومة لصحن بائس على مائدة بائسة، تعاتبني على إهمال الأناقة والكمال “كيف لهذا الناقص المثلوم أن يكون هنا، كيف تأكل منه ويآكلك؟” أخجل منك ومني، ولكنني لم أمتثل لذلك الذي ترجوه مني، غبيا كنتُ إذ فكرت أنك لن تراني!
اليوم، كما كنت قبل ثلاثمائة يوم أو أزيَد قليلا، أراك تبث خلال الفضاء ألحان الغناء الشهي، أكاد أسمع منك ترنيمتك لأغنية خليجية، تستظهر بوحها، وتستبطن غايتها الممتدة من هناك إلى هناك!
لا أريد لليوم أن تعفره تربة ضريحك القاسية، أو أن أتذكر ثكنة الجنود الرابضة على بعد خطوتين من مرقدك، أريد فقط أن أجدد العهد فنحن ما زلنا على عهدك باقين، كلما مرّ الوقت ازددت حضورا باذخا لا يمحى له أثر. كأنك الهواء الذي يعبر البلاد من أقصاها إلى أقصاها، كأنك الحجارة الصلبة الفائرة بحرارة التاريخ والحضارة المتقدة، كأنك كل شعر ورواية وسيرة مجد ألفها كل عباقرة النشيد العظيم!
لا أريد اليوم أن يتحول إلى مأثم نواح وصخب، كل ما أرجوه أن يتمكن الصحب والرفاق أن يزوروك ويبلغوك محبتي، فعليك السلام أيها الشامخ كالنسر رغما عن حجارة مرقدك، وبلادة الغزاة الطاعنين في اللا إنسانية الجافة.
ستظل أنت الندى الذي يبلل صباحاتنا فلترقد بسلام الأنبياء، ونشيد الشهداء الخالدين. يا عابقا مثل وردة ويا جميلا مثل شمس ويا دائريا مثل بدر. عليك السلام، عليك السلام!
النشيد الحيّ في الذكرى الأولى للخلود تحية وفاء للشهيد هاشم أبو ماريا في الذكرى السنوية الأولى
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا