التقاه: عبد الرحمان المرساني
تعتبر أيّام قرطاج المسرحيّة مناسبة جيّدة للنقّاد للإدلاء بدلوهم في وظيفة المسرح في ظلّ واقع عالميّ متغيّر تطرح فيه الأسئلة بكلّ إلحاح وتعسر مفردات الإجابة ليتولى الإبداع وظيفة النّقد والتّوجيه عبر بانوراما متغيّرة وهنا حديث مع الناقد العراقي قاسم مطرود :
كيف تقيّمون أداء المهرجان؟
الإجابة عن هذا السّؤال غاية في الصّعوبة والأحكام غير دقيقة إذ أنني لم أشاهد حتى الآن إلا عملين وجلستــــين نقديّتين حول النصّ المسرحي وبالتّالي فانّ الانطباع العام سيكون غير دقيق, إذ أنّي لن أتطرّق إلي المسائل التّنظيميّة والإدارية التّي لا تعنيني . وان كنت أتمنّى أن يكون هذا المهرجان أكثر تنظيميّة إذ أنّني قبل قدومي إلى مهرجان قرطاج كانت لديّ صورة ذهنيّة مكوّنة عبر المهرجانات وعبر تحاوري مع الأخوة والأصدقاء المشاركين في المهرجانات السّابقة حيث كان تصـــــوّري أنّ كلّ شيء مبرمج ومحسوب لأنّ الإعداد لهكــذا مهــرجان يقينا قد تمّ إعداده قبل شهور لهذا عندما نقول اليوم الفلاني سوف تكون الورقة لفلان وستبدأ الجلسة النقديّة في الوقت كذا ولكنّ وجدنا بعض المتغيّرات ممّا قد يعكس نظرة غير طيّبة عن ترتيب وتنظيم المهرجان ونحن لا نريد أن نقارن في المهرجانات التّي تقام في أوروبّا ولأنّني قادم من هولندا هناك ومثلما يقال كلّ شيء علي السّاعة .
تشرفــون علي مجلّة (مسرحيون الالكترونيّة)
www.masraheon.com
ونعلم جميعا أنّ الوطن العربي يتعرّض إلى هجمة شرسة قد تمسّ بكينونته واستقلال قراره.ما هوّ حسب رأيكم دور المسرح كتعبيرة ثقافيّة في استنــهاض الهمم للدّفاع عن حيّض الأمّة ؟
نحن كأمّة وكلّ الأمم تتعرّض إلى هجمات ثقافيّة تفوق التصوّر فنحن في هولندا كلّ ساعة هناك هجوم حضاري وهذه هيّ ضريبة العولمة الثّقافيّة والهولندي إذ الم يجدّد لنفسه دائما وأبدا مع ثورة المعلومات واستيعابه لتقنيّاتها وتعامله المرن معها وفهمه لمنطقها الدّاخلي لن يستطيع التّواصل مع منجزات ما بعد الحداثة ومهمّ جدّا لنا كأمّة أن نجد لنا حضورا في هذا الرّكب الكبير المتسارع الآني بمعني أو بآخر فكّرت في إيجاد هذه المجلّة (مسرحيّون ) زهرة حلم منذ أكثر من عشرين عاما فكّرت في جمع دراسات و نصوص مسرحيّة لإخوة وأصدقاء عرب لكي تكون لديّ مكتبة في منزلي علي أقلّ تقدير وبعد الثّورة المعلومــــاتيّة ووجود الانترنيت صار لزاما عليّ تجسيد ذلك الحلم وتحويله إلي واقع واحتضاني لكوكبة من الأقــــلام المهمّة في السّاحة النقديّة المبدعة كالنّاقد عوّاد عليّ والدّكتور حسين الأنصاري وعبد الخالق كيطان وكريم رشيد وهيــئة مراســــلين من تونس (غادة شفرود ) ومن عمان الشّــــاعر (عبد الرزّاق الرّباعي ) ولدينا مراسلين من بلدان أخري…
إذن نصف مجيئي إلى مهرجان قرطاج الغاية القصوى هيّ تفعيل عمل هذه المجلّة وتفعيل آليّتها والتّي اعتبرها الكثير من المختصّين للفنون المسرحيّة أنّها مجلّة رائدة .
أنت شابّ في مقتبل العمر تتّقد حيويّة ونشاطا وتعيش في بلد أوروبيّا وهوّ هولندا ولك من الطّاقات ما تفيد به شعبك وأمتك. فهل أنّ اختيّارك لهولندا هوّ ترف فكريّ أم أنّ مساحات الإبداع ضاقت بحيث اقتضت الضّرورة أن تكون مهاجرا ؟
الإجابة عن هذا السّؤال قد تكون مقتضبة وقد تكون واسعة وسأختار الأولي, أنا عربيّ أسكن هولندا من أصل عراقيّ وهذه نصف الإجابة والنّصف الآخر هوّ أنّ المنفي لي وللكثير من العراقيّين ليس اختيّاريّا لهذا مثل هكذا مشروع لم يكن من المتاح لأن أسّسه في العراق في ظلّ الظروف التّي تعرفون!!
أن العمل علي الانترنت وإنشائي مواقع ثقافيّة هوّ خرق للحدود والمساحات وإيصال الكلمة إلى جميع الأمكنة التّي كنّا نحلم بها أو لم تخطر علي بالنا ذات يوم أي أنّ عملي في هولندا لا يختلف كثيرا إذا كانت إقامتي في تونس أو في العراق لأنّ حلقات التّواصل أصبحت أكثر سرعة وأكثر إيصالا وتواصلا .
شهدت الحركة المسرحيّة منذ العشرينات والثّلاثينات فترة الالتحام بقضايا الأمّة عبر تعبيرات نقديّة تلامس مباشرة الواقع في فترة الخمسينيات والستينات والسبعينات كانت هويّة الحركات المسرحيّة يغلب عليها طابع الدّولة أي أنّ الدّولة هيّ التّي تتولّي إنشاء الفرق المسرحيّة وهيّ التّي تتولّي تمويلها والإشراف عليها وتسوّق للخطاب الرّسمي والحكومي أمّا في فترة التّسعينات وبروز ما يعرف بالنّظام العالمي الجديد أصبحت الحركات المسرحيّة فاقدة لهويّتها أو لنقل هيّ في عدم توازن . فكيف نتّخذ من المسرح كتعبيرة ثقافيّة قناة أو وسيلة لإيصال خطابنا الحضاري للآخر الذّي مافتئ يتّهمنا بالإرهاب تارة والتخلّف طورا آخر والسّعي لتغييرنا عبر تغيير مناهج التّعليم لتنتهي إلي تغيير التّعبيرات الثقافيّة وقد يكون استعمال القوّة كحلّ آخر ؟
يدلّ هذا السّؤال علي أنّك مطّلع وبشكل واسع علي إرهاصات الحركة المسرحيّة في تونس وفي بلدان أخري . وهذا يعني أنّ الجواب جاء ضمنا في السّؤال لأنّكم ذكرتم جملة التحوّلات التّي طرأت علي نموّ الحركة المسرحيّة والنموّ والتّغيير لا يتمّ بمعزل عن آليّة العصر أو آليّة القرن فان كان حديثكم عن مسرح الستّينات هذا يعني أنّ الحديث سيجرّنا للحديث عن الحركة النّهضويّة ليس في الوطن العربي فحسب وإنما في العالم أجمع خلاصة القول أنّ التّغييرات هيّ طبيـــعيّة أن كانت تغييرات مثلما ذكرتموها ، وقد غيّبــــتم جانب المضمون أحيانا أو سيّستموه أحيانا أخري أو أنّها اعتمدت علي تجارب فرديّة تحاول أن تجد لها نقــــــطة ارتكاز في هذا العالم . فأنا لا أجد أيّ اندهاش أو حسرة علي زمن قد مرّ ونقول أنّ عشرينيّات هذا القرن كان كذا أو سبعينيّات هذا القرن كان أفضل أو أسوأ ، اذا كان لزاما علينا أن نفرز ونضع الأحكام يلزمنا لهذا دراسة شاملة وعامّة لبانوراما تلك الفترة عند ذاك سنجد أنّ سائق التّاكسي وبائع السّجائر له علاقة وطيدة في الإجابة عن السّؤال لماذا كانت هذه المرحلة أو تلك بهذه الصّورة .
وإذا عدنا إلى الّسؤال كيف تمّت صيّاغته ونستوقف تحت جملة (أصبحت الحركات المسرحيّة فـــــاقدة لهويّتها) أري من الصّعوبة أن نطلق أحكاما بهذا الشّـــــكل أو ذاك في أن نقول هذه الحركة أو هذه الفــــترة كانت مفرغة من المضمون كونها فاقــــدة لهويّتها لذا الأحرى بنا وربطا للإجابة الأولي أن نقــــف كدارسين ومتفحّصــين بشكل عمــــيق لآليّات تــلك المراحل .
أمّا الجزء الأخير المتبقّي من السّؤال وهوّ الدّعوة للبحث عن هيكليّة خاصّة يتبنّاها المسرح للدّفاع عن واقع وصفه الإعلام بواقع متخلّف أو إرهابي. إن المسرح وقد تكون الإجابة مبتعدة كثيرا عن فحوي السّؤال ، لا يمكننا أن نحمّله فوق طاقته فليس مطلوبا منه أن يصحّح أخطاء يرتكبها الإعلام عندما نقول إن الإعلام يصف الواقع العربي بالمتخلّف, هنا علي الأعلام العربي أن يلعب الدّور المضادّ وعندما توصف أمّة بالإرهاب أو بتبنّيها للإرهاب عليها أن تدافع عن نفسها ،قد تسألني ما دور المسرح إذن وهل علينا أن نلغي دوره عمّا يدور من صراعات فكريّة في واقعنا اليوم فالإجابة لا هذا ولا ذاك المسرح هوّ فنّ جمال وإبداع خلق ودفع وتجديد المسرح ليس بندقيّة والمسرح ليس عمودا صحافيّا وقد تقول أنّ دوره في بعض الأحيان أخطر من البندقيّة , أتّفق معكم كونه يمتلك السّلطة في الخطاب والقدرة في التّغيير المباشر لكنّي حدّثتك عن الأولويّات هذه هيّ أولويّات المسرح ولكلّ وجهة نظر تشبه المراحل التّي مرّ بها المسرح عبر تكوينه كما جاء في المسرح السيّاسي أو التّسجيلي أو الملحمي.
كلمة أخيرة
أتمنّي أن تتكرّر هذه المهرجانات في بلدان عربيّة أخري علي شاكلة مهرجان قرطاج وأن تعمّ البلدان العربيّة مثل هكذا تظاهرات لكي يحقّ لنا فيما بعد الحديث والتحدّث عن كوننا مسرحيين لنا أدواتنا المكتملة عرضا ونصّا وممثّلا وكلّ ما يستلزم ذلك العرض وأتمنّي أيضا أنّ توطّــد العلاقات بين المبدعين المسرحييّن العرب.