الدكتور زاحم محمد الشهيلي
تعد الدبلوماسية قناة مهمة للتواصل الثقافي والحضاري بين الشعوب الحية من خلال لغة يغلب عليها الطابع الناعم في التعامل وتجاذب اطراف الحديث الهادىء، المنمق تارة والمعمق تارة اخرى، بهدف الوصول الى تحقيق مصالح مشتركة بين حكومتين وشعبين صديقين ارتضيا لنفسيهما التواصل عبر هذه القناة المقدسة في عقيدتها وفهما الراقي لمجريات الاحداث المحلية والدولية. ولذلك تعد الدبلوماسية المرآة الحقيقية العاكسة لسياسات وثقافات الشعوب في العالم سواء على المستوى الرسمي التقليدي – القنوات الدبلوماسية – او على المستوى الشعبي- المنظمات غير الحكومية والشخصيات العلمية والثقافية المغتربة وغيرها ذات النشاط المدني.
وبناءً على ما تقدم، امسى الاهتمام باختيار الكوادر الدبلوماسية بمهنية عالية واعدادها، اعدادا “صحيا” صحيحا ومهنيا، من اولويات الانظمة السياسية الفاعلة التي تتخذ من العمل المؤسساتي في ادارة الدولة منهجا لها. ومن بين الامور المهمة التي تصب في مصلحة تنمية الشخصية الدبلوماسية وتوفير الاجواء المناسبة لها في الداخل تتجسد بضرورة العمل الدؤوب على انشاء النادي الدبلوماسي – الذي يمكن ان يكون على غرار النادي الدبلوماسي الفرنسي، النادي الدبلوماسي المصري والصيني، والنادي الدبلوماسي الدولي – الى جانب الاكاديمية الدبلوماسية او معهد الخدمة الخارجية، ومن الضروري ان يحتوي النادي الدبلوماسي على وسائل ترفيهية مثل الحدائق العامة والعاب الاطفال، والمسابح، واماكن للالعاب الرياضية، والسينما والمسرح، وقاعة للمناسبات والاعراس، ومطعم يقدم مختلف الماكولات في اطار الاتكيت الدبلوماسي، ومقهى لملتقى الدبلوماسيين الرواد والشباب، ومعرض لصور رواد الدبلوماسية وصور لوزارة الخارجية وسفاراتها في الخارج، ويكون له موقع على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) وصفحة للتواصل الاجتماعي، وقاعة لاقامة الندوات الثقافية يحيها الدبلوماسيين الكبار الذين تركوا بصمة في العمل الدبلوماسي، ليكون بذلك صرحا حضاريا دبلوماسيا في البلاد يتنافس على رئاسته السفراء “المخضرمين” المتقاعدين المشهود لهم بالمهنية والنزاهة من خلال الاقتراع السري الذي تجريه وزارة الخارجية “بحيادية” كل سنتين للموظفين اصحاب العضوية في النادي لاختيار رئيس النادي ومعاونيه لادارة النادي لتلك الفترة.
ان من المهم جدا، ان يتكون اعضاء النادي الدبلوماسي من موظفي الخدمة الخارجية في وزارة الخارجية المستمرين بالخدمة والمتقاعدين على حد سواء بهدف تحقيق عوامل الانصهار بين الحداثة والاصالة من خلال تبادل الاراء والافكار والخبرات، وطرح تجارب العمل الدبلوماسي لقدماء الموظفين بهدف استفادة الدبلوماسيين الشباب من تجارب اسلافهم، الامر الذي ينمي ايضا روح التواصل بين الموظفين القدماء والشباب ويقوي العلاقة بينهم، وكذلك بين الموظفين انفسهم وعوائلهم بعد انقطاع التواصل لاكثر من اربعة سنوات عمل في الخارج، ناهيك عن خلق اجواء خاصة لموظفي الخدمة الخارجية تتلائم وطبيعة عملهم. حيث يشدد الباحثون في مجال “الدبلوماسية وسبل الارتقاء بها” على ان يكون هذا التجمع الثقافي الدبلوماسي على مستوى عال في الادارة والتنظيم والسلوك المستوحاة من روح الدبلوماسية المستلة من المكنون الثقافي والحضاري والفكري لهذا الشعب او تلك الدولة … وعليه فإن من يزور النادي الدبلوماسي المصري في القاهره سيشعر بانه يعيش اجواء الاتكيت الفرعوني الجميل.
ان تحقيق مشروع النادي الدبلوماسي سينتج مجتمعا مصغرا للدبلوماسية- خاصة في الدول التي لا ترتق الى مستوى العمل المؤسساتي المنشود في الشرق الاوسط- يجمع شريحة سلك الخدمة الخارجية وعوائلهم، والذي سوف لن يكون فقط ملتقى للتعارف وجسرا للتواصل وتبادل الاراء في مواضيع الدبلوماسية المختلفة، وانما مصدرا لاعداد الخبرات والكفاءات من ابناء الموظفين، الذين يمكن توظيفهم بنسبة معينة وحسب اختصاص الوزارة (حصرا) من خلال اشراكهم في دورات التاهيل الدبلوماسي التي يقيمها معهد الخدمة الخارجية او الاكاديمية الدبلوماسية لهذا الغرض وبنسبة تتراوح بين ٢٠-٢٥٪، اما النسب الاخرى فتوزع بين حملة الشهادات العليا والبكالوريوس، وبذلك تستطيع الدول النامية – مثل الدول العربية تحديدا – ان ترتقي بعلاقاتها السياسية الى مستوى الطموح، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان ازدهار العلاقات الخارجية لاية دولة في العالم ياتي من رحم استقرارها السياسي والامني ونموها الاقتصادي، وان تكون بيئة صالحة للاعمار وجاذبة للاستثمار.