/ الموعودون .. بوطن
يختزل المشهد الاخير سياسيا .. على انه استعراض للقوة .. وتنافس على استمالة عاطفية للعباد ، والتفرد بقيادة البلاد .. وان كل ما يحصل يلخص .. ثنائية الصراع والوجود بين المالكي والصدر ، بانتظار اليوم الموعود .
ويختزل وطنيا .. على انه الوعي الشعبي المتنامي بتكريس الهوية الوطنية ، ونبذ التبعية .. والذي فجرته بقوة ” الانتفاضة التشرينية”.
تسليح الشارع والاحتكام اليه .. ليس من الديمقراطية بشيء .. ولهذا كان سر التعاطف الوطني الكبير مع التشرينيين .. فهم كانوا يجنحون الى السلم ، واستعادة الوطن من دون اراقة للدماء ، وكان السلم الاهلي غايتهم .. والوطن ضالتهم .
لو كان الصدريون .. قد تلاحموا وتراحموا مع التشرينيين في انتفاضتهم دون تجاهلهم وطعنهم .. لما كنا اليوم بحاجة الى مثل هذه الايام الصعبة التي تحبس الانفاس .. خوفا على مصير العراق .. وخوفا على مصائر الناس .
الان وليس غدا .. يفترض ان تكون مراجعة جدية للتيار الصدري .. فهو في ذاكرة العقل الجمعي ، مثل غيره مثقل بالأخطاء ، متورم بكبائر الأشياء .
لكن دعونا اليوم تصنيفه .. كحالة مستجدة ، كقوة وتيار شعبي لا يستهان به .. يقف بقوة امام من باعوا الوطن للغير .. حقا هذا واقع جديد ، وحاضر وليد .. انها محاولة منه .. لطي صفحة من تاريخه القريب والغريب .. الذي لم يكن يوما بعيدا عن طموحات الاحزاب الفاسدة التي تقاسم معها السلطة والنفوذ والغنائم والولائم .
التيار الصدري يقترب اليوم بشكل لافت ، محاولا التأثير على الشارع العراقي ، وليس الشارع الصدري وحسب .. لكن ما يفكر به ويتمناه الشارع الحقيقي .. ليس تبادلا واستحواذا وامتلاكا للسلطة ، وفرض ارادات ، واستبدال حزب باخر .. وبرلمان باخر .. ولا حكومة باخرى .. ما يتمناه المواطن ان تكون الدولة .. دولة مؤسسات ، وليس دولة زعامات ودولة ميلشيات .
الشارع الحقيقي .. شارع وطني مراقب غير مدنس ، ولا مسيس لهذا الطرف او ذاك.. يطمح وببساطة.. انهاء هذه اللعبة السياسية القذرة .. والغاء النهج والدور السياسي للاحزاب المتعفنة .. ومحاكمة الرموز والزعامات التي اوصلتنا الى هذه الفتنة المستترة ،، والجميع بانتظار اعادة تشكيل الخارطة السياسية ، وتأسيس دولة دستورية جديدة .
ومثل هذا العمل الكبير والمضني .. لا يمكن ان ينتهي ديمقراطيا .. ولا دمويا .. لا ببيان رقم واحد .. ولا بيوم او ليلة ، كما يحلم البعض .. انما بارادة شعبية وطنية متواصلة .. لعزل كل من يريد العبث بمصير العراق .. وابقائه دولة فاشلة.. داخل دائرة من الازمات المتلاحقة والمتراكمة .. لا حياة ولا استقرار .. ولا تقدم ولا استثمار .
التيار الصدري .. ومهما اوتي من قوة .. لايتمكن لوحده انهاء مثل هذه التبعات والتبعية الخطرة والثقيلة ، انه بحاجة الى الجميع .. وهو يخوض صراعه ضد التبعيين والمتغولين المدججين بالسلاح ، والمتربصين للشعب و للوطن .. في العشية والصباح .
التيار الصدري .. وبرغم مايمتلك ويملك ، من مد بشري غاضب .. وسلاح وارادة الغالب .. سيحتاج الى حاضنة عراقية وطنية واسعة .. لذا عليه تصويب اخطائه بحق انتفاضة تشرين وشهدائها وقادتها .. وان تكون شعاراته واهدافه ، منسجمة مع تطلعات وآمال التشرينيين .
بثقة العارف اقول .. ان ما يجري في ظواهر وبواطن الامور .. لا يمكن اختزاله بالاعتصام الحالي داخل مجلس النواب .. هذا الاعتصام يجب ان تصاحبه حركة سياسية متفاعلة ومستمرة مع الشارع .. والا سيمسي البرلمان وحدائق المنطقة الخضراء ، نزهة وسوقا وبسطيات لمن فيه من البسطاء / و فندقا بخمس نجوم للمترفين .
وبالتالي .. فأن الولائيين .. سوف يستغلون ورطة الاعتصام ، ويسعون الى جر البلاد لمعارك الكر ، والفر .. وهم قادرون على ذلك ، بما يمتلكونه من قدرة التحرك العسكري .. و الدعم اللوجستي الذي يأتيهم من الجارة ايران .
عندها سيتعرض الوطن والسلم المجتمعي الى كارثة حقيقية .. لا تبقي ولا تذر ، لواحة للبشر .
والحل .. هو الثبات بقوة على المواقف ، والتحرك السريع والمتواصل ، لتحقيق الاهداف ، والتشاور مع من هم اهل الشورى والانصاف ، واحترام ما يصدر من نقد واقتراحات صادرة من نخب المثقفين والاعلاميين .. والتقرب اليهم واحترام ارائهم .. وان اختلفوا ، مع توجهات الصدريين ومعتقداتهم .
والاهم .. كسب ود واطاعة اوامر الاجهزة الامنية ، وعدم الاحتكاك معها .. واحترام مسؤولياتها في الشارع .. على الضد مما كانت تفعل الفصائل الولائية المسلحة .. التي كثيرا ما تتطاول ، وتستفز افراد الاجهزة الامنية ولا تحترمها ،، عابثة بالمؤسسات الوطنية ودولتها …
د كاظم المقدادي