في كتابهما المشترك «المناخ والمستقبل وفرص الديمقراطية» يناقش كلاوس ليغيفي وهارلد فيلتسر تغير المناخ الأزمة التي بدلت العالم إلى حد تغيير ملامحه وشكله المعهود، والسبب الإنسان، وليس القوانين الطبيعية. في كتابهما هذا ترجمة أحمد سعيد علي، يؤكدان على إذا أهمل التعامل مع متغيرات المناخ بجدية ودقة، ولم يتغير أسلوب الإدارة والاقتصاد تغييرًا جذريًا خلال العقد المقبل فقد يبلغ المناخ «نقطة انقلاب» مفصلية وينقلب بديناميكية غير متوقعة، بهذا يكون منظور «الانتهاء» قد التحم بالتقدم الخطي، وهو منظور غريب ومفزع بالنسبة للفكر الحديث، حيث تتحول المخاطر مرة أخرى إلى خطر لن تنتهي المواد الخام فحسب، بل قد تنتهي الإنجازات التي أنتجتها حداثة الغرب، منها اقتصاد السوق، والمجتمع المدني، والديمقراطية. ومن ثم يعتبر تغير المناخ تغير ثقافي، وإطلالة على الظروف المعيشية في المستقبل.
ويقصد بذلك حياة فئة من الأجيال المعاصرة، فبعض من ولد عام 2010 قد يعيش حتى عام 2100 وقد يرتفع متوسط درجة حرارة الأرض أربع إلى سبع درجات مئوية، وستجد الأجيال المقبلة صعوبة في تنفس الهواء يمكن تشبيهها بحال الإنسان في غواصة ضيقة خانقة. وبينما لازالت شعوب الغرب تعتقد كونها قلب المجتمع الدولي، وتستطيع تشكيل مستقبله كما تشاء، إلا أن الواقع يظهر إنها تركت هذا الموقع منذ وقت طويل، وأضحت قوى أخرى في الطريق لاحتلال ذلك الموقع. فدول مثل الصين والهند والبرازيل وروسيا تكتسب نفوذًا اقتصاديًا وسلطويًا متزايدًا، وستتلوها في ذلك النهوص دول أخرى. إن تركيبة المجتمع الدولي تتغير، ويتغير معها الدور الذي يلعبه الغرب فيها، وتظهر المشكلات التي تنهك بعض الدول الواقعة في المحيط الأوروبي وحدها- ايسلندا ولاتفيا والمجر- لهذا الموقع مصيره المحتوم.
إن تصور الإنسان عن نفسه وطبيعة سلوكه لاتزال بعد 250 عامًا من التفوق في القوة الاقتصادية والتقنية مرتبط بظروف لم تعد موجودة مطلقًا. ويتضح تأخر إدراك المجتمع وتخلف تصوراته عن ذلك وراء سرعة تغير «العالم الذي تحكمه قوانين العولمة» في مستويات أخرى لوجود الإنسان يمكن رؤيتها في أزمات الطاقة والبيئة والمناخ. ورغم عدم وجود أدنى شك في الوقود الحفري سيفنى، وأن المنافسة المتزايدة على مصادره تزامنا مع تراجع الكميات المتاحة ستؤدي إلى نشأة صراعات، وعلى الأغلب إلى حروب تنتهي أخيرًا بعالم خال من النفط، يطور الإنسان إستراتيجيات سياسية وأسلوب حياة تعتمد على عالم نفطي. بينما يتزايد انقراض الأنواع بسرعة منقطعة النظير، ينخفض حجم الثروة السمكية في البحار انخفاضا حادا بسبب الصيد الجائر، وتجرف الغابات، يظن الناس أن تلك الوقائع ما هي الاعمليات انعكاسية قابلة للإصلاح، وثم يتصرفون على هذا الأساس. ويغطي التدمير بأفكار خيالية عن إمكانية التصحيح، ويظهر طريقة ادارة الأزمة أن أغلب الساسة يركز على أهداف إصلاحية وهمية وقصيرة النفس.
وبإلقاء نظرة على التسويات الفصلية ومواعيد الإنتخابات يتضح أن من يريد الحفاظ على فرص العمل في الصناعات الفاشلة يمارس نوعا راكدا من سياسة الماضي. والتاريخ يضج بامثلة لحضارات كانت أكثر نجاحا من حضارة الغرب، لكنها زالت لأنها تشبثت بالاستراتيجيات التى كانت بالفعل سببا في نجاحها وازدهارها، ولم تواكب ظروف البيئة المتغيرة.
على الإنسان أن يتخلص من تعلقه بالمسارات الثابتة وروتينية المفارقات، فالازمة الاقتصادية الحادة تضاهي أزمة الكساد الكبير الذي حدثت في ثلاثينيات القرن العشرين وفاقتها حجمًا، بل أن هذا الوضع أقل خطورة من الواقع، فالعالم لا يعيش مجرد أزمة اقتصادية تاريخية، بل يواجه أيضًا حالة شديدة من القسوة من الاحترار لم يشهد مثلها منذ ثلاثة ملايين عام. ذلك التحول المرتقب سيوازي في عمقه وتوسعه العصر المحوري التاريخي، لاسيما الانتقال إلى المجتمع الزراعي والمجتمع الصناعي، حتى وإن بدأ ذلك كاشارة تحذير وكلام مبالغ فيه. لأجل هذا يعتبر تغير المناخ صدمة ثقافية، إذ يصعب تجاهل التغير الكبير الذي شهده الواقع المعيش، بل وحجم التغير الذي يجب ان يشهده ليواكب متطلبات المستقبل. إن ما يسميه الفنيون «إزالة الكربون» أو ما يصفه أهل الاقتصاد بـ«الاقتصاد منخفض الكربون» لا يمكن أن يقتصر على تغيير بعض مفاتيح إقتصاد الطاقة، إذ يعتمد حوالي 80 % من أسلوب حياة البشر المريح على الطاقات الحفرية. ويقف على مشارف التحول الكبير «مجتمع مابعد الكربون» الذي تختلف معاييره الاجتماعية والسياسية والثقافية اختلافًا جذريًا.
ولذا فإن على أي مجتمع يريد أن يفهم الأزمة ويتجاوزها الايواصل تعلقه بالهندسة الصناعية وروح رجال الأعمال وسياسة العمل (التي يحتاجها المجتمع كلها) ويعتمد عليها، بل عليه أن يصبح مجتمعًا سياسيًا، (وهذا تحديدًا محور فرضية هذا الكتاب الصادر 2017 الناشر المجموعة العربية للتدريب والنشر) مجتمع مواطنة بالمعنى الحقيقي يكون أفراده عناصر مسؤولة في كيان الجماعة، ويدركون عدم قدرتهم على البقاء على قيد الحياة دون أن يساهموا مساهمة فاعلة في هذا الكيان. وحتى لو كانت تلك الفرضية تبدو غير ملائمة للعصر، إلا أن الأزمة الشاملة التي يتحتم على العالم مجابهتها تتطلب مزيدًا من الديمقراطية، واستعدادًا من كل فرد لتحمل المسؤولية في الجهود الجماعية. يربط هذا الكتاب، حسب ما ورد في المقدمة، تشخيصًا عصريًا يعتمد على بيانات حديثة بنموذج سياسي قريب من الواقع يعالج قضايا المناخ والمستقبل وفرص الديمقراطية. مؤلفا الكتاب ليسا من علماء المناخ بالمعنى المتعارف عليه، لكنهما يتناولان قضية المناخ كاستنباط للظروف الحضارية في المستقبل، وكمرجع أساس لحياة جيدة لحضارة إجابة على ثلاثة أسئلة: كيف تبدو حال العالم داخليا؟ وكيف يجب أن يكون؟ وكيف يبدو في المستقبل على الأرجح؟ يستعرض الفصل الأول أسباب إبعاد الأزمة الحالية التي لم يؤد سبر أغوارها إلى حدوث تغيير في المسار حتى الآن، بل التأجيل والاستكانة. ويتطرق الفصل الثاني إلى الفجوة بين المعرفة والتطبيق، أي لم لا يفعل الناس ما يعلمون، ويفضلون الاتكال على أصحاب الاختصاص، وإلى السوق والتكنولوجيا والدولة. أما الفصل الثالث فيقدم نقد لسياسة إدارة الأزمات الحالية التي تستعين بأدوات بالية وتتشبث بأساليبها القديمة.
ويعالج الفصل الرابع التناقض بين السياسات الديمقراطية والشمولية في تجاوز الأزمة العالمية ويتعرض الفصل الأخير لموضوع «دمقرطة الديمقراطية» أي الانتقال إلى نظام سياسني أكثر ديمقراطية. هذا الكتاب لا يضع مطلقًا سيناريو لنهاية العالم. ويتمنى المؤلفان أن يحظى الكتاب بقراء يحبون التخلص من العالم القديم وراء ظهورهم وتقديم مساهمة فاعلة في بناء العالم.