فرج ياسين
هل كان ذلك حلما ً ؟ أنا بدشداشتي البازا ونعالي المطاط ، أدرج خلف والدتي متعثرا ً ، وهي بالهاشمي الأسود العريض ، والجرغد البنفسجي المكوّر حول هامتها . هل كُنت ُ في سن الخامسة ، أم دون ذلك بقليل ؟
والدتي تشد ّ يدي ، فندخل زقاقا ً ضيّقا ً ، تتعاوره ظلال الغروب ، ونتوقف أمام باب خشبي واطئ ، ثمّ تزجّ الباب فندخل من دون استئذان ، وفجأة تصبح في مرمى نظري ثلاث نساء عجائز ، جالسات في الطوار المرشوش بالماء ، أميّز فيهّن تشابها ً عجيبا ً ، كنَّ نحيفات ، دقيقات الملامح ، وبيضاوات كالحليب .
ينهضن مرحبات ، فأمرّ عليهن واحدةً واحدة ؛ لكي يقّبّلنني ، وبعد أن يجلسن بنصف دائرة أمام والدتي ، يبدأن معها حوارا ناعما ً ، وهي لا تكف عن ذكر أسمائهن عند مخاطبتهن ، فأشعر وكأنني أحلّق في حومة موسيقى ملائكيّه ، يرقص لها قلبي ، وتتمشى في أعطافي . كانت لهنّ أسماء غريبة : ( تيتا و ديّا و دبّونة ) ، وعلى مدى ما مرّ من العمر ، حتى وفاة والدتي وقد نيّفت على التسعين ، لم أطلب منها أبدا ً أن تقول لي من كنّ أولئك النسوة العجائز . ولماذا تزورهنّ ، وما طبيعة الحديث الذي يدور بينهن ، إذ دأبت على الاكتفاء بسماع تلك الأسماء الغريبة من فمها 🙁 تيتا وديّا ودبّونة ) وهي تنظمها في جملة إيقاعيّة واحدة . من دون أن تضيف شيئا ، وعلى نحو يوحي بتواطئها الأمومي مع ذائقتي المنقوعة بسحر تلك الموسيقى .