المقاطعة سياسة انتهازية
المقاطعة والعملية السياسية والانتخابات
سمير عادل
المقاطعة سياسة انتهازية بامتياز، فهي تعني الضغط على القوى الفاسدة والمجرمة لانتزاع أو تحسين السهم او الحصة في العملية السياسية للجهة التي تقاطع، فالمقاطعة هنا ليست أكثر من إبداء الرغبة بالمشاركة بالعملية السياسية شرط توفر مكانة مناسبة في صفوف الفاسدين واللصوص والحرامية.
الجميع يعرف أنَّ أساس الفقر والعوز وغياب الخدمات وانعدام الأمان وانفلات المليشيات وجرائمها على طول جغرافية العراق وعرضها متأتي من العملية السياسية، على ما يقارب من العقدين من الزمن، فالأحزاب والقوى والشخصيات بما فيها المالكي والعامري، التي جاءت ونُصّبَت على رقاب الجماهير بفضل الغزو الأمريكي، كانوا يصفقون بحماسة لجرائم الاحتلال، بينما اليوم يزايدون على إنهاء الوجود الأمريكي، وارتهنوا كل مقدرات العراق وثرواته ومصير جماهيره إلى الجمهورية الإسلامية في ايران، وحولوا مساحة واسعة من العراق إلى حديقة خلفية لجمهورية خامنئي صاحب المقولة الشهرية التي عبر عنها عبر قادة فيلق القدس إلى (مكونات) البيت الشيعي “وحدة الطائفة فوق الوطن”، في حين حولوا القسم الآخر إلى مرتع للقواعد الأمريكية، وها هم اليوم ترتفع عقيرتهم وتتعالى صرخاتهم، بأن صفقات الكاظمي مع السعودية والإمارات هي استعمار جديد.
هؤلاء المتورطين بأشكال مختلفة بدماء جماهير العراق ونهب ثرواتها هم من يريدون إدامة العملية السياسية بالرغم من كل مالت إليها أوضاع العراق.
يقول ألبرت آينشتاين صاحب النظرية النسبية، أن من يعتقد أنَّه سيحصل على نتائج إيجابية من تجربة فشلت عدة مرات، فهذا يعني الجنون بعينه، ولكنه لم يحالفه الحظ كي يختبر تجربة العملية السياسية في العراق ليضيف له؛ انه الأحمق وحده من يعتقد بعد ما يقارب عقدين من الزمن وإجراء عدة انتخابات، بأنَّ السماء في العراق ستمطر المن والسلوى، وسيهبط علينا من كوكب المريخ صف جديد من الأحزاب ومن القوى غير الإسلامية وغير قومية عبر العملية السياسية لتنقل العراق إلى بر الحرية والمساواة والأمان.
علينا أنَّ نؤكد بأنَّه لا تحسن في الظروف المعيشية للجماهير دون إنهاء العملية السياسية، فلا حل لإنهاء المليشيات أو كما يسميها الكاظمي بالسلاح المنفلت دون إنهاء العملية السياسية، لا طريق توفير الخدمات دون إنهاء العملية السياسية، لا حديث عن المساواة والحرية في ظل هذه القوى الفاسدة، ودون ترحيلها إلى الكهوف التي قدموا منها.
إنَّ (أفضل) النتائج التي حصلت عليها جماهير العراق عبر انتفاضة تشرين أكتوبر هي حكومة الكاظمي، وهي من صورت بشكل كاذب وخادع للجماهير المنتفضة أنها جاءت تلبية لتضحيات الانتفاضة، هذه الحكومة المنبثقة من العملية السياسية شرعت الورقة البيضاء، إقامة هدنة مع المليشيات على حساب أمن وسلامة الجماهير بعد أن صدع رؤوسنا بأنَّها منفلتة، وقد غض الطرف عن كل جرائمها، وبات اي الكاظمي يهادنها ويتملق لها، إنَّه يساوم على دماء المنتفضين، وباع كلمات معسولة لم تنطلِ حتى على الذين لا يعرفون الوضع العراقي. تلك الحكومة التي جاءت بدعم مقتدى الصدر الذي لا ينازعه احد بالفساد وبرعاية ميليشياته المنفلتة، ويتبجح على الجميع دون اي خجل او حياء ويزايد على الفاسدين والمجرمين بأنه يريد الإصلاح. والإصلاح في نظره تنحية القوى المنافسة له من المالكي والعامري والحكيم كي يتربع على كرسي الفساد لوحده، وكأننا نسينا ما فعلتها أصحاب القبعات الزرق بالمتظاهرين في انتفاضة أكتوبر في ساحات الانتفاضة في الناصرية وبغداد وكربلاء والنجف، أو وزرائه في ميادين الخدمات مثل الصحة والكهرباء وغيرها التي فاحت رائحة فسادهم اكثر من رائحة الجيفة والمستنقعات الزبالة التي تزين بغداد، إنَّ الصدر هو من اعلن مقاطعة الانتخابات، ليجسد معنى (المقاطعة) التي نتحدث عنها، عندما وجد أنَّ حظوظه ستقل في هذه الانتخابات، وحين وجد أنَّه لا مفر بأن لا احد يسمع دعواته، تراجع عن موقفه بالمقاطعة، كي يحافظ على الأقل بأي حصته في هذه الانتخابات.
وأخيرا فإننا عندما نقول لا أمن ولا أمان، لا حرية ولا مساواة، لا امل بالتغيير دون إنهاء العملية السياسية، والسبب هو أنَّ الانتخابات القادمة ليست إلا تعميقاً للأزمة السياسية ، وحلقة أخرى لإدارة تلك الأزمة بدلاً من حلها على حساب أمن وسلامة ورفاه جماهير العراق، فكل الذين يقودون اليوم القوائم الانتخابية مثل العامري والمالكي والحكيم والصدر والخزعلي والفياض والحلبوسي والخنجر…الخ يجب أن يكون مكانهم في المحاكم العلنية، بتهم جرائم الفساد والنهب وقيادة مليشيات لتقتل بدم بارد وتنظم حملات التطهير الطائفي وانتهاكات حقوق الإنسان، أن آليات العملية السياسية التي أرست على أسس المحاصصة القومية والطائفية، وتقوم على دعامتي الجمهورية الإسلامية و الماكنة العسكرية الأمريكية هي من تأهل هؤلاء المتهمين لترشيح انفسهم إلى الانتخابات بدل من القصاص العادل بحقهم.
وعليه فإنَّ اقصر الطرق هو برفع الشرعية عن العملية السياسية عبر إفشال الانتخابات وتحويل غضب وسخط الجماهير إلى حركة عظيمة تكنس هؤلاء من المجتمع، إنَّ قدر الجماهير ليس البرلمان، انه صورة مخادعة وضعتها الماكنة العسكرية الأمريكية عبر الاحتلال وصورتها الأقلام المأجورة لتضعها كطوق اسر على رقاب الجماهير، لذا فنحن نرى أنَّ السلطة المنبثقة من الجماهير مباشرة عبر تأسيس أشكال تنظيمية مختلفة مثل لجان او مجالس المحلات والمعامل والدوائر الحكومية والجامعات، واختيار ممثليها لتأسيس هيئة سياسية تحكم العراق وتنفذ برنامج الامن والحرية والمساواة، والذي لا يحتاج إلى المليارات من الدنانير المسروقة من جيبونا للدعاية الانتخابية، ولا انتظار لأربعة سنوات كي يسنوا خلالها القوانين المعادية لنا.