المفكرة
قصة قصيرة
إنتبهت لنفسي… لم أشرع بكتابة مذكراتي لهذا العام،إحساسٌ غريب يتناوشني جعل من حافظتي ممرا سرّيا للكثير من الأفكار ،فأنا في عقدٍ مستمرٍ مع ذاكرة تعج بالكثير من الصور ،ولاسبيل للإمساك بتلابيبها الاّ عبر (رام خارجي) أضعه بالقرب مني على الدوام ،
مدوناتي ليست سوى حرب ضروس بين عارضة بيضاء تتسلل اليها الصور ورغبة محمومة للظفر بقبس منها، فتمرق كالشهب في سماء مرصعة بنجوم يستفزها ذلك المارد الضوئي ;فتستجيب بإشارة برقية ، أنْ أمْسِكْ بها قبل أن تغيب في خط الأفق أو في نقطة ما في ليل يتوارى خلفه المدمنون بشتى أصنافهم ،والحالمون على إتساع رقعة أمانيهم ،والمحرومون وهم يجوسون مثابات الحلكة بحثا عن أحجار الطريق بعد ما زاغت عنهم الرغائب في أتون تساقط مرير لأمطار لاتروي ظمأهم.
كنت فيما مضى أضع المفكرة على حافة السرير ليلاً، والقلم يحبس أنفاسه لِأيّة فكرة مستعجلة فتتعشق مسنناته مع هدير طيرانها .
في الصباح أفتح المفكرة،فيصيبني الذهول ، لكأني طرفٌ محايد تناهى لسمعه ضجيج شيءٍ ما ، لكنّه تغافل عنه بايحاءٍ آمر لاسبيل لمواجهة سلطانه، ليجد الأخبار وقد ضجت بها الطرقات ..
الطرقات هنا طَرْقٌ مستمر على مؤخرة الرأس،
تسيلُ منه ألغاز تنشد الحرية من محبس ،كطائر ٍ يختزل الآفاق في خفق جناحيه ، فَيُجيل البصر برشقة أمنيات…
إنّه الزمن حين يَزّم شفتيه فيعود القهقرى من حسابٍ أصَمٍّ للدقائق والساعات لاسبيل لتجاوزه إلى حركة دائرية في مدار تضيع فيه نقطة الشروع ومزولة الوقت.
أعترفُ أنني بين متعاكسين، أحدهما تحت شمس النهار ،ينظر لمفرداته اليومية بشيء من الحياد ،ويتعامل مع التفاصيل مثل متسكعٍ على رصيف لا يأبه بالصور العابرة كشريط ممغنط ،
أما الآخر فيلتمس الظلمة كيما يربك الوقت ويعيد تركيب الأحداث والصور محاولا أن يغوص في الأعماق، مستظهرا الشريط الممغنط وما يستبطنه من أسرار ومايكتنزه تحت ظلال المرور العابر في ذاكرة مكتظة على الدوام ، بطريقة فحص مغايرة .
كيف حصل هذا ?
الاسئلة ليست من نمط الإستفهام الشفاهي ;
هناك أذرع أخطبوطية تضع في نهايتها كلابيب اللغز فتهاجمني دفعة واحدة وتعبث بذاكرتي..
كيف تمكنت من تدوين كل ماجرى في مستوى اللا وعي…!!!!!?
أقرأ بشغف كل ماكتبته ولولا معرفتي اليقينية برسم الكلمات ،المنحنيات والخطوط المستقيمة وحرف الميم… نعم حرف الميم الذي ارسمه بطريقة لايشبهها رسم آخر ; لنسبت كل ما في مدونتي الى متسلل عابث يحاول التلاعب بخبث في مملكتي الشخصية .
في النهاية لمعت في ذهني فكرة التلصص على ذلك الذي يغط في نوم عميق في لياليه الباردة ، ويضع مفكرته وقلمه على حافة السرير ، بانتظار شهب الأفكار التي تمزق عتمته ،لكن الصباح يحمل ملف الدهشة فيقدّمها على مائدة إفطاره في صفحات كثيرة لا يراها تنتمي اليه…
بقيت أنتظر حتى الهزيع الأخير من ليلي الطويل دون أن ألمح شيئا غريبًا في فضاء غرفتي ،
عندها قررت أن أُمسك بالقلم وأفتح مفكرتي لأكتب فيها شيئا يدفع ضجري وطول إنتظاري..
على مائدة إفطاري في الصباح الباكر أتناول مفكرتي ،لأقرأ الجُمل القصيرة التي كتبتها ..
كانت الصدمة أكبر من قدرتي على إستيعاب ما شاهدته…
صفحات كثيرة غطّت بالخط الذي أعرفه جيدا مساحات شاسعة أطول من كل لياليّ التي مرّت وأنا أغط في نوم عميق.