المغرب منها ولها القريب
بروكسيل : مصطفى مُنِيغ
مهما تصرَّف حكامها بما قرروا أو نفروا أو خطَّطوا أو استعانوا بمن لن يعينهم مهما فعلوا يظل المغرب الأقرب منها ، الجغرافية أرادت والتواريخ منذ أَعرق بدايات دَوَّنت على الأرض شبراً شبراً عمَّن زَرَعَ جذوره فوقها ، لتكون لدولتين فرنسا أورثت العداء بين حُدودَيْها ، المُصطنعتين بإرادة جندها المكوّنين بعضهم من أجناس بلاد افريقية اجتاح الجور الاستعماري شعوبها ، لتستعمل في قهر واستعباد المزيد لتكثر مصادر مغانمها . الجزائر لغة وديناً كالمغرب ومَن فيه والأخير عادات وتقاليد كالجزائر ومَن فيها ، فلِما التنافر واقتسام مآسي اغرب مقاطعة قائمة على وهمٍ وعصبية أولها كآخرها ، مضرَّة كل الضرر بالشعبين الشقيقين الرازحين آنياً تحت ضغط ظروف قاسية بما تحمله من معاني اتساع سلبياتها . نظام قائم على مراسيم جمهورية متعدِّدة الاستنباط مِن مبادئ دخيلة على الأصول الإسلامية الجزائرية المتشبِّع بها أهلها ، القريبة للعقلية الإفرنجية الغير المعترفة بالجزائريين إلاَّ ليكونوا من الدرجة الثانية أو أدناها ، حتى في قعر داخلها ، فرنسا تطلق عليهم بأصحاب “الجلود السوداء” المتسكعين غالب الأحيان بين شوارع “بَارْبِيسْتْ” يميُّزهم صخب يطالبون به حق العيش كسواهم في بلد الحرية والعدل والمساواة بين البشر جميعهم باستثناءٍ يبعدهم عن هذا الثلاثي الذي صدَّقوه فجعلهم عبيداً في مدينة النور باريس والأخيرة فخورة بما حققته من إذلالهم بنفسها ، ما أُسجِّله هنا لم اسمع به ، بل عايشتُه شخصياً واقفاً على أحداثٍ استرجعُها الآونة عسَى حكام الدولة المجاورة يتَّعظون مِن الماضي القريب حتى لا يكرِّرون نفس الأخطاء القاتلة في المستقبل القريب أيضاً ، لقصور نظرهم ، وذهاب مع السراب والفشل والإحباط والهزيمة تعلقهم . أثناء عملٍ تحمَّلتُ مسؤولية القيام به لصالح شركة َألمانية ، يتمثَّل في جمع أكبر عدد ممكن من الاشتراكات السنوية في مجلةٍ أمريكية تصدر بعدة لغات ومنها الفرنسية ، على أن يكون مسرح العمل مجموع المساحة الفرنسية ، إذ اصطحبني السيد “فِدْمِيرْ” من مدينة “بروكسيل” البلجيكية حيث أقيم إلى “لِيلْ” الكائنة في شمال غرب فرنسا لنشرعَ في المهمَّة رفقة مجموعة من الفرنسيين ومنهم المسماة “جنين” التي مع الأيام ونحن ننتقل من مدينة فرنسية إلى أخرى ، تكوَّنت بيني وبينها علاقة ودٍّ وتعاطف ، ولمَّا وصلنا إلى “باريس” أطلعتني أن اسمَها الحقيقي “عائشة” واصلها جزائري أباً وأماً ، ممَّا يدعون عند الفرنسيين بأصحاب “الجلود السوداء” وعليّ بزيارة أسرتها إن أردتُ الاستمرار في علاقتي معها للنهاية ، في بيتها صافحني والدها الرَّجل المكسور الخاطر المحطَّم المعنويات ليخاطبني :
– حاولتُ الرجوع لبلدي الجزائر ، إلي مدينة “وهران” تحديداً ، لكنني اصطدمتُ بالمنع المُطلق من طرف المسؤولين الجزائريين الذين وصفوني بالعميل لفائدة فرنسا أيام حرب التحرير ، الحقيقة لم أكن سوى موظف بسيط في الإدارة الفرنسية المحتلة آنذاك لوطني الجزائر ، اخترتُ الانتقال مع مَن سمحت لهم فرنسا الدخول لأرضها لأستمرَّ في وظيفتي بنفس الراتب والدرجة الإدارية ، مع الوقت تحولنا في نظر الفرنسيين (دون الجاليات المهاجرة لها) لعبء كبير عليها ، ممَّاَ شكَّل وجودنا كجزائريين محطة تضايق هؤلاء بل يطالبون أن نغادر أراضيهم ، متفننين في خلق حكايات تُروَي عنَّا بما يصدر من إجرام وإفساد لأخلاقياتهم ، لذا لم أجد مناصاً غير السماح لابنتي عائشة هذه تحت اسم إفرنجي مستعار أن تلتحق ببلجيكا لإبعادِها عن حالنا الملوَّث بلا ذنب إرتكبناه سوى انتسابنا للجزائر كجزائريين ، وإذا أردتَها زوجة على سنَّة الله ورسوله اذهب بها إلي المغرب ، بلد الكرم والكرامة والخير المتدفِّق بعناية الرحمان اللطيف ، والأصل الأصيل الشريف ، وليس للجزائر ذي المصير الحتمي آجلاً أو عاجلاً المخيف ، قصدي ممَّا ذكرته موجه لجماعة من جنرالات وما يؤتمر بأمرهم من رئيس للجمهورية وأغلبية وزراء الحكومة الحالية ، ومَن كوّن ثروة بطرق غير شرعية ، على حساب تعاسة وحرمان الشعب الجزائري ، إن اعتمدوا اللِّحقاء براعيتىهم فرنسا ، أنهم أحبوا أو كرهوا ملحقون بالوصف الحقير “أصحاب الجلود السوداء” الذين مهما صرفوا وتظاهروا بالغناء الفاحش سيظلون “مسخرة” لعموم الفرنسيين إن لم يتهمونهم في وقت من الأوقات بالخيانة العُظمى لوطنهم الجزائر ، ليصبحوا بين نارين احتمال التحقير الفرنسي الساخر ، او غضب الشعب الجزائري برمته عليهم ، لذا لا مخرج لهم إلا بإعادة التفكير الجدِّي في موقفهم من أقرب المقربين لبلدهم الجزائر ، ذاك المغرب المستعد كان ولا زال لمحو صفحة التوتر القائم مند سنوات والبدء في علاقة جديدة قائمة على التعاون المحمود الند للند لا تشوبه شائبة ولا تعكر صفوه قضية “المرتزقة” الذين جفَّ ضرع بقرة الجزائر من فرط مصهم لبنها للوصول الآونة ، حيث لا مكان يحتويهم ولا منبع يروي عطشهم للاستقرار ، إلاَّ بالانضمام لمؤيدي الحكم الذاتي للصحراء الموحَّدة مع التراب الوطني المغربي ، بكل ما تعنيه كلمة “موحَّدة” مِن تقديس لا يجوز مسُّه مهما تعاقبت الأحقاب وتجدّدت الأجيال ، إذ ما ينتسب للمغرب كحقٍ مشروع ، لا ولن يضيع مهما كانت الأحوال وتباينت الظروف .