المعارضة في النظام العراقي
د. صلاح الصافي
كان النظام الدكتاتوري السابق لا يعترف بوجود معارضة في العراق، لذلك قام بتصفية معارضيه من كل الأحزاب التي عارضت النظام أو هروبهم إلى خارج البلد.
وبعد انهيار النظام السابق على يد المحتل الأمريكي، تنفس الشعب العراقي الصعداء وكان الأمل كبيراً بنظام ديمقراطي ينعم الجميع بالطمأنينة والازدهار، وجاء هذا المحتل بمن كان يدعون المعارضة ليسلمهم الحكم.
وبما أن النظام في العراق نظام برلماني كما جاء في المادة الأولى من دستوره الدائم، سوف يكون كلامنا عن المعارضة في البرلمان العراقي.
مفهوم المعارضة مصطلح يستخدم في القانون الدستوري وفي العلوم السياسية، والقصد منها الأحزاب والجماعات السياسية التي تسعى للوصول إلى الحكم، على أن تمارس هذه المعارضة في الأطر الشرعية وضمن مؤسسات الدولة,
ونفهم من ذلك أن للمعارضة حرية ممنوحة دستورياً لأحزاب وأشخاص خارج الحكومة، على أن تمارس نشاطها السياسي في مراقبة القابضين على السلطة بالطرق المشروعة قانوناً، بهدف تصحيح وتصويب ونقد مسار عمل الحكومة من دون مس النظام السياسي، وهذا لا يعني الوقوف في وجه كل ما تفعله الأكثرية الحاكمة إنما تعني المراقبة على نتائج تراها المعارضة، إما تأييد أو تصحيح أو تقد.
للمعارضة في النظام البرلماني وظيفة هامة في النظام الديمقراطي، منها الاستقرار السياسي وكذلك منع قوى السلطة أن تعبر عن نفسها وعن مطالبها خارج الأطر وقواعد الديمقراطية.
وأبرز وظيفة للمعارضة هي صيانة الحياة السياسية من الاضطراب، حيث تعتبر قوة نوازن ضرورية في المجال السياسي، وليس عبئاً على السلطة أو مصدر ازعاج لاستقرارها.
وعليه أن المعارضة السياسية البرلمانية هي جزء من النظام السياسي، تؤدي أدواراً في غاية الأهمية لاستقرار النظام السياسي، ومن غير المفيد تغييبها أو اضعافها في ظل النظام البرلماني.
فالمعارضة في الأنظمة الديمقراطية جزءً مكملاً للنسق السياسي العام، فالتكامل والتنسيق في الأدوار بين الحكومة والمعارضة يؤدي إلى صالح النظام السياسي العام، ومن هنا جاءا مسؤولية المعارضة في التدقيق والمراقبة والمحاسبة وتقويم سلوك الحكومة.
وعلى ذلك فإن ضعف المعارضة أو غيابها في هذا النظام لها آثار واضحة من شأنها أن تشكل ثغرة في العملية الديمقراطية، بل يسمح للحكومة أن تتسلط وتبغي، وبما أن دور البرلمان هو التشريع ورقابة على السلطة التنفيذية، فضعف المعارضة أو انعدامها يجعل من البرلمان غير قادر على القيام بمهمة الرقابة.
والسؤال لماذا لا تتجه القوى الخاسرة بالانتخابات إلى المعارضة في البرلمان، والاصرار على المشاركة في الحكومة؟.
وما الذي جعل السيد المالكي بعد أن كان يدعو إلى حكومة أغلبية، يعود اليوم إلى رفض حكومة الأغلبية ويطالب بالعودة للمحاصصة ومشاركة الجميع في الحكومة.
الحقيقة أن المعارضة في العراق لا يحبذها كل السياسيين العراقيين، فمن الناحية التاريخية كان المعارض هدف للسلطة من خلال الاعتقال والتنكيل والاعدام، وبقيت هذه الفكرة مترسخة في بال القوى السياسية العراقية لأنها أصلاً كانت قوى معارضة، إضافة إلى أن السيد المالكي ومن معه عليهم ملفات فساد كثيرة وكذلك اتهامات بالتسبب بسقوط أجزاء كثيرة من العراق بيد داعش، وهذا كله يجعلهم يستقتلون من أجل استمرار الحال في تشكيل الحكومة على ما كان عليه في الدورات السابقة، خصوصاً بعد اصرار الصدر على محاسبة الفاسدين حتى وإن تم مليء السجون بهم.
نتمنى أن يبقى الاصرار على حكومة الأغلبية ورفض كل الأصوات التي تطالب بمشاركة الجميع أو ما يسمى بحكومة توافقية، لأن الشعب العراقي لم يجني غير الحرمان والجوع والذل والبؤس من هذه الحكومات.