هل هدف أردوغان، خلق صراع دائم بين الكورد والعرب على جغرافية غربي كوردستان، والتغطية تحت العباءة الإسلامية؟
هل الخطة من أجل خلق البيئة الملائمة لديمومة احتلال تركيا للمنطقة؟
لماذا تسند بعض الدول العربية المشروع الأردوغاني الإسلامي، هل لا تزال تركة الخلافة العثمانية مترسخة في لا شعورهم؟
الأغرب من بين جميع مخططات التغيير الديمغرافي، ما تطالب به المعارضة التركية، ومشروع أردوغان المتوازي معهم مع إضافة العودة عن رغبة، وهو يدرك أن الرغبة شبه معدومة في ظروف سوريا، وما يطرح حول بناء مدن من العدم، بعقد اتفاقيات تجارية عن الشعب السوري مع قطر؛ لبناء 200 ألف شقة سكنية، أي مدن للعائدين قسراً تحت غطاء الطواعية، في الوقت الذي يعاني فيه أبناء المخيمات الويلات. ولتنفيذه يتم تحفيز المنظمات المعارضة السورية الإسلامية التكفيرية الذين تربطهم والنظام التركي النزعة العنصرية تجاه الشعب الكوردي، والمبررات في عداوة الكورد، لم تكن يوما إشكالية لدى الأنظمة التركية، ولا عند الأنظمة الأخرى المحتلة لكوردستان، ويدرج في هذا السياق دولة قطر بعدما عبئت أيتام البعث السوري، الملتجئين إليهم، ذهنية قادتها بالمفاهيم العروبية التي سادت بين المستعربين في سوريا والعراق.
وليس بأقل منها غرابة سذاجة حراكنا الكوردي، بتصديقنا لحجج تركيا في محاربة الإدارتين الكورديتين، وسهولة سقوطنا في مستنقع الخلافات، معتقدين على أنه لولا هذه الحجج لما قامت الأنظمة المحتلة بالاعتداء على شعبنا وجغرافيتنا، ولما خسرنا سيادتنا، وما حدثت الهجرات الماضية والجارية. أي لولا حزب العمال الكوردستاني والـ ب ي د المهيمنة على الإدارة الذاتية، لما قامت تركيا وإيران بقصف جنوب وغربي وشمال كوردستان، متناسين أنهم خلقوا في الماضي العشرات من المبررات للقضاء على ثوراتنا، من المرحوم شيخ سعيد بيران والسيد رضا، وقاسلموا، ومهاباد وغيرها بالمئات من الأمثلة، دمروا المناطق وأحرقوا القرى وهجروا عشائر بأكملها، وبإمكانهم أن يخلقوا غيرها متى ما تطلبت الظروف، وهو ما تفعله تركيا اليوم بحق غربي كوردستان وجنوبه. ولا شك كل هذا لا يعني التبرير لما تقوم به القوى الكوردية المعنية، للتفرد بالسلطة والشمولية في الحكم، وتخوين الأطراف الكوردية المعارضة.
الهدف هي الجغرافية الكوردستانية، والمستهدف هو الشعب الكوردي، والمبرر الإدارة الذاتية، والتي في عرفهم كوردية، وعرف أطراف من حراكنا عكسها، وهي تحت سيطرة حزب الـ ب ي د الأممي، ويتم تنفيذه على مرأى من القوى الدولية المعنية بالقضية السورية وبموافقة النظام السوري وإيران، إلى درجة أن أردوغان يتصرف عوضا عن الجميع، كمالك لجغرافية المنطقة ووالي على الشعوب السورية، يغير في مناطق سكنهم، يعيدهم من الهجرة إلى هجرة جديدة، بإسكانهم في المناطق الكوردية والتي له منها غاية، في الوقت الذي تحتاج مناطقهم الأصلية، أي الداخل السوري، والمخيمات، لتعميرها وإصلاح الدمار فيها.
كل هذا خدع وخباثة سياسية، يجند أردوغان المهاجرون السوريون لخوض حروب ديمغرافية طويلة الأمد ضد الشعب الكوردي، فهو لا يكتفي بما حصل للكورد، حيث الهجرة وتهجير قرابة مليون ونصف كوردي من غربي كوردستان، واستيطان قرابة مليوني عربي من أبناء الداخل والرقة ودير الزور مكانهم، إلى جانب ديمومة سيطرة مستعمرات الغمريين على أراضي الشعب الكوردي، لأنهم وعلى خلفية دراساتهم للتاريخ الكوردي، وجدوا أن التهجير الجزئي ليس كافيا للقضاء على القضية الكوردية، التي كانت تعود وبزخم أقوى، لهذا يحاولون تطبيق تجربة الجمهورية الحمراء على غربي كوردستان، والإشكالية الكارثية هي، إلى أي مدى سيدرك حراكنا الكوردي والكوردستاني هذه المخططات، وستتآلف على نقاط مشتركة تقوي جبهة المواجهة أمام المتربصين بأمتنا؟
نتائج عمليات التهجير القسري للكورد بسيطة؛ مقارنة بالمخططات والمشاريع الخبيثة والمؤدية إلى التغيير الديمغرافي ببعديه، الهجرة والتسكين البديل، ففي الأولى يتم إفراغ المنطقة بشكل مؤقت، ولكن في الثانية تملء المنطقة وتخلق معها صراع قومي، وسياسي، وربما مذهبي، ويسايره تحريف للتاريخ، والطعن في الوجود الكوردي على جغرافيته، والتي على أثر ما فعله عبد الناصر والبعث مع سلطة الأسد، ظهرت بعض الدراسات، تطعن الحضور الكوردي التاريخي في غربي كوردستان.
ومن الغرابة أن هذه الدراسات دعمت من قبل دولة قطر العربية، ممولة المشروع الاستيطاني الجاري من قبل أردوغان، وقد جندت لها بعض الكتاب العروبيين الذين كانوا يخدمون البعث سابقا، واليوم موظفون لدى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات القطرية.
أغلبية المعارضة السورية العربية تدرك النتائج الكارثية التي ستنجم عن مشاريع بناء مستوطنات للمهاجرين السوريين الذين يود أردوغان إعادتهم، ليس إلى مناطقهم، بل إلى المنطقة الكوردية، المحتلة أو التي يخطط لاحتلالها، ويعلمون ما ستؤول إليه قادم سوريا بهذا التغيير الديمغرافي. وعلى الأرجح أنهم يعرفون أن أردوغان يثير إشكالية المهاجرين السوريين، ليس حبا بهم، بل كرها بالكورد، وتدميرا على ما حصلوا عليه من مكتسبات، والإتيان على البقية الباقية من الديمغرافية الكوردية في غربي كوردستان، لكنهم ربما لا يدركون إلى أي مدى ستؤدي هذه إلى تقسيم سوريا وتجزئتها.
المشروع جزء من استراتيجية تركية تشمل المنطقتين الكورديتين، أي جغرافية العراق وسوريا، بدأها بجرابلس والباب، ومن ثم عفرين ومناطقها، إلى كري سبي وسري كانيه، ويحاول أن يشمل كل شرق الفرات، كسند لحربه ضد الكورد، إما بالقضاء على الإدارة الذاتية، أو محاصرة الإقليم الفيدرالي الكوردستاني من جل الجهات، بعدما تأكد أن تكرار عملية الاجتياح العسكري لا يزال تحت الخط الأحمر الأمريكي والروسي معا، لذلك يحاول الالتفاف عليها بطرح قضية إعادة اللاجئين السوريين، لكن ليس إلى الداخل السوري بل إلى المناطق التي يطمح باحتلالها. ومن خلالهم سيخلق صراع دائم بينهم كمستوطنات عربية والشعب الكوردي، والغاية الأبعد هنا ترجيح النسبة الديمغرافية، فبعد سنوات سيطالب أردوغان والنظام السوري القادم، أي كان، الحالية أو المتشكلة من المعارضة، بتطبيق الديمقراطية الانتخابية في المنطقة، بعدما يتأكد أن الديمغرافية العربية هي المرجحة، وهو ما يكاد أن يبلغه على خلفية الهجرة الكوردية الكارثية التي تمت ولا تزال مستمرة في غربي كردستان…
يتبع…
د. محمود عباس