المساحة السوداء…
مثل صرير الباب باتت اوجاعي، ما أن اتحرك حتى اسمعها تتأفف من حياة صدئة ركنت الى مسارات محدودة، كنت اعشق ان ألون ما استطيع بما امتلكه من فرش وعلبة اصباغ تلك التي عشقت رائحة اكسير نامت معه حتى تتوأمت فما عادت تميز نفسها عنه… كنت كثيرا ما أتلحف المفردات اوجاعا لتنسل اناملي خجلة بدموعها ترسم لوحة الآسى بأطياف حزينة، فكل من يسكن بداخلها يحمل قلبا جريحا نتيجة صدمة دون حسبان، لم استغرب!؟ هكذا سمعت ما يقال عنها وهي تحاكي حزنها، لكني كنت اول من تلقاها في الحفل الذي اقيم لإفتتاح معرض لوحاتها الاول…
فَراشة براقة تصفق بأجنحة الفرح زهوا متنقلة من فضاء الى آخر… تتجه حيث النور الذي يلمع بريقه في عيون من تراه مبهرا، لم تشعر بوجودي وقتها بعد ان أخذت وقفتي أمام لوحة جسدت ظلمة وقتامة ما شعرت لحظتها وقد كان إحساس انعكاس آخر لما تقوم به… لابد أنها تتالم كثيرا!؟ فمساحات الظلمة التي اتقنت ان تسيدها باحت لي ملمحة بأنها تحمل قلبا جريحا مع جميع من تأسوا في فترة ما… حتى قُبضت روحها برغم رفضها الموت دون ان تقاوم، فجهدت تعيد صبغة حياتها بعد ان غيرت علبة الألوان التي تفتقد الى اللون الاسود، عَمَدت الى ان تُحيي كل المساحات التي يمكن ان تعكس العتمة لتطليها ألوان زاهية… باتت كالفراشة التي تدور وتدور…. رغم أن عيناها لا تبتعد عن ما أنا أقف أمامه… أظنها كرهتني او حقدت علي!! هكذا شعرت خلال اختلاسها النظر باستغراب!!! لأن الجميع يقف أمام ما أرادتهم ان يشاهدوه، يشعروا به، لقد ترجمت احاسيسهم بشكل يعكس الانكار مما يحسونه من بقايا ترسبات انزوت في اركان قاتمة السواد مع خفافيش عشقت السبات فيها الى الأبد… لم يعد هناك خطيئة بإباحية عمياء، الجميع يريد ان يخطيء في النور بعد ان باتت الذنوب تسير بشتى العناوين كبيرة كانت ام صغيرة… لوحاتها فاقت التجسيد الذي يكنونه بداخلهم، لم تعد هناك عورة او حياء فالعصر الجديد يريد مواكبة اللاحياء بخطوات قفز لا يمكن تخيلها بعد تفشي الافكار الجديدة ونكران الذات الإلهية، جنون يتخبط ما بين الواقع واللا واقع ، تهميش في بعض الاحيان يفرض عليك تعيشه حياة دون حساب، ايام معدومة الطعم، كنت ارمقها بنفس المساحات التي اتاحت لنفسها التحرك منها صوبي رغم تحايل مني في لحظات دون وقت ان اختفي لأراها تبحث بعيون حائرة، ما ان تقع علي بعينيها حتى تستقر حديثا مع من تشارك، هكذا بان لي، او ربما صورت لي نفسي ذلك…؟
مر الوقت بسيطا بسلاسة الاقدام فيه وهي تنسل خارجة كما الروح دون استئذان، حين تودع رمق البقاء الأخير في واحة الألوان تلك… كنت قد خطوت مع آخر من خرج…. لا أكذب على نفسي، لقد تعمدت ذلك فوجدتها قد وقفت امامي تمنعني من الخروج وهي…
تقول لي: عذرا لم اتعرف إليك؟؟ أتراني إلتقيتك في مكان آخر، رغم أني واثقة أني لم أشهدك من قبل تتصفح صالات عرض اللوحات الفنية…
لم يكن لدي شك في قول الكثير ذاك الذي بداخلي، لكن اجدني ورجفة من القرب بالاحساس بأنفاسها وهي تلامس مساحات وجهي اعيش حالة من الذهول، بل اللذة التي افتقد…
سارت رائحة الرجل الحيوان الى شهوة غريزية نحو مفاتن تفوح عطرا من تصبب عرق في اماكن احسدها، لحظة جنون أو دعوني أقول كانت تبيح للناظر ان يستمتع بما تظهره من مفاتن.. لا أدري ؟؟ ربما تحاكي ما كانت تستعرضه بفرشاة لا تكن الحياء حرمة، لم أعي نفسي إلا حين صاحت… هل أنت بخير؟؟
أراك قد شردت بعيدا بحثا عن مخدع بخيالك، هكذا انتم لا تنظرون سوى الى رغباتكم الجنسية..
واقعا شعرت بالإحراج، فأنا لم أتعرض الى هكذا موقف من قبل، فلملمت لعابي وجمعت شتات خيالي الذي صعقني وقلت معتذرا: سيدتي قد لا أرتاد صالات العرض كثيرا ، لكني احرص على ان انتقي الافضل دائما، فأنا من محبي الاطلاع على ما هو جديد في عالم مليء بالألوان ….
ردت دون ان تسمح لي بأن أكمل… إذن لم كنت تقف امام لوحة سوداوية تعتاش الخفافيش على الانضمام إليها لتخفي قبح شكلها؟ فكما أراك رجل تتمتع بالأناقة واللباقة الى جانب مسحة الجمال الذكوري…
كنت كمن يتلقى دفعة الى الخروج من رداء الصمت والخجل لكي اخبرها بفوران نفسي التي تدفع بي الى تصرف مجنون، كان المكان قد فرغ إلا مني ومنها، لاحظت هي ذلك التوتر والشعور بالرغبة فسيدة مثلها لا أظن الرغبة التي احمل تخفى عنها… حتى أنها ضحكت وهي تقول:
أراك قد شحذت غرائزك، اتراني أثرتك الى هذا الحد؟ لقد كنت اتوقع ان تكون أكثر صلابة، كونك لا تعرفني و لا يجمع بيننا سوى هامش لقاء في صالة عرض…
أجل يا سيدتي… كوني على ثقة أنها المرة الأولى التي اتعرض الى هكذا حالة، والغريب!!! أني لا أعرف كيف اتصرف اتجاه ما أشعر به؟؟؟
قالت: لا ضير فكثير من الرجال تعرضوا لما تعرضت له… هذا لا يخيفني او يحرك بداخلي سوى القول لنفسي اني على حق في ظنوني…
فالحياة التي مضت كنت قد عشت تجربة مريرة دفعت ثمنها غاليا نتيجة حب أعمي دفع بي الى الهاوية نتيجة الوثوق برجل او حُب رجل، كنت هائمة في عالم من الربيع الدائم العامر بنفحات الخلود الملائكي، هكذا رسمه وبناه وتخيلته معه الى أن طالتني لحظة ضعف في بداخلي أسلمت فيها نفسي الى الرغبة، كانت لحظات خالدة… لكن سرعان ما قفز شيطان الشعور بالذنب يصفق زهوا على خداعي وسارعت أنا ابحث عن محراب الغفران كلما وجدت ظله مع من كنت احب، لكنه أوصد بوابته بقوة في وجهي بعدما رمى بي الى الخارج نتيجة ما أسماه بالخطيئة…
اتخمت اياما لا ألوان فيها، فارقني الأمل فيها بالبقاء حية، شرع اليأس يتنفسني واتنفسه الى ان امتلأت به، مزقت دساتير الحب والثقة، كتبت شعارات تُشًهِر بالخيانة التي يختفي الرجل خلفها بمودة… لبست ثوب الافعى الذي تراه ورحت الى فرشاتي اجسد اباحية الخطيئة لدى الرجل التي حرمها على جنس المرأة، فحين يخطأ تسجل له غزوا جديدا، وحين تخطأ المرأة تسجل على وثيقة اعدامها في مجتمع مليء بخطايا الرجال…
سارعت هواجسي تقول: لا بد أنها مجنونة او مريضة نفسيا…
إلا انها سارعت بالقول: اظنك ترميني بالمرض النفسي ههههههه، لا عليك هكذا انتم حين لا تستطيعون فهم الامر ويصبح بعيدا عن متناول ذكورتكم ترمون باللائمة على المرض…
كنت احسبك اكثر وعيا وإدراكا… لكنك لا تفرق عمن صادفت… هيا يمكنك ان تذهب الآن
وانسلت من جانبي وانا اقف كالابله المبتل خجلا… ايقنت اني لا اقف امام انثى عادية أو فراشة كما صورتها، بل أقف أمام اللبوة التي بداخلها، تلك التي تسيطر على ردة افعالها… خرجت وأنا لا أُكذب ما سمعت عمن كان حبا في حياتها يوما ما، ذاك الذي أوردته جنونا في احد المستشفيات النفسية إنتقاما.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي