بمناسبة اليوم العالمي للمرأة 08 مارس:
المرأة / الإنسان:بين الاستغلال الرأسمالي، وبين الرِؤيا المنحطة في الواقع الاجتماعي، في ظل جائحة كوفيد 19…..4
محمد الحنفي
المرأة والعمل المزدوج:…..1
إن معاناة المرأة في الواقع، لا تكون مقتصرة على حرمان المرأة من الحقوق الإنسانية، ومن حقوق النوع، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وخاصة، ما يتعلق منها بحقوق النوع، المنصوص عليها في اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، من أجل تجاوز كافة أشكال الحرمان من الحقوق الإنسانية، إلى العمل المزدوج، الذي نعني به العمل خارج البيت، وداخله، نظرا لأن الرجل الذي يعمل خارج البيت، تعود أن لا يعمل داخل البيت، الذي يعتبر الرجل العمل به من اختصاص المرأة. واعتباره هذا، ترتب عنه: أن المرأة تعمل، بحكم الضرورة، خارج البيت، ولكنها، في نفس الوقت، ملزمة بالعمل بحكم العادات، والتقاليد، والأعراف الموروثة، داخل البيت. وهو ما يعتبر مرهقا جسميا، وفكريا، ونفسيا، بالمرأة، وعاملا من عوامل تكريس دونيتها، في إطار الأسرة، التي تأبى على نفسها أن تتنازل عن عاداتها، وتقاليدها، وأعرافها، تجاه المرأة، باعتبارها إنسان، له نفس الحقوق، وعليه نفس الواجبات، تجاه المجتمع، وتجاه الأسرة. وهي نفس الحقوق، ونفس الواجبات، التي يجب أن لا يعفى منها الرجل.
فالمرأة، والرجل، سيان في العمل، خارج البيت، الذي يستفيد منه المجتمع، ككل، وفي العمل داخل البيت، الذي لا تستفيد منه إلا الأسرة.
فإذا كان العمل خارج البيت، في المعمل، أو في المتجر، أو في الحقل، يستهدف إنتاج فائض القيمة، الذي يفيد الاستغلال المادي، والمعنوي، الذي يفيد الرأسماليين، والنظام الرأسمالي، ويفيد المجتمع في النظام الاشتراكي، فإن العمل في البيت، عندما يكون مطبوعا بالتعاون بين الرجل والمرأة، في شؤون البيت، فإنه ينتج فائض الحب الشامل، بين الرجل، والمرأة، وبينهما، وبين الأولاد، والبنات، مما يجعل العلاقات الأسرية، قائمة على أسس متينة، تضمن لجميع أفرادها الراحة الجسمية، والفكرية، والنفسية، والعاطفية ،ودوام الوحدة، والتماسك، والتعاقد المتبادل، بين جميع أفراد المجتمع، من أجل الوصول بالأولاد الذكور، والإناث، إلى شاطئ الأمان، على المستوى الدراسي، وعلى المستوى الاقتصادي، وعلى المستوى الاجتماعي، وعلى المستوى الثقافي، وعلى المستوى السياسي، كذلك.
وفي إطار الحرمان من الحقوق الإنسانية، ومن حقوق النوع، يأتي إنهاك المرأة بالعمل المزدوج، الذي لم يعد يتناسب مع هذا العصر الذي نعيش فيه، والذي فرض فيه على المرأة العمل خارج البيت، نظرا لضغط متطلبات الأولاد، التي ترجع إلى الأب، والأم معا، بحكم المسؤولية عنهم، وبحكم الإنسان المفتقد في الدول القائمة، التي لا تساهم في التخفيف من أعباء الأسر، تجاه الأولاد، كما هو معمول به في الأنظمة الاشتراكية.
ولذلك، فالمرأة المسؤولة عن الأولاد، يجب أن تعتبر موظفة، وأن تتقاضى أجرة حسب مؤهلاتها، التي تقدمها، لو صارت موظفة، وتراقب من قبل المرشدات الاجتماعيات، حتى تتقن دورها التربوي، على أن تعقد دورات تربوية، لا تحضرها إلا الأمهات، من أجل التكوين التربوي، وتطوير ذلك التكوين، في أفق أن تساهم المرأة في إعداد الأجيال الصاعدة، إعدادا جيدا، في أفق الانتقال بالمجتمع، إلى مستوى إنتاج التقدم، والتطور، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي يمارسها الناس في مختلف الميادين.
فالتقدم، والتطور، ينبع من عمق التربية، المعتمدة في مجتمع معين. وفي المجتمعات الرأسمالية التابعة، تترك الأسر لشأنها، ويترك الأولاد، والبنات للشارع.
وإذا كانت المرأة تعمل خارج البيت، فإنها تستأجر من تقوم، في غيابها، بتعهد الأولاد ذكورا، وإناثا، وبعقلية مختلفة، عن عقلية الأم. وقد يتعرض الأبناء، والبنات، لكافة الأخطار التي تتهددهم: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، خاصة، وأن سياسة الأنظمة التابعة، لا تنتج إلا الانحراف: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي. والمنحرفون، الذين يملأون الشوارع، هم الذين يتحكمون في الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة، وفي تعليم الأخلاق التابعة.
وأهم ما يمكن أن تصير عليه المرأة في هذا العصر، الذي نعيش فيه، هو أن تصير مربية، وأن تتكفل، هي، بإعداد الأجيال الصاعدة، كما عهدناها، عبر التاريخ، وفي أي مكان من العالم، حتى تعمل على حماية الأجيال الصاعدة من الانحراف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى تؤدي دورها التربوي، إلى جانب أداء دورها الحقوقي / الإنساني، إضافة إلى دورها الأسري / العائلي، وإلى دورها في فرض احترام الأخر، في المدرسة، وفي الشارع، وفي الحي، انطلاقا من ضرورة احترام الرأي المخالف.
غير أن المرأة، في حياتها العادية، تجد نفسها ملزمة ب:
أولا: العمل خارج البيت، الذي يكلفها الابتعاد عن بيتها، وعن أولادها، وعن جميع أفراد الأسرة، في أطار ممارستها لمهنة الطب، في القطاع الخاص، أو في القطاع العام، أو لمهنة الصيدلة، في القطاع الخاص، أو في القطاع العام، أو لمهنة التسيير، في القطاع الخاص، أو في القطاع العام، أو لمهنة التدريس، في القطاع الخاص، أو في القطاع العام، أو لمهنة القضاء، أو المحاماة، في القطاع العام، بالإضافة إلى ممارستها المختلفة، في مهن القطاع العام، والقطاع الخاص، مما يجعل دورها في إعداد أبنائها وبناتها في البيت، قاصرا، مما قد يجعلهن، ويجعلهم معرضين لكافة أشكال الانحراف: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي قد يكون على حساب سلامتهن وسلمتهم، النفسية، والفكرية، بسبب الأخطار التي تعترض بناتها، أبناءها، في جميع مجالات الحياة، وفي كل قطاعات المجتمع، خاصة، وأن اللواتي يتكلفن بتربية الأبناء، والبنات، قد يكن منحرفات. والمنحرفات، لا ينتجن إلا الانحراف، في صفوف الأبناء، والبنات. فكأن المرأة التي تشتغل خارج البيت، من أجل أن يصير أبناؤها، وبناتها، منحرفين، ومنحرفات، لأن العمل في البيت، في مجتمعات الأنظمة التابعة للنظام الرأسمالي العالمي، أو لمؤسسة من مؤسساته المالية / الرأسمالية، التي تهتم بإقراض الأنظمة التابعة، التي تصير في خدمتها، ليس مؤطرا، ولا زال ولا زال يفتقر إلى المربيات، العاملات في مختلف البيوت، في الوقت الذي يغيب الأب، وتغيب الأم، عن البيت، على أن تتكفل الدولة بأداء أجور المربيات، حتى لا تخصم أجورهن من دخل الأسر.
ولو فتحنا مجال إعداد المربيات، سوف نجد أن هذا الإعداد، سيمتص كل النساء العاطلات عن العمل، اللواتي يلتحقن بمدارس التكوين التربوي، ويتشبعن باحترام المجال التربوي للأسرة، وأن يعملن على حماية الأولاد من الانحراف، وأن يعملن، كذلك، على تحقيق التربية الجادة للبنات، والأبناء، اللواتي، والذين يرعينهن، ويرعونهم تربويا، من أجل السلامة النفسية، والجسدية، والعقلية، في الوقت الذي يغيب الأب، وتغيب الأم عن البيت، من أجل العمل خارج البيت.
وهذه السلامة، التي تنشدها الأم، تعمل المربية على تحقيقها في البيت، لا يمكن تسميتها إلا بالسلامة التربوية للأبناء، والبنات، حتى يصيرا مؤهلين للتعامل مع المدرسة، في التعليم الأولي، وفي التعليم الابتدائي، وفي التعليم الإعدادي، وفي التعليم الثانوي التأهيلي، وفي التعليم الجامعي، نظرا للسلامة النفسية، والعقلية، والجسدية، التي تم إعداد الطفل بها، على يد المرأة الأم، والمرأة المربية، التي تم إعدادها، للقيام بهذا الدور، لصالح المجتمع، الذي يتخلص، بذلك، من كل أشكال الانحراف، بأوجهه المختلفة.
ثانيا: العمل داخل البيت، الذي جرت العادات، والتقاليد، والأعراف، بأن يصير من واجب المرأة، يصير مكلفا لها. فهي تعد الفطور، وتعد الغذاء، وتعد العشاء، حتى ولو أدى بها الأمر إلى وصل عمل النهار خارج البيت، بعمل الليل داخل البيت، من أجل إعداد وجبات اليوم الموالي، كاملة، غير منقوصة، وأمام أنظار الرجل، الذي لا يعمل إلا خارج البيت، ولا يقوم بالعمل داخل البيت، بحكم العادات، والتقاليد، والأعراف؛ لأن الرجل، لم يسبق له أن عمل داخل البيت، ولا يجب أن يطلب منه ذلك، وإذا طلب منه، فإنه يعتبر إهانة له، من أجل أن يقوم بدوره خارج البيت، الذي لا يأتي إليه، إلا من أجل الاستراحة من العمل، بأبعاده الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
وإذا تم إلحاح المرأة، على ضرورة إشراك الرجل، في عمل البيت، الذي ليس مؤهلا له، فإن ذلك الإلحاح، قد يؤدي إلى الطلاق، الذي يتضرر منه البنات، والأبناء، بصفة عامة، خاصة وأن الرجل الذي يكون مريضا، بعظمة التمسك بالعادات، والتقاليد، والأعراف، التي لا يتأذى منها إلا الأولاد، بصفة خاصة، بالإضافة إلى الأضرار، التي تلحقه، كما تلحق المرأة، على حد سواء.
فالمرأة، مقهورة بالعمل خارج البيت، ويستمر قهرها، بالعمل داخل البيت، دون أن يكون هناك توزيع للأدوار، داخل البيت، ودون أن تنتبه المرأة، أثناء كتابة العقد، إلى ضرورة اشتراط عمل الرجل داخل البيت، في إعداد الطعام، وفي العناية بالأولاد: ذكورا، وإناثا، سعيا إلى سلامتهم، وإلى سلامتهن، من الأمراض النفسية، والعقلية، والجسدية، حتى يتأتى لهم، ولهن، الاندماج في سوق الشغل، وفي المجتمع.
وما نسميه بازدواجية العمل، بالنسبة للمرأة، يعتبر منهكا لها نفسيا، وعقليا، وجسميا. وهذا الإنهاك، لا يمكن تجاوزه إلا بالتعاون بين المرأة، والرجل، على مستوى أشكال أشغال البيت ،وفي إطار من التفاهم، والتواصل بين المرأة، والرجل، على مستوى تحمل مسؤولية المصاريف، وعلى مستوى تربية الأولاد، والاهتمام بتتبع دراستهم، سعيا إلى جعلهم في مستوى الإعداد الجيد للمستقبل، حتى يتأتى تحقيقهم لمستقبلهم الزاهر، وبدون ذلك التعاون بين المرأة، والرجل، على مستوى الاهتمام بالبيت، وبالأولاد، داخل البيت، وخارجه، عندما يتعلق الأمر بالدراسة، بالإضافة إلى الاهتام المنزلي المشترك، بشؤون الحياة الخاصة، والعامة.