عبد الرحمان صديقي.الجزائر.
المدينة،القحط والكلاب.
(8)شامخ ومنذر.
………. ………….. ……………
-تلك قصة أخرى!ذيل منذر كلامه،معلنـا نهاية قصة،ونيته إستهلال أخرى،تليها أخرى فأخرى،فأخريات…؛ذلك دأبه يسترسل في سردها،كانها سلسلة يجر بعضها بعض،فلا سبيل للتملص من سماعها،متواترة،يقذفها تباعا!
ذاك الزمان كان جل شوارع،وأحياء المدينة بلا إنارة،ومنها”لاسيتي”،وحتى بعض البيوت،وفقط بعض العائلات إمتلكت وقتها تلفزيون.عائلات عريقة كعائلة “قاضي”،”بن عطاء الله”أو بيت “الڨاسمي”،أو عائلات تجار الاقمشة كعائلة “امسعودان”،تجار مواد غذائية ومنها “واعراب” وبيت”المكاس”وبعض عائلات أخرى على قلتهم .
ما كان الظلام ليثني الشلةعن السهر،اذ كانت تمتد جلسات السمر،لوقت متأخر، كانت ليالي خرافية،كأنها بعثت من كتب الأساطير،و الخرافات ،وبعد ان ينفض أغلب “وليدات” “لاسيتي”،يبقى “بيكيا”وشلته،وتبدأحكايات المغامرات،والمشاجرات،ولا يلبث ان يتقدم نجم القصص،والروايات منذر،ومن غيره،له الباع الطويل،و الخيال،الذي لا حدود تحده!
-ذات ليلة-والكلام له-رأيتها تتسلل بين الأزقة ،كمن يحاول الإفلات من عسس يطاردونه،أو متطفل يلاحقه،أو ربما كانت عند عشيقها ،تسابق الخطى و الدقائق كي تعود للبيت قبل أن يكشف أمرها…أو متلهفة لملاقاته!
وبعد سرد طويل محبك،وبعد كر وفر،وتباهٍ بفطنته العالية،واستباقه لخطط الآخر مهما كان دهاؤه،تجاوزها دون ان تشعر به،ولبد لها في زقاق ضيق،مظلم، حيث كانت ستتوقف لإلتقاط انفاسها!…ويا لهول المفاجأة،ووقع الصدمة ،وهي كطريدة في قبضة الاسد!
-من؟منذر!!!!
خرجت كلماتها ،مع أنفاسها الحارة،المتلهفة،المتقطعة،وارتمت في حضنه!تحاشى عناقها،وقبلاتها!
صدها صدا جميلا،واعتزم ان يقتادها الى بيتهم،لكنها تمنعت،وتوسلت،ان يبقيها بقربه،ان يجود ببضع دقائق في حضرته،لكنه رفض،فزادت لوعتها،واشتعلت نيران الوجد،غير أنه لم يكترث لها،اذ ان شهامته تملي عليه ان يصطحبها الى بيتها،يسلمها دون خدش،لأبيها ،الذي يعرفه جيدا،…والدها،الذي يكن إحتراما كبيرا لمنذر!
وكان كذلك،فقد أوصلها،وحين رأت أباها واقفا امام الباب،إرتعبت،لكنه هدأ من روعها وقال لها بثقة لا تهتز
-انت معي ،وهذا وحده كفيل بأن يبعد عنك أية شبهة!
-هذا هو الحب الحقيقي.قال الوالد وهو يتقدم معانقا منذر!
ساد صمت سرمدي،ورغم الظلام ،كان الوجوم يبدو جليا على الوجوه،إمتزج و شعور بغباء غريب!
… هكذا هي قصص منذر،نهاياتها،صادمة،عجيبة،لا يتوقعها أخطر الجواسيس،أو أشهر كتاب السيناريوهات،ولا أي من المخرجين،معاصرهم،ومخضرمهم،
مهما اتسع خياله، ليس له أن يتصنع نزرا يسيرا من خيال منذر!
منذر كان وسيما، انيقا ولو بملابسه القدائم، على قلتها ،وكان له سروالا أحبه من دون كل سراويله ،انه سروال “ثوب الحنش”،إنه سروال خاص ،أفرد له أياما خاصا يلبسه فيها،فأذا لبسه يوماما،كان بمثابة اعلان بانه على موعد مع واحدة من عشيقاته ،فلا يكلم يومها انسيا.
فقره المدقع،ووفاة والده لما كان صبيا،وعيشه مع امه وأخيه الاصغر في بيت بسيط جدا، بلا اثاث ،فراشهم واغطيتهم من أسمال بالية،دون دخل قار،وتنكر القريب وتجهم البعيد،تعاضد كل ذلك ضده ليجعله يعيش مأساة عميقة.
كان صاحب قلب كبير،ووجه بشوش،وأكثر من كل شئ آخر مهما علا أو رخس،كانت عزة نفسه لا تشوبها شائبة.
يعيش-متوهما- في اليوم الواحد عشرات قصص الحب والغرام،مع فاتنات،يعرفهن ،هو فقط،لا أحد غيره يعرف من أين أو متى يأتين،أو كيف يذهبن!
وهو الذي لم يكلم يوما أنثى اخرى غير والدته!
كل عشيقاته مجهولات،متخفيات،لا تدركها العيون،بعيدات جدا ،لا يدركها الخيال،أسكنهن خياله الرحب،خياله هو لا غير.
ولم يكن وفيا يوما لأي واحدة منهن،يغيرهن كما يحلو له، وإذا ما أعرض عن إحداهن ،مهما كان حظها من جمال،دلال،أو فتنة،لن يعيرها أدنى إلتفاتة،قسوته لا فتور لها،وكلما حاولت إستعطافه،أو إغوائه،الا وباءت بالفشل ،وكان النسيان الأبدي مصيرها!
-أما القصة الأخرى فأعجب!
وانطلق يسرد بكل الحماس والإحساس والخيال….
عبد الرحمان صديقي.الجزائر