المحكمة..فرصة المالكي!
محمد الحسن
تميّزت الدولة العراقية بالإعوجاج التأسيسي, سيما في الفترة التي تلت سقوط الحقبة الملكية وبداية الجمهوريات القائمة, في غالبها, على الدم والبارود. تنقّلت الدولة بين أحضان الآيدلوجيات المتناقضة, وهذا التنقّل جمّد ظاهرة البحث عن الحقيقة, وحرّك ظاهرة الإنتقام والثأر ضد الخصوم؛ فكانت المحاكم سمة مائزة رافقت عقود طويلة من عمر الدولة العراقية الحديثة!..
تارة تكون تلك المحاكم مستهدفة لحاكم منقلب عليه, وأخرى لتحجيم دور خصم سياسي أو ديني, وثالثة لكبح توجّه معيّن داخل الحزب الواحد, كما حصل في مهزلة قاعة الخلد..طابع الإنتقام ولون الدم, هو الشعار والسبب والنتيجة التي تأسست وفقها تلك المحاكم. ذلك عهدٌ مضى دون أن تنتهي علاماته!..
عناصر العقل العراق ما زالت تستحضر مراس تلك الحقبة, في تفكيرها السلبي والإيجابي, رغم خروج الدولة من عصر الأدلجة ودخولها الرسمي والدستوري في إطار الدولة المدنية. إنّ الدولة الدستورية المدنية لا بدّ أن تنتهج أبسط صفات وعلامات ذلك المفهوم, فالمسؤول ليس رمزاً والمسؤولية ليست شرفاً؛ إنما وضوح الكلمة بأبعادها اللغوية يجعل المتصدّي (يتحمّل المسؤولية).
سنوات فساد طويلة, وعهد كامل من فشل مخزي تحوّل إلى مأساة كوميدية..فماذا أمامنا لنطرح عليه تساؤلات كثيرة, هل القدر أم عواصم العالم الهادئ؟!..
بهدوء يجب تركيب المشهد, فالمسؤول حامل مسؤولية, وبمعنى أوضح “يتحمّل مسؤولية”. لقد فشلت الدولة في إنجاز مهامها لفترتين متعاقبتين في ظل سلطة رجل معروف بأسمه وعنوانه (نوري المالكي), وهذا الرجل لم يقدم مبرراً واحداً لإسباب الفشل والفساد أو على أقل التقادير, تفسيّراً لسقوط ثلث مساحة العراق!..
إنّ المبرر أو التفسير ينبغي أن يرتقي لمستوى الحدث, لا أن يبقى يدور في الأطر الدعائية موفراً مادة إعلامية لفضائيات متصارعة, وجمهور منقسم بين سماع هذا أو ذاك؛ إذ لا قيمة قانونية أو أخلاقية أو تاريخية لتلك التبريرات الساعية لشغاف قلوب البسطاء.
سقطت مدن كثيرة بيد الإرهاب, وسُرقت أمولٌ أكثر, ولم يتحقق شيء من سنوات تراكمت بها ميزانيات دون حساب؛ وما زال المالكي ساعياً للتسابق نحو (زعامة) لا يقوى على أداء دورها, وقد يبقى في موقع يوفّر له قصراً مرموقاً, غير أنّ لعنة التاريخ ستلاحقه منذ اللحظة الأولى لتوثيقها..سبيل واحد مختصر يمكّنه التخلّص من عبأ تلك اللحظة وتبعاتها؛ المثول أمام القضاء إن كان واثقاً من نجاحه وصادقاً فيما يذكره أمام الإعلام, بشرط أن تُطهّر المؤسسة القضائية من أدرانها..الدولة لم تعد إنقلابية, فلماذا يخشى المواجهة؟!