المحكمة الاتحادية وإنقاذ حصة المكون الأكبر
سمير عادل
المحكمة الاتحادية لم تقفز من المريخ، بل جاءت ضمن رزمة العملية السياسية التي بنيت على أساس المحاصصة الطائفية والقومية ومنذ تشكيل مجلس الحكم على يد الحاكم المدني للاحتلال بول بريمر.
قرار المحكمة الاتحادية بتفسير المادة ٧٠ من الدستور بانتخاب رئيس الجمهورية بثلثي أعضاء مجلس النواب وليس “الحضور” هو الرصاصة في تبديد الاوهام لنهاية نظام المحاصصة في العراق ولو بشكل نسبي. وإن الحديث عن تشكيل حكومة أغلبية وبغض النظر عن نسبة الشوائب في وطنيتها، و بالمعنى القانوني والسياسي فهو محض هراء على الأقل في هذه المرحلة السياسية، ولن يتعدى أي تشكيل حكومة اغلبية التي يطالب بها الصدر أكثر من شعار لتحجيم القوى الخاسرة في البيت الطائفي الشيعي في الانتخابات. وسواءً أكانت الحكومة المراد تشكيلها هي اغلبية ام لا فلن تكون مطعمة بغير نكهة توافقية- و محاصصاتية سواءً أجاءت تحت مظلة قناصي مليشيات الحرس الثوري الايراني او بحراب المارينز الأمريكي واهازيج الجامعة العربية والأمة العربية.
وبقدر ان المحكمة الاتحادية أنقذت نظام المحاصصة بشكله المطلق، فبنفس القدر أنقذت البيت الشيعي وحصة الخاسرين فيه من المدعومين من ملالي قم-طهران في المشهد السياسي، وانقذت العملية السياسية برمتها وحسمت حصة “المكون الأكبر” التي يطالب بها عمار الحكيم صاحب شعارات الوطنية الطنانة، وبمجرد خروجه من الانتخابات الاخيرة بخفي حنين عاد ليطالب بحصة المكون الاكبر او حصة البيت الشيعي والعودة إلى الطائفية السياسية للحفاظ على نفوذه وامتيازاته المالية.
ليست هي المرة الاولى تنقذ المحكمة الاتحادية نظام المحاصصة السياسية في العراق و حصة المكون الاكبر او البيت الشيعي. فقد أفتت من قبل في إنقاذ كتلة دولة القانون التي حازت على ٨٩ مقعدا في انتخابات عام ٢٠١٠ وألحقت هزيمة نكراء بكتلة اياد علاوي غير الطائفية التي حصدت ٩١ مقعدا في الانتخابات، ليوحد صفوف البيت الشيعي تحت عنوان الكتلة الاكبر وهو الاسم الحركي للمكون الطائفي الأكبر في البرلمان. وهذه المرة تدخلت ايضا وابتكرت فتوى سياسية جديدة بانتخاب ثلثي اعضاء مجلس النواب وليس الحضور لرئيس الجمهورية، وبهذا فلت تحالف الميليشيات الخاسر الأكبر في الانتخابات من عنق الزجاجة، والذي جاء تحت عنوان الإطار التنسيقي.
قرار المحكمة الاتحادية جاء سواء متزامنا أو متناغما قبل أيام قليلة من زيارة قائد فيلق القدس اسماعيل قاآني الى العراق للقاء مقتدى الصدر، هو محاولة لثني الصدر بالمضي قدما في تحجيم اخوته الأعداء في البيت الشيعي. وكانت تغريدة الصدر (لا شرقية..لا غربية) بمثابة اغلاق الباب خلف القاآني بصوت قوي عندما غادر مقر الصدر. ويستمد الصدر قوته في مقاومة ضغوط إيران لتنحية منافسيه وتحت عنوان تشكيل حكومة أغلبية وطنية الى؛ تنامي السخط الواسع ضد سياسات الجمهورية الاسلامية في العراق وأدواتها، والى تراجع نفوذها السياسي بعد هزيمة حلفائها في الانتخابات الاخيرة. وفي نفس الوقت يحاول الصدر بشكل حثيث بملء الفراغ الذي تركه التيار القومي العروبي والقومي المحلي الوطني منذ هزيمته على يد الاحتلال، والظهور بحامي سيادة العراق واستقلاله على غرار نصر الله بحماية لبنان وفلسطين بوجه “العدو الصهيوني”. إلا أن الأول في وجه إيران التي تدعم نصر الله في حين الثاني بوجه إسرائيل التي تظهر قوة اقليمية منافسة لإيران في المنطقة، والجامع بينهما هو العمامة السوداء وحراب مليشياتهم.
إلا أن التناقض الذي يخنق فيه شعار الصدر ( لا شرقية..لا غربية ) ويغرد به بين الحين والآخر، ويعني التلويح بعدم الرضوخ للنفوذ الإيراني لدغدغة مشاعر التيار القومي-الوطني ونزولا عند سخط الشارع ضد النفوذ الإيراني وميليشياته، هو ان الشعار المذكور هو شعار الخميني والجمهورية الاسلامية الايرانية ابان الالتفاف على الثورة الايرانية وإجهاضها بعد عام ١٩٧٩، وقد مزقت جماهير العراق صور رموزها وحرقت مقرات الأحزاب الإسلامية التي كانت تزين جدرانها بها في انتفاضة أكتوبر. ولا يقف التناقض عند ذلك بل إن الشق الثاني من الشعار وهو (لا غربية) لا ترد على سؤال او يحاول التعمية او التغاضي عن الجنسية التي تنتمي اليه المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والتي فرضت الورقة البيضاء عبر ممثلتها حكومة الكاظمي، وقد وافقت كتلة الصدر دون اي قيد او شرط عليها وكان أولها تخفيض العملة المحلية لتدفع الطبقة العاملة والجموع الغفيرة من المحرومين والكادحين ثمن تلك الورقة!
على العموم ما نريد ان نقوله ان جميع فذلكات القوى السياسية الجاثمة على صدر الجماهير، وسطحية تحليلات اقلامها المأجورة لا تعدو أكثر من أبواق دعاية رخيصة لمرؤوسيهم، وليس بمقدور أي واحد منهم من إقناع الإنسان البسيط بأنهم فقدوا صلاحيتهم وأصبحوا خارج الزمن. وكل الشعارات التي يطلقونها او يهددون بها اللجوء الى خيار المعارضة أو خيار مقاطعة العملية السياسية ليست أكثر من اوراق ضغط لا تضعف ولا تسمن أحد، فالكل يدرك أن أي الخيارين لن يعوضهم ابدا ما سيفقدونه من نفوذ امتيازات إذا أصبحوا خارج الحكومة الجديدة. وإن كل دقيقة خارج الحكومة تعني تقصير أعمارهم السياسية، وهذا هو سر التكالب على تشكيل الحكومة وحصة المكون الاكبر او الكتلة الاكبر.
وأكثر ما يدعي الاستهجان في المشهد السياسي الدرامي العراقي هو التطبيل والتزمير والتهويل من (الفراغ الدستوري) الذي يعيشه العراق، وكأن العراق الذي كان يعيش حياة مترفة بالدستور، انخفضت فيه معدلات الفقر والبطالة والعوز وتوفرت الخدمات وعم الأمن والأمان وانحسر الظلم الواقع على المرأة و ازدهر التعليم والصحة. أما في الفراغ الدستوري فستتحول حياة الجماهير إلى جحيم، انه حقا ضربا من الكوميديا المأساوية. فكل القوى المشاركة اليوم في العملية السياسية دون استثناء، حاولوا افراغ العراق من مواطنيه عبر عمليات القتل والتصفيات الجسدية والاغتيالات والاختطاف والتهجير والإفقار، ولم يهتز لهم جفن بخلق فراغ انساني وبشري في العراق، فما بالك عن مبالاتهم للفراغ الدستوري.
واخيرا لا خوف من الفراغات أيا كانت سواء دستورية او امنية او سياسية فهناك رب يحمي العملية السياسية واسمه المحكمة الاتحادية، وهي تتدخل في انقاذ اية فجوة تحدث هنا وهناك في العملية السياسية، وتحرسها عيون خفية وهي عيون المرجعية، فكل شيء من اجل انقاذ حصة المكون الاكبر.
وهنا نؤكد من جديد ما نحتاجه هو التغيير الجذري عبر إنهاء عمر العملية السياسية، اذا اردنا الحديث عن الأمن والأمان والرفاه.