المثقف وتداعيات الأنا!
· حبيب السامر
يبدو أن الحديث عن الأنا المثقفة، باعتبار الــ ( أنا ) جوهر الذات، يضعنا أمام الكثير من التعريفات للولوج الى عمق المفاهيم التي من شأنها الوصول الى تفسير لقول ديكارت (( النفس التي أنا بها ما أنا ))، وعند تسليط الضوء على هذه المقولة التي تقودنا لمعرفة المواءمة بين الشخصيتين المتغلغلتين في النفس الواحدة ( الأنا – الآخر )،ولفك هذا التداخل النفسي في سيكولوجية الإنسان بشكل عام ، والمثقف على وجه التحديد، نجد هيمنة النرجسية والعطش المستمر الى تضخيمها، وترحيل الإسقاطات السلبية الى الآخر، لغرض إشباع هوس التلاعب، والتمويه بتزويق الكلام لإقناع الآخرين باستعراض مباشر وغير مباشرـ لتبرير ازدواجية الرؤية والأفكار وقد ندعوه بــ ( الفصام الثقافي ) عند البعض، من هنا تظهر أمامنا جملة من الأسباب والأهداف التي أوضحت انشطار الذهنية من خلال تضليل المنهج الذي يتبعه ويعمل على تنفيذه.
لو تتبعنا بعين فاحصة ما يجري بنا وحولنا، لنجد تغلغل هذه الشخصية المرتبكة بنوازع التفخيم والتضخيم غير المبرر للذات على حساب المنجز، إذ نلاحظ إتباع أساليب ملتوية بغطاء الحذلقة الكلامية والإسهابات غير المبررة وإعطاء ذاته حق التسلط وعدم قبول نقد الآخر أو مزاحمته ،مستخدما المساحات الواسعة من المصطلحات الرنانة والاستعراضية والخوض في نقاشات محتدمة يكون سيدها ومدير دفتها هو ذاته ، وهذا ما أشار إليه الدكتور الغذامي في كتابه عن تضخيم الأنا الشعرية متناولاً العديد من الأسماء الشعرية المهمة في مراحل عدة.
جرت العادة في المحافل الثقافية بقاعاتها المغلقة وحدائقها المفتوحة أن تجرى العديد من الحوارات والنقاشات والمداخلات، تجد من تنتفخ ذاته يكون متصديا ومحاورا وناقدا للعديد من الأفكار حتى لو تحدثت عن أسعار الخضر والفواكه، وتحدثت في زاوية أخرى عن بطولة كأس العالم ، وفي موقع آخر تتحدث فيه عن غرامشي ، لابد أن تكون لهذا الشخص نفسه، فسحة عريضة للحديث وتجده ينظّر ويأتيك بالأقوال الراسخة والحكم الرنانة، كي يلفت الجميع بالحذلقة والاستعراضية المفرطة انه يعرف ما لا يعرف الآخرون ، بحجة الكلام المجاني، حيث يتهامس اغلب الجالسين بتحسر وألم، في حين يظل اعتقاده قد قدّم الصورة المشرقة لحديث ينتظره الجميع..
وفي جانب آخر من – الأنا – حيث تسبق كلمة – الأنا- هنا المثقف الذي يتحدث بهدوء ويدع منجزه يتحدث عنه أكثر من الذات المتورمة، بحسب مقولة ايمانويل كانت ( إن الأنا المفكر يرافق بالضرورة كل تمثلاتي ) فنجده يبتعد عن أساليب التسقيط والتسلط في مجريات الحديث، متخذا من علمه وأفكاره وسيلة صريحة للوصول الى طريقة خالية من تشعب التصنع بالكلام، وبعيدا عن العدوانية التي وجدناها في – الأنا المثقفة – وتلاعبها وتمويهاتها. كم نحن بحاجة الى المثقف الذي يتعامل بوعيه كي يؤسس دالة مهمة ونموذجية لهوية المنتج الإبداعي والفكري ويتعامل مع ( قوة الأنا ) التي أطلق عليها محمد أركون ( المثقف النقدي ).
من هنا لابد من الانتباه الى الروح الثقافية الحقة ، والمتمثلة بحصيلة الخطوات المبدعة لدي المثقف المنتج دون بهرجة تنحاز الى العقلانية في الطرح ، لينتج مثقفا بهوية أصيلة.