د.علي ثويني
التراث والإصطلاح القديم
جدير هنا سرد بعض الكلمات العربية ذات الأصول الأقدم كان تكون سومرية او أكدية او آرامية، وذلك من خلال التحليل والمقارنة والإستنتاج . وهذا الأمر يحتاج الى معجم ولايشمله مقال أو بحث مقتضب . ولنأخذ مصطلح المدينة كدالة حضارية وبوتقة معمارية. حيث يلفت نظرنا في هذا السياق ان نشوء المدينة جاء مرادفاً زمنياً ومكانياً لنشوء حالتين ثقافيتين هما الدين بصيغته الراهنة من خلال تهاجن الروح والأخلاق ، وكذلك ظهور الكتابة كرديف حصيف للظاهرة اللغوية. لقد نشأت المدن في العراق حوالي عام 3500 ق.م ومصر 3000 ق.م والهند 2800 ق.م قبل أن تعم تباعا في المعمورة، لما تحمله بيئات تلك الأصقاع النهرية من غواية التحدي بسلطان العقل.وليس الشرق القديم كله أنشأ المدن فالشام كانت إمتدَاد بين العراق ومصر وأقدمها إيبلا الأكدية حوالي العام 2500 ق.م في موقع تل مرديخ قرب بلدة سراقب في إدلب على مسافة 55 كيلومتراً جنوب غرب حلب.أما في فارس فأقدم مدينة هي أكباتان قرب همدان جنوب طهران ،والتي تعود لحوالي العام 800 ق.م، أما اليمن فأقدم حضارة بها هي السبئية ولا تتعدى 600 ق.م. وتوالت المدن في المعمورة، ونعلم اليوم أن أوربا هي آخر من بنى المدن، حوالي العام 1000 ق.م،وأقدمها مدينة كورفو (Corfu) التي تقع شمال غرب اليونان اليوم ،والتي بنيت على يد الفينيفيين، أو المدن الإتروسكية في القرن العاشر قبل الميلاد في إيطاليا. ومازال إصطلاح(urban) الغربي يشير إلى وجود(أور) في لفظه التي تعنى الحاضرة. وكلمة ( Kar باللّغة السومرية ،و Karu باللّغة الأكدية)، توحي بقربها من كلمة (قرية) العربية([1])، ونجدها في كورة العربية منحدرة من كلمةcoro الآرامية التي مازلنا نتداولها شعبيا في (كورة النحل(الزنابير))، ونجدها في كلمة (كربلاء) الإسلامية، التي هي كورو-بابل، أي قرى بابل أو ريفها كونها تبعد 35 من بابل الأولى([2]).وكلمة (كورة) Kura مصطلح ورد في التنظيم الإداري الإسلامي، وعني كل صقع أو منطقة تشتمل على عدة قرى،ولابد لتلك القرى من قصبة أو مدينة أو نهر يجمع أسمها. أو ترد بما يعني المدينة والصقع وهي المصر الذي يجمع قرى ومحال.
وكلمة “مدينة” ترد بالآرامية بصيغة(مدينتا) ، وتشترك بها مع شقيقتها العربية وكانت تطلق على المكان الذي يكون فيه القضاء، ومقطع “دين” يعني العدالة كما في (مدين) الواردة في الذكر الحكيم والمتكونة كذلك من حرف (م) الدال على الفاعل وبذلك فهي تعني المكان الذي يمارس به العدل.وفي رأينا فأن مصدر الكلمة الأول ورد من كلمة (دي Di) السومرية التي عنت العدل والقانون والدعوى والنصوص ([3]).ثم حدثت أن عرفت بالتنوين (ن) عندما وطأت الأكدية ، فأمست (دين) التي عنت العدل والقسطاس والحساب،تماما كما في العربية. ووردت في الذكر الحكيم بصيغة (يوم الدين) أي يوم الحساب، ومنها ورد (الدين) اي السلف credit أو (الديان) ،وهي إحدى صفات الخالق سبحانه([4])،وكل المواضع التي أطلقَ عليها لفظ مدينة كان عليها حكام وملوك وفيها على وجه التحقيق الصيغة القضائية، والدينية، والإدارية، والسياسية. وبالمقارنة وعلى خلاف ذلك فأن كلمة دين في اللغات الغربية ترد(religion)،وتعني باللاتينية إعادة(re) الإرتباط أو الترابط أو العصبة (league)، ولاتحمل دلالة روحانية البته .
ونفسر تطور الكلمة والمفهوم عند إضافة حرف (م) للدلالة على الفاعل لـ(دين) كما الحال على كلمة (هندس) التي أمست(مهندس) أو (عِمار) وأمست(معمار) .وهذه صيغة لسانية في الإشتقاق تعود للغات تسبق السومرية تدعى (الفراتية الأولى) ،كما أشار إلى ذلك العالم طه باقر. وهكذا أصبح مكان ممارسة الدين (مدين) ثم أنّثت بالعربية وأمست (مدينة)، وربما أختير لها التانيث لكونها لدودة البداوة وموقع إزدرائها ، بعدما أثرت مفاهيمها الذكورية في صلب العربية الأولى، ويذكرالشاعر السوري (ادونيس) ، مستخرجا من معجم لسان العرب معنى كلمة مدينة والتي تعني الامة اي المرأة المملوكة أو العبدة. ويستطرد ادونيس: هكذا يقال للعبد مدين وللعبدة مدينة ولايقال: مدني الا نسبة إلى المدينة المنورة مدينة النبي (ص)([5]).وورد إصطلاح(الديان) في الحديث النبوي ألشَّريف،بمعنى الملك أو الحاكم. و إصطلاح “مدن بالمكان” أي أقام به .حتى لنجد أن المعنى وطأ حتى اللّغة الفهلوية،وهي الفارسية القديمة بصيغة”دائينا” ويعني دين.وقد ورد المعنى المذكور في كتاب الأفيستا، بمعنى”الضمير” و”الصوت الداخلي” الذي يحث الإنسان على إتبّاع السراط المستقيم ([6]).وربما كان الهدف من إيراد مفهومي (قرية) و(مدينة) في ألقرآن الكريم، للتفريق في صفة التقاضي ([7]).ويذكر إبن منظور أن المدينة هى “الحصن يبنى فى أصطمه من الأرض وكل أرض يبنى عليها حصن فى أصطمتها فهى مدينة”([8]). ومن الجدير بالذكر أن إصطلاح (قرية) قد وردت 33 مرة في الذكر الحكيم بينما كلمة (مدينة) وردت 14 مرة.ونجد غير ذلك من الكلمات الدالة على المستعمرات البشرية ، مثل كلمة ( كفر) واسعة الإنتشار في مصر اليوم ، وهي تعني القرية وهي منحدرة من أصول آرامية وربما أكديه.وحتى كلمة (مصر) ومجموعها (أمصار) و تعني البلاد أو المدينة اصلها اكدي عراقي . وعلى العموم يرد معنى المدينة في الأكدية بصيغة سبتو (Subtu) ،بما يقابل (السبات) العربي ،والذي يعني (الإستقرار).
ومن المصطلحات القديمة كلمة الأرض التي ترد بصيغة (أكار) في العربية معربة من الكلمة الآرامية إكارة: وهي كما قال الإمام أبو حنيفة النعمان هي الفلاحة والاكار كالفلاح مأخوذ من الأكرة وهي الحفرة (عكرة العراقية). وفيما يخص العمارة، ذكر العالم الآثاري واللساني العراقي (طه باقر) بأن البنّاء أو المعمار في الأكدية يدعى (أردخل) أو(أردكلا) وهي مشتقة من كلمة (ألادخلوتا) وتعني حرفة البناء أو العمارة ،وفي البابلية تراكبت من (أردَ-ايكلّي Arad-Ekalli) أو (وَرَد- أيكلّي)،ومعناها خادم القصر أو أحد حاشيته وموظفيه. وهذه الكلمة مازالت متداولة في السريانية حتى اليوم. وقد اقتبستها اليونانية في رحلة التلاقح الحضاري من الشرق نحو الغرب، فحرفت قليلا ليسهل لفضها ،مثلما هو ديدن اليونانية، واستعملت بصيغة (أرخيتكتون Architekton )،وربما كان قد وصلتها عن طريق وسطي مثل الحيثي في آسيا الصغرى الذي أقتبس صيغ كثيرة ومنها (أوم Um) الأكدية(لسانوم أكديوم) كما في كلمات(ماكسيموم ،سنتروم، منيموم) في نهاية الكلمات التعريفية، وبثها في اللاتينية التي تعد وريثتها ،وهو ما نعزيه بالتداخل بينها وبين اليونانية كونهما نشئتا متجاورتين ومتداخلتين. إن المعمار يرد أحيانا في السومرية بصيغة (شيديم Shidim) وهي قريبة من كلمة (شاد) العربية. و نجد رفعت الجادرجي، ضمن الرعيل المستغرب، يرجع الكلمة الى أصول غربية مهلهلة بإيحاءات دينية أكثر منها لغوية ، حيث وردت بصيغة (Architect) او(Archebeshop) والاولى تعني (رئيس أساقفة التكنولوجيا) والثانية (رئيس أساقفة العلوم الروحانية) ([9])،ويعتقد أن تكون قد تداخلت في القرون التي تلتها مع منظمات البنائين السرية أو الماسونية ،وعلاقتها بالكنيسة..الخ.
وثمة الكثير من الكلمات الآرامية التي مكثت في العربية ،سواء كانت صادرة منها او مسترسلة من لغات اقدمن وألتبست بسبب المحاكاة بينها وبين العربية ، لما للغتين من تطابق في المصدر الثلاثي للكلمات. ولنأخذ كلمة هيكل التي تقترن باسم (هيكل سليمان) الأسطوري ، والمتكونه من كلمتي Eو kal السومريتين ومدلولها “البيت الكبير” وكانت تستعمل لديهم للدلالة على البلاط والمعبد ومنهم أخذها ألا كديون، ومنها إنتقلت تباعا الى اللغات السامية. ولنأخذ للمثال كلمتي (مسجد) و(كنيسة)، وهما من أصل آرامي فكنيسة مثلا أسم يرد من الآرامية بصيغة cnoushto والذي يعني جماعة أو محفل وقد كانت قد استعملت في الإسلام بصيغة “صوامع” ووردت من القرآن الكريم .ووردت في اللغات السامية الجنوبية كالحبشية بصيغة (مكوراب Mekurab ) وهي قريبة من لفظ ومعنى محراب العربية وفي ذلك شجون طويلة لصلة كلمة (مكة-بكة) بالآلهة البابلية(باك).وقد استعملت في اليونانية بصيغة اكليسيا بنفس المعنى والواردة من الآرامية، ومنها انتقلت الى اللغات اللاتينية ومنها الفرنسية(Eglise) والإسبانية(Eglesia)..واستعملت بالإيطالية(باسيليكا Bazilica) وفي الرومانية (Biserica)التي هي مقتبسة من كلمة (بازيليكا) التي ورثوها من الرومان وكانت تضطلع بدور المحكمة التي أنتقل هيكلها المميز الى العمائر المسيحية الأولى بعد العام 311م عندما اعتمدت دينا رسميا للدولة الرومانية. وفي اللغات الشمالية جاءت متقاربة مع الإنگليزية التي استعملت (جيرج Church) وجاءت بالسويدية (شيركا Kyrka) بمعنى الصليب.وقد وردت بالعربية (البيعة)، بيد أن معبد اليهود ورد بصيغة (كنيس) وفي الغرب سيناگوگ Synagog ،وتبدو أنها شرقية من خلال كلمة (سين) التي تعني القمر،ومنها وردت سيناء.
والمسجد (بكسر الجيم ) البيت الذي يسجد فيه،وهو وارد من فعل السجود في الصلاة، والذي يعني في اللّغة الخضوع كما قال الشاعر(ترى الأكم فيها سجدا للحوافر) ،وكذلك فعل وضع الجبهة على الأرض خضوعا ونعتقد بأنه نوع من كشف ظهر الرقبة وتعريضها للنحر،وهو دلالة على التسليم والخضوع كما ورد في الآرامية.ونجد السيوطي يقول بأن المعنى وارد في السريانية الآرامية كما ورد في قوله تعالى(و أدخلوا الباب سجدا) أي بمعنى مقنعي الرؤوس بالسريانية .
ومن الكلمات الآرامية كلمة (مدماك) في العربية ومجموعها مداميك ويقصد بها طبقات مادة البناء المكونة لحيطان البناء بأنواعها ولاسيما الحاملة وما يخص الواجهات .ودرج إستعمال كلمة (ساف) في العراق الواردة من الآرامية بمعنى (الصف) لنفس الدلالة ، وكلمة كوة وتعني (طاقة –نافذة صغيرة) .و مشيعة Slater – Trowel وهو مالج البناء للبناء الذي يملس بها طين الحائط . ومظلة وجدت في الآرامية بصيغة mtaltho و وردت في سفر التكوين وسفر أيوب من التوراة ومن أعياد اليهود (المظالا) وهي سبعة أيام يستظلون بها بالخلاف والقصب وغير ذلك ) .وكلمة لوح وتعني صفيحة مسطحة من حجر واحد أو من مجموعة أحجار أو رخام، أو خزف أو خشب وما شابه. والكلمة واردة من اللّغة الاكدية بصيغة (Liu) .والكرسي كلمة ذات أصول سومرية انتقلت للغات السامية عن طريق الاكدية حيث ترد بصيغة (Kissa’u) . وكلمة (مرزاب) وهو قسطل التصريف العمودي لمياه الأمطار والموازى للجدار.والكلمة واردة من زاب.. يزوب سال وجرى ومئزاب وزاب وردت في السريانية (مرزبيثا) بمعنى المئزاب والصنبور أي فم القناة ومثقب الحوض أو ثقبة يدخل منها الماء. وقال فيه مصب ماء المطر ، وفي (الجواليقي) ورد ( قال ابو حاتم وسالت الاصمعي عن المئزاب والجمع المآزيب فقال هذا فارسي معرب وتفسيره (مازآب) أي كانه الذي (يبول الماء) وقد استعمله أهل الحجاز قال ولايقال (مرزاب) . وفي العمارة يعني مجرى للماء يلزمه العناية بالميول اللازمة لأجل سيلانه وهو عادة ما يستعمل لتصريف مياه المطر وقد إستعملت ألواح المعدن أو الفخار. ونذهب إلى أن الكلمة أصل تسمية (وادي مزاب) المشهور في الصحراء الجزائرية ، وهس أرخبيل مدائني له خصوصية معمارية فذة لايعرف عنها الكثيرون حتى من المعماريين العرب.وثمة الكثير من الكلمات الواردة في التراث،و التي تحتاج لمن يبحث في أصولها حتى لو خالفت ماورد في معاجم تلك الحقب، والمقارنة والمقاربة بينها وبين معطيات المعاجم اللغوية الحديثة. ونعد ذلك رياضة للذهن بما يحاكي الإحتمالية في الرياضيات والإفتراض في الهندسة.
لابد من رصد تسميات المواقع والأوابد والمعالم، فثمة عملية تحريف قائمة على قدم وساق خلال كل حقب التأريخ، لمسح البائد وتكريس السائد.وشهدت الثقافة العراقية عملية إدغام ومحو وسحق متعمد لأسماء مواقعها التأريخية، وقد شهد على ذلك المرحوم هادي العلوي، مقارنا إياها مع أسماء مدن وقرى بلاد الشام التي مكثت امينة على أصلها حتى اليوم، بما يعين على قراءة تأريخها. وبالأمس شهدنا الامر على يد السلطة القومية العروبية في العراق واليوم نشهد عليها في شمال العراق من طرف القوميين الاكراد الذين يكادوا يمحون كل أسماء القرى السريانية والآرامية والآشورية وحتى العربية التي تقع تحت سلطة محميتهم التي حددتها السياسة اكثر من واقع الحال التأريخي والإجتماعي والحضاري، فتحولت مثلا (أربع-أيلو) أو (أربيل) أو الآلهة الأربع الآشوري إلى (هولير) التي لاتعني شيئا ،إلا من اجل محو الأثر القديم لتلك الأصقاع التي شهدت كل الحضارات إلا للثقافة الكردية الطارئة على شمال العراق، وذلك مايصب في عملية تحريف التأريخ ومسخ الوقائع ودرس الأثر.
وتبقى الثقافة اللغوية العامة جزء أساس من مكونات شخصية المثقف، حيث ينبغي عليه أن يكتسب بعض المهارات اللغوية التي تتصل بأصول اللّغة وأسسها السليمة، أو التي تتصل باللّغة من حيث الاساليب وطرائق التعبير المختلفة ولاسيما التعبير الواضح المؤثر بالمتلقي، والموصل بالفكرة سليمة سديدة. وأقصد بالمثقف هنا المتخصص بالعلوم المختلفة (غير اللغوية) والعاملين في الوظائف الكتابية، وفي مجالات التخاطب المختلفة والتواصل اللغوي ونقل المعلومات، كالإعلامي والأستاذ الجامعي، ولا سيما المتخصصين بالعلوم التطبيقية الصرفة، والمدرس والاداري والسياسي الذي هو قدوة المجتمع وقائده.
و جدير أن الفت النظر الى ان سبر معطيات التراث ليس هوى ونزوة وصرعه عابرة، بل تكريس لهوية و تأكيد على عمق الجذور التي يحتاجها أي مشروع للإرتقاء، وحتى أوربا عندما نهضت في القرن السادس عشر كانت قد أحتاجت أن تجد لها مرجعية رومانية-يونانية كمعين معنوي لأرتقاءها،سواء كان لساني أم معماري أو الشوط بينهما.وفي هذا السياق وفي خضم سجالنا بين التراث والحداثة ، يتطابق موقفنا مع اللّغة، مثلما نقص حكاية أو ملحمة تأريخية و نسردها بأسلوب حداثي أو نتداول قصة حداثية ونحكيها بأسلوب تأريخي ،والامر يطابق قراءتنا للتراث أو الحداثة المعمارية ، بقراءات ثلاث أولاها القراءة العصرية له، والثانية قراءة تراثية أو إستشراقية له ، والثالثة القراءة التراثية للعصر. والمتمعن المتفحص لتلك القراءات لا يخطئ ما يكمن من خطر في نوعي القراءة الثانية والثالثة، إذ كما يضعها المغربي محمد عابد الجابري: إن الهدف الكامن وراء أية قراءة تقدم نفسها على إنها -قراءة عصرية للتراث- هو تجنب الوقوع تحت سلطة التراث، سلطته التي تجرنا ليس فقط إلى قراءة تراثية للتراث، أي إلى فهم تراثي للتراث، بل أيضا – وهو الأخطر- إلى (قراءة تراثية للعصر)، أي تمديد الماضي لجعله ينوب عن الحاضر والمستقبل،وهذا مانحن واقعون تحت براثنه اليوم، فالقراءة الملتبسة بالدين للحياة في الثقافة العربية والعراقية خصوصا، هي نموذج للقراءة التأريخية للحاضر،و لاعلاقة لها بما نحن عليه اليوم . ويقول عالم الفيزياء ألبرت أنشتاين: لايمكن ان نحل مشاكل اليوم بنفس آلية العقلية التي صنعتها.وهذا يقودنا الى فهم شامل لعملية الإحياء لغايات الإرتقاء،وإلا مكثنا سجناء قمقم التأريخ.
إن اللّغة هي البنية الأساس في نقل المعلومات وفي عملية التواصل بين المثقف ومحيطه وفي البناء العلمي والحضاري والإنفتاح في ميادين الحياة المختلفة، لذا ينبغي العناية بها. لأن نقل العلوم والمعلومات وتدريسها بلغة سليمة واضحة لغة تنأى عن الركاكة واللحن، شرط أساس في فهم المادة واستيعابها لدى المتلقي , ناهيك عن التأثير والقوة والجمال والعلو و الهيبة والوضوح في إستعمال اللّغة السليمة من غير لحن او ركاكة الأسلوب، وإلا سيضر الملقي بالمعلومات وينعكس على المتلقين.والثقافة العراقية تحتاج الكثير من الجهد اللساني المعاضد لحمية على تراثها المعماري، الذي يرسم ملامح مستقبلها الواعد.
[1] طه باقر-معجم الدخيل في اللغة العربية- ص 44 –بغداد-1974.
[2] تذهب الأخبار في التأريخ الإسلامي إلى الإمام الحسين(ع) سأل مع معه عن أسم المنطقة فقيل له (كربلا) فقال ستكون علينا (كر) و(بلاء)، وهكذا حرف اسم المكان بما يتناسب مع القصة وعدت بعد ضياع الأصل اللساني إلى مصدر كلمة (كربلاء)،وهو في الحقيقة لاحق لسابق.
[3] ترد Di ما يقابل بالإنگليزية: decide, judge, lawsuit, sentenceالمصدر:القاموس السومري.
[4] تشير الدراسات اللغوية إلى أن اللغة الأكدية تسمى(لسانوم أكديوم)،ويمكن رصد التأثير على صيغ التعريف باللغة اللاتينية / التي يرجح أنه من أصل اللغة الحيثية التي كانت في آسيا الصغرى، كما سنتروم ،ماكسيموم،منيموم..الخ. وأن التنوين بالعربية هو من بقايا الإرث الأكدي،أما التسميات (زيدون وخلدون وعبدون..الخ)، هي صيغ أكدية للتعريف،ومازال بعض أهل العراق حتى اليوم يزيدون النون على نهاية بعض الكلمات.
[5] جمعة عبدالله مطلك –مقال مدائن القحط وكهنتها -جريدة الإتحاد الإماراتية-دبي -19 آيار2009
[6] محمد المُقري-مقال التصوف في إيران القديمة ـــ ـ ترجمة نهاد خياطة- مجلة التراث العربي- تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 73 – السنة 19 – تشرين الأول “اكتوبر” 1998 – جمادى الأخرة 1419.
[7] مصطفى الموسوي: العوامل التأريخية لنشأة وتطور المدن العربية الإسلامية.دار الرشيد-بغداد 1982.ص355.
[8] إبن منظور-لسان العرب
[9] رفعت الجادرجي. محاضرة عن الثابت والمتغير في العمارة –ديوان الكوفة- لندن.