د . علي عبدالحمزه
هذا العنوان هو مثل يُضرب في الحالة التي تُرى أنها متطابقة معه ، والأمثال تُضرب ولاتُقاس كما نعرف ، أي أنها تُذكر فقط للتشبيه دون أن تأخذ أبعادها مساقطا ً لها على من يُراد به المثل ، إلا أننا هنا في العراق نجد إن الأمثال تُضرب وتقاس ذلك إن العراق يعيش وضعا ً منفرداً وإستثنائيا ًفي كل شئ ، فلا غرابة أن تُضرب وتُقاس الأمثال عليه بنفس الوقت . ولأجل توضيح سبب إختيار هذا العنوان علينا أن نُفسر معنى هذا المثل ومصدره وكيف تناقل لنا .. فالمثل باللهجة المصرية وهو واضح لا يحتاج لجهد متبحر ، فكلمة (اللي) تعني وتشير إلى المجموع من الناس ، أي الذين ، أما كلمة ( إختشوا) فأنها تعني إسْتَحوا أو الذين لديهم إستحياء ، وكلمة ماتوا واضحة وتعني أنهم قضوْ نحبهم ، فيكون المثل بالتفسير الكامل .. إن الذين لديهم حياء ويسحون ماتوا وإنتهوا ولذلك فأن عددهم قليل. أما كيف ضُرب هذا المثل ومن أين أتى فأليكم أصل الحكاية .. إذ يقال إن حماما ً للنسوان في إحدى حارات مصر دخلن إليه النسوان لغرض الأستحمام ، وما أن هيأن أنفسهن للأستحمام وخلعن ملابسهن حتى شب حريق في الحمام ، فهرعن بعض النسوة عاريات الأجسام ، كما خلقهن ربهن لينفذن بجلودهن من الموت المحقق جراء الحريق دون أن يأخذهن رأي إنه سيراهن من هو خارج الحمام ، أما اللواتي (يستحن) وعندهن حياء وغيرة وشعور بالعيب لو رآهن أحد في الخارج فبقين داخل الحمام أملا ً أنْ ينتهي الحريق الذي أتى عليهن بالنهاية . فجاء المثل الدارج (( صحيح اللي إختشوا ماتوا )) ، أي إن الذين يفكرون في العيب والحياء والمستحه عددهم قليل لأن أكثرهم مات من شدة حياءه . ولتوضيح رباط الحكاية ولزومها أقول إن الخميس الفائت 23/2 كان خميسا داميا ً في بغداد والمحافظات نتيجة الأنفجارات التي أحدثتها العمليات الأرهابية التي أودت بحياة 423 بين شهيد وجريح من الذين جابهوا وواجهوا الموت دون حماية ودون تحصين لبناياتهم وارواحهم ، في هذا الخميس تصادف أن عُقِدت ْ جلسة لمجلس النواب العراقي الذي إكتمل نصابه في هذه الجلسة لأهمية جدول أعماله في هذا اليوم ، إذ كان فيه مشروع قرار شراء سيارات مصفحة لأعضاء مجلس النواب ، وبالفعل تمت مناقشة مشروع القرار وتم التصويت عليه ضمن الموازنة المالية دون أن يأخذهم حياء أو مستحه وشعور بالعيب أو مراعاة لشعور عوائل الضحايا ، فبدلا ً أن ينبري أحدهم لأصدار بيان إدانة أو أن يصرح بأنه تبرع براتبه مثلا ً لدعم تلك العوائل أو أن مجموع من النواب قاموا بحملة تبرع بالدم لأسعاف الجرحى الذين نزفوا دمهم حبا ً بالعراق وثمنا ً لهذا الحب . لقد إنبرى (الأخوة ) النواب بمناقشة هذا المشروع وكأنهم لم يستمعوا لأخبار ولم يشاهدوا فضائية ولم يخبرهم فرد من أفراد حماياتهم عندما يسألونه صباح يوم عملهم السؤال العراقي التقليدي .. شكو ماكو .. إذ يبدو أنهم أخبروهم أو ظنوا إن الأمور على مايرام ولاشئ ينقص هذا الشعب إلا شراء السيارات المصفحة حماية ً للنواب وعوائلهم ، والتي تم تبويب مبالغ شراءها لضروراتها ، ولكن لم يتبرع هؤلاء النواب أن يكلفوا أنفسهم بمناقشة وتخصيص مبالغ لبناء مدارس إبتدائية وهم يرون أبناء العراق يجلسون على الأرض على مشمعات جلبوها من بيوتهم بدلاً عن الرحلات المدرسية التي باتت محرمة على جيل العراق وأمل مستقبله ، في صفوف أو مايسمى صفوف دون شبابيك ودون سقوف ودون وسائل تربوية وتعليمية فيها لمسات الحضارة وكأنهم يعيشون زمن بدايات القرن العشرين ، أو كأن هؤلاء النواب لم يسمعوا شكاوى وهموم المواطنين الذين يبيت بعضهم ليلته بوجبة طعام واحدة فقيرة من كل شئ ، وليت أحد من النواب أقدم على صياغة وتلاوة بيان يستهجن مثل هذا المشروع ليبادر بتبويب مبلغه ليذهب إلى مساعدة وإعانة عوائل الضحايا. إن النواب بسلوكهم وتصرفهم هذا أثبتوا لأنهم ليسوا بنواب وممثلي للشعب ، إنما نواباً عن عوائلهم ومثلين لأنفسهم ، فلا يهمهم مايهم المواطن ومايلقاه ، فهم أصحاب الكأس المُعلى ، أما الشعب الذي إنتخبهم ف ( طُـُزْ فيه ) وليذهب إلى الجحيم ، جحيم الموت والأرهاب والقتل المبرمج، وعليه أن يحضر نفسه للضحك على ذقون أبناءه وليصدق وعود مرشحي القوائم ويعيش أحلام التسويف التي تكثر وقت التمهيد للأنتخابات التي تحفل بياناتها بكلمات سوف أقوم وسوف أعمل وسوف أطلب وسوف أقترح , و .. و.. إلى آخر ماتعني كلمة سوف ، وبالفعل نرى أن النائب ملتزم بهذا البيان حرفياً ، فهو بالتأكيد سوف يقوم ويعمل ويطلب ويقرر لنفسه فقط ، فينظر أين تكمن مصلحته ورغباته ليقترح مشاريع تتطابق وأمنياته الجائعه وماضيه البائس الفقير .
هل من المعقول تُرى بغداد تحترق وأبناؤها يُقتلون بسيف الأرهاب ، والنواب لاهم لهم في هذا اليوم الدامي إلا مناقشة تخصيص المال اللازم لشراء السيارات المصفحة لحمايتهم وحماية أمنهم. فهل في هذا التصرف شئ من الأستحياء أو الحياء أو العيب أو المجاملة على أقل تقدير. يحق لنا أن نقول وبنسبة مئة بالمئة إن الذين إختشوا ماتوا .. ومَنْ بقي فهم لايستحون وليس لديهم ذرة حياء .
حكايه مرفقة حدثني أحد الأخوان إن فتاة تقدمت بطلب لأحدى الدوائر لعلها تجد فرصة عمل لها وهي الحاصلة على شهادة الأعدادية ، رُفض طلبها وأ ُبلغت بأن لافرصة لهذا المؤهل إلا عاملة نظافة تمسح كاشي الأرض، تلاقفت الفتاة هذه الفرصة لشعورها بالحياء والأستحياء في أن تمد يدها للغير أو أنْ تُذَل بالسؤال .
بيت شعري : قال المعري : يالَيْت َ جورَ بني مروانَ عادَ لنا …. يالَيْتَ عَدْل َ بني العباس ِ في النار ِ