سردار محمد سعيد
علي ّ اختصار الطريق لكي أصل في الوقت المناسب فقد تأخرت إذ أسرتني الحجارة وأنا أنحت منها تمثالاً لرأس طلبته مني من كنت أظنها محطة العمر الأخيرة .
ظننت أنه سيكون ثالثنا طوال العمر .
جمعت كل قابلياتي وحرفتي ووضعتها فيه حتى بدا وكأنه يريد أن ينطق . لا أعلم لمن يكون ولكن شيئا ً في داخلي يدفعني فكأنه يقول : هكذا الأنف ، لا …ليس هكذا الفم .
حتما ًستعجب به .
سرت بسيارتي على الطريق الموحش بسرعة كبيرة .
كانت السيارة ترتج بسبب الحفر والنتوءات المنشرة فيه .
لا أعير ذلك اهتماما ً، رؤيتها أهم .
بدأ الظلام ينشر عباءته طاردا ً النهار بهدوء.
عندما تهب نسمة خريفية تهتز الشجيرات والعشب على ضفتي الطريق فتبدو كجنيات تتراقص .
أخافني صفير الحيوانات وأزيز الحشرات فغلقت نوافذ السيارة .
أصطدمت بشيء ما .
إنفجر إطار السيارة الخلفي على الرغم من جودته وعمره القصيير
أصبت بخيبة أمل .
سمعت قهقهة رقيقة بين الأعشاب .
أزاحت الغصون يد بضة وبرزت من بين الغصون والعشب غانية تتوج رأسها بتاج غريب .
– أتحتاج من يساعدك ؟
– أشك بقدرتك ، ولكن من أين أتيت ؟
– من ذلك القبر.
– وهل ثمة قبور هنا ؟
– ياسيدي القبور بكل مكان منها مامضى عليه آلاف السنين ومنه ماهوجديد .
– ألذي أعرفه أن القبور تكون في موضع يسمى مقبرة .
– نحن الذين متنا في غابر الأزمان كنا ندفن في أي موضع ،أنا أحرقوني وذرّوا رمادي في النهر ، تغلغت في شجرة بعد أن سقوها ، تسربت حتى كنت وردة حمراء ، فاقتطفتني عاشقة وأهدتني لحبيبها ، فوضعني بين دفتي كتاب فتيبست وكان يشمني كل يوم ،ولا يأتيه الرقاد إلآ بعد شمّي .
غادرته حبيبته ، فرماني وجاءت الريح فحملت بذوري ووزعتهاعلى البقاع فنبتُ من جديد .
إمراة عاقر وصفوا لها نقيع بذوري لتحبل ، فأذابوني وشربته المرأة فحبلت
، وكان الوليد أنت .
تمشت روحي في روحك وسريت في شرايينك .
رحت أحرك مفاصلك وأصابعك .
هل تتصور أنك الذي صنعت التمثال ؟..لا هي دمائي التي حركت أصابعك برقـّة ولين .
فنّك منّي وبسببي ، وأنت تريد اهداءه لغيري .
لا تؤلمني وتركض وراء سراب ووهم ، لا يغريك شكلها ومظهرها ، لا تدع عواطفك تغلب فراستك .
لا تجعلني كالإطار الإحتياط تلوذ له وقت الحاجة .
إركب سيارتك فتطير بك إلى من ستخذلك .
************************************************
– لا أريده خذه بعيدا ً ، أزحه عني ، لا شكله شكلي ولا رسومه رسومي ، لا أريده إن تركته سأرميه للأزبال .
– غيرك تمنته ولم أعرها انتباها ً .
***********************************************************
– لله يا نفسي كم هو صبرك ؟
إنطلق وبقيت أذرف دموعي مرتين مرة لخسرانه وأخرى لخسراني .
سيعود لي مؤكدا ً سيعود آسفا ً .
سأسامحه ، سيبكي في أحضاني .
ستطفىء دموعه جمري .
ولكن لن أستسلم له بسهولة .
سألقنه درساً لن ينساه
– لا ياقاسية .
– من أنت َ ؟
– أنا التمثال ، أعادني لك .
– لا أريدك .
– إن تخليت عني فلن تتخلين عنه ، سمعتك أمس تحدثين نفسك :
أخشى من رضابي يذيب شفتيه .
أخاف يمس النسيم وجنتيه .
ومن شوك الورد يخدش إصبعيه .
أن ينام على زند غيري .
– وهل يشفى جرح طعنة نجلاء أنشبها في ّ .
– يشفى .
– كيف ؟
– هبيه نبضك وليبحر سفينك في أنهار شرايينه . يكاد دمه يغور وينضب ،أيرضيك هذا ؟
– لا …لا يرضيني فأنا هو وهو أنا .
هو الحبيب الذي لا حبيب بعده .