بونوارة فريد شرف الدين
ربما نفتح هذه الصفحة على التاريخ القديم وبدء الديانات لنقول باختصار أنه لا مناص للفرار من أن اليهودية دين سماوي وحقٌ من الله، بل دُعِمت في يوم من أيام الزمان الماضي بكتاب مُنْزل ألا وهو التوراة، لكن لعدم اخلاط الموجودات بالمخفيات لا بد من معلقة مقارنة بين الكيان الصهيوني وهو اسم يُتداول حاليا في الدول العربية التي تغار على أصولها ويُنطق به على رأس مفكريها وبين اليهود أصحاب الأصل الحقيقي لتلك الديانة المنزلة
لنتوغل قليلا في الوجود الانساني ونغترف بعضا من القيم والمشاهد البشرية الغابرة التي كانت تتداول آنذاك، ففي القدم كانت جل الصراعات لا تطفو للأفق كما أمست حينها الانسانية في حالة تقاعد (عذرا في حالة اللاتواجد) ومنحى القوى في ذلك الحين غير ثابت فهو متذبذب، فقد روى لنا من عاشوا الحدث جيلا من بعد جيل أن الاقتتال يومها كان لمبدأ واحد هو الأرض، ليسود العالم في ذاك الوقت ما سمي حاليا بالهمجية البشرية، حينها كان لا شيء يوقف نزف الدماء الا بخروج الغالب منتصرا والخاسر منهزما، وللأسف لم يكن هناك ما يسمى بالسلام وحوار الثقافات، لأن الثقافة لم تخرج بعد للأفق ربما بات نطاق العقل البشري آنذاك كان لا يرسُم سوى خطط الحروب وكيفية النيل من الأعداء وطرق السلب والغدر، فهكذا سارت الحياة القديمة بأصحابها ورسموا لأنفسهم نهجا غبيا بسط لهم طرق القتل والنهب والاعتداء، لتكون نتائج هذا النهج مقيتة لأبعد الحدود وتَحمل روح الانسان عقبات ما كان يحدث ليقتل العشرات دون سبب وجيه ويعذب الآخرين وهم لا يعلمون سبب هذا التعذيب، وتظهر للسطح نظرية الامبراطوريات والممالك والقوى الحاكمة على الأرض ويتبعها بدأ الهذيان الانساني بادعاء الألوهية والرُبُوبية والنبوة لتبدأ صفحة جديدة من التاريخ البشري الغريب
ومما لا شك فيه أن التقسيم الجغرافي كان بني آنذاك على السلاح ليمتلك الأقوى القَطْع الأكبر والأضعف لا يسمح له سوى بالعبودية، ولنعرج هنا على اليهود وهو اسم نسبة ليهوذا، من أبناء يعقوب، هم أبناء شعب وقومية يتميزون بأنهم أتباع الدين اليهودي، وبالثقافة والتراث النابع من هذا الدين
يعتبر اليهود العصريين أنفسهم من نسل أهالي مملكة يهوذا الذين كانوا ينسبون إلى أربعة من بين أسباط بني إسرائيل الاثني عشر: يهوذا، شمعون، بنيامين ولاوي، افترقوا بعد سبي بابل إلى يهود وإلى سامريين
وبعدها مرت الديانة بتطورات كثيرة عبر التاريخ وخاصة بعد انهيار مملكة يهوذا ودمار الهيكل الثاني في القرن الأول للميلاد حسب المعتقدات
ومنذ القرن الثاني للميلاد أخذ اليهود ينتشرون في أنحاء العالم حتى أنه توجد جاليات يهودية في بلدان كثيرة عبر التاريخ، منذ منتصف القرن العشرين ليتمركز اليهود في إسرائيل وأمريكا الشمالية مع وجود جاليات أصغر في أوروبا، أمريكا الجنوبية وإيران، واليهود من الاعراق السامية التي سكنت شمال الجزيرة العربية ووفقاً للتوراة، إن أصل اليهود يعود إلى الجد الأكبر إبراهيم عليه السلام ومن بعده ابنه إسحاق ومن بعده ابنه يعقوب وأولاده الاثني عشر، ومنهم جاء بنو إسرائيل الذين عاشوا في مصر القديمة ومن ثم انتقلوا إلى صحراء سيناء حيث أعطيت لهم التوراة من الله تعالي على يد موسى كليم الله عليه السلام
أعتقد أن الدلائل عدة وكافية لهذا العرق البشري الذي تحدثنا عنه وهو ما يُؤْثر علينا الحكم بأن السلالة اليهودية قائمة الى يومنا هذا، ولن تندثر كونها كباقي الألوان البشرية التي تتعاقب جيلا من بعد جيل وهو ما يوصلنا لخط النهاية والقول أن اليهود شعب حق لهم الله العيش فهم غير قابلين للزوال
ولنذهب الآن لما سمي بالكيان الصهيوني وهو الاسم الذي تطلقه بعض الدول والجهات الرسمية وغير الرسمية على إسرائيل، تحمل هذه الكلمة في طياتها رفضا لوجود دولة يهودية في الشرق الأوسط وليس لوجود اليهود بصفة عامة ليكون أول من أطلق هذا المصطلح إمام جامع التقوى في الجزائر في العام السابع عشر بعد ألف وتسعمائة أثناء خطبة الجمعة، في إشارة إلى وعد بلفور كما انتشر استخدامها في أجهزة الإعلام العربية بعد الحرب المعروفة وخاصة في الستينيات والسبعينيات كما استخدم الاتحاد السوفياتي وبعض الدول الاشتراكية هذا المصطلح قبل اعترافها بإسرائيل، وإلى يومنا هذا لا يزال هذا الاسم يُتداول بشكل محدود رسميا من قبل بعض الأطراف
وها هو مكمن المقارنة التي تحدثا عليها سابقا يدخل نفقه الأخير فقد أضحى الأمر يوضح لنا موقفا واحدا ألا وهو أن التطابق وصل درجة النهاية لنعترف أن الكيان الصهيوني هو بذاته اسم مترجم لليهود أو بني اسرائيل، ولحد هذه السطور نقيم التواجد الاسرائيلي على الأرض بالإيجاب
لتبقى عدة اشكاليات أخرى مطروحة في الأفق، انها تخص الأرض المسلوبة أو العدوان الغاشم وهل هي حقيقة أم وهم
وليعلم من يدب فوق هذه المعمورة أن التاريخ يعيد نفسه بل الأحرى أن الحياة تعيد نفسها
أصبحت الانسانية مكمن الجُبْ واسترجاع الشيء لن يكون إلا بالهمجية وسفك الدماء والعودة إلى الماضي سيكون في هذه الحالة فضيلة كبرى بل فرض جمالي تفرضه الضروريات والبديهيات المستعملة أيان كانت العبودية رمزا للتباهي والفخر
ولن يفيد الواجب الوطني أو العرقي أو الديني شيئا هنا بل نظرية (مبدأ الأرض) التي سُنت سابقا ونتجت عنها الامبراطوريات والممالك وحدها كفيلة بإعادة رسم خطوط الأرض واعادة الحقوق لأصحابها من وجهة نظري
وتخلص الدراسة في الأخير بأن ليس عبثا ما خلق الله من شعوب وأمم، وأن لكل الشعوب حقها في الحياة والعيش، وحقها في الأرض لكن هذه الحقوق سطرت وباتت موجودة إلا الأخير فانه سيأتي في حقبة معينة من الزمن
ومن بين جميع الأطراف نجد أن الكيان الصهيوني اسم غير مرغوب فيه لبني اسرائيل وهو حقيقة موجودة غير قابلة للزوال، لأنه ببساطة ان زالت الأمة اليهودية نزع هذا اللقب الذي أرق أصحابه لأعوام عدة.