الكورد الفيلييون..أصالة وتاريخ وحضارة.
سالم أسماعيل
يؤكد عدد من الباحثين والأكاديميين (حيدر ايزد بناه ،خسرو غزوان،د,حامد عيسى محمود،وعبد الرحمن )بأن جذور كلمة (فيلي)تعود إلى زمن الميديين (884-550)ق,م والباحث اللغوي والتاريخي الإيراني د,محمد معين في كتابه (المعجم الفارسي)بأن الشعب الميدي كان يعرف تاريخيا ب”بهلة-بهلو”حتى زمن الساسانيين224-625م إذ أخذت بعض أسرهم تحمل لقب “بهلو”للدلالة على رفعة مستواها.ويذهب هنري فيلد وعبدالرحمن مزوري بأن مفردة “بيلي”باشتقاقها السومري يعني الشجاعة والبسالة وهو نفس معنى الكلمة وفق تفسيراتهم ومقارناتهم اللغوية لملحمة الشاهنامة للفردوسي .ويؤكد الباحث عبدالرحمن مزوري بأن الفردوسي يستخدم لفظ”بهلو”بمعنى الجبل أيضا ولاشتهار سكان الجبل بالأقدام والشجاعة فقد أخذت هذه الكلمة تعطي معنى الشجاع ولربما من هنا اشتق لفظ “بهلوان”في اللغات الكوردية والفارسية والأوردية ،والباحث أبراهيم باجلان يذكر قصة طريفة يؤكد مهارة الكورد الفيليية وبهلوانيهم فيقول سافر أحدهم إلى مصر ليعرض مهارته في تسلق الجدران على السلطان صلاح الدين الأيوبي الكوردي ،فأعجب به السلطان ،وأراد الاستفادة من مهاراتهم في التسلق حصون الفرنجة فطلب إحضار المزيد منهم ،وهذا أحد الأدلة التي تدل على اعتزازهم بكورديتهم واحترام زعماء الكورد . والغريب ان “بيلي”يعني بالسومرية الشجاع والباسل أيضا في الوقت الذي هو لفظ كوردي يعني بالسومرية”الجبلي”وهي التسمية التي كان السومريون يطلقونها على سكان الجبال المجاورة التي تسمى تاريخيا ب”إيلامية”أو “العيلامية”وقد جاء في بعض الرقم والوثائق السومرية التي تعود للألف الرابع والثالث ق.م . وعرف جورج .ن.كرزن كلمة فيلي بمعنى الثورة أو التمرد في كتابه إيران وقضية إيران ج 2 وذكرها هنري فيلد بمعنى المتمرد والعاصي كما وردت كلمة فيلي في المصادر التاريخية الأخرى بمعنى الشجاع والفدائي والثائر. أصل كلمة ألفيلي: هناك أراء عديدة بخصوص تسمية هذه الشريحة من الكورد بالفيلي ومنها إن أسمهم مشتق من أسم الملك العيلامي بيلي (peli)الذي أسس سلالة بأسمه في عيلام ،وأنجبت هذه السلالة أثني عشر ملكا ،بدءا بحكم بيلي حوالي 2670 ق,م ،انتهاء بحكم الملك (يوزور انيشوشيناك)في 2220ق,م ،وأطلق هؤلاء الملوك على سلالتهم ورعيتهم معا أسم بيلي نسبة إلى الملك بيلي مؤسس هذه السلالة ،وقد أثبت البروفيسور جورج كامرون قيام الملك بيلي 2670 (peli)ق,م من مدينة شوش أبتداء كما أكد(والتر هينتس )في كتابه دنيا عيلام الضائعة أكتشاف كتيبة أثرية في معبد كيريريشا يعود تاريخها إلى 2550 ق,م منقوش عليها أسم الملك بيلي وكذالك ذكر المحقق يوسف مجيد زاده في كتابه (تاريخ وتمدن ايلام)حكم الملك بيلي في إيلام ،وتحول الأسم بمرور الزمن إلى فيلي كما حصل في تغيير أسم بارس إلى فارس حاليا . ونرجح بأن الاسم جاء من أسم الملك بيلي ونرجحه على الروايات الأخرى ،مثل أن الاسم جاء من كلمة فعلي وتحول إلى فيلي أو إن الاسم جاء من كلمة فيل لأن سكان بشتكوه كانوا يدربون الفيلة أوباعتبار إن الفيليين يتميزون بأجسام وبنية قوية وكانوا يقومون بأعمال شاقة لذلك سموا بالفيلي أو من فهلة ف (فهلوي)وتحول لا حقا إلى فيلي،والسبب الذي يدعونا إلى ترجيح رواية أسمهم جاء من الملك بيلي ،مثل قولنا العثمانيين نسبة إلى عثمان بن أرطغل أو العباسيين أو الأمويين وهكذا, أصل الكورد الفيلية: أفضل من كتب حسب اعتقادي عن الفيليون هو العراقي الذي هجر (نجم سلمان مهدي الفيلي)صاحب كتاب الفيليون ومن المؤسف إن هذا الكتاب لم يرى النور إلا بعد وفاة مؤلفه الذي كرس ما يقارب من ثماني سنوات من عمره في البحث والتقصي والتنقيب بين أمهات الكتب والمخطوطات ومصادر تاريخية مختلفة وبعدة لغات وقدم الكتاب وراجعه الكاتب الموسوعي والصحفي والمؤرخ جرجيس فتح الله المحامي . في العراق يسمون بالفيلية وفي إيران يسمون باللر والفيليية يعتبرون هم الأصل واللر أمتداد لهم وحال الكورد الفيليية كحال أمتهم الكوردية أراضيهم مقسمة بين الدول الحديثة (بعد الحرب العالمية الأولى)قسم منها تقع في العراق والأخر في إيران يستدل الكاتب على أصلهم من خلال آراء نخبة من المؤرخين والمستشرقين ومنهم؛ *-محمد أمين زكي بك(اللر من الكورد ولرستان كردية بحتة) -ت.فيروزان(اللر من الكورد ولهجة اللر هي أحدى اللهجات الكوردية) -الشيخ محمد مردوخ (اللر من الكورد) -فريج (اللر من أهم العناصر الكوردية) -الكولونيل ستوارث(في رأيي أن اللر والكورد من أصل واحد) -دائرة المعارف الأسلامية(اللر قوم من الكورد) -عباس العزاوي(اللر من الكورد الفيلية) -سيروس برهام (اللر من الكورد) -المسعودي في (التنبيه والاشراف)اللر ضمن الطوائف الكوردية, -راولينسون (الكورد واللر …من حيث الخصوصيات الجسمية شبيهون بالميديين) -بونيفاسيو الفرنسي(اللر والبختيارية من العناصر الكوردية) -ياقوت الحموي(اللر قوم من الكورد ولرستان بلاد اللر من الكورد) *من قراءة متأخرة لكتاب “الفيلييون”من قبل عوني الداودي من السويد, حدود بلادهم:كانت حدود بلادهم القديمة تشمل عند أتساع مملكتهم كرمنشاه وكركوك شمالا ونهر دجلة غربا والخليج جنوبا ومناطق لرستان وبختياري وأقساما من فارس شرقا ,وحتى في عهد الولاة الفيليية كانت منطقة نفوذهم الغربية تصل إلى نهر دجلة ،وعرفهم (شوربل)بقوله الفيليين قبائل متعددة من اللر تقييم في النواحي الجبلية بين تركيا وإيران أي بين العراق وإيران لكون العراق كانت تقع ضمن الدولة العثمانية حينذاك ورأي (جورج ,كرزن)القائلة “الفيلييون هم جميع سكان لرستان وكذلك ورأي هنري فيلد بقوله الفيلييون هم السكان الاصلييون لمنطقة بشتكو”, إن كلمة الفيليية كانت تستخدم للإطلاق على القبائل التي سكنت إلى غرب من إيران وشرق العراق ويؤكد المؤرخ كمال مظهر إن نهر دجلة كان يسمى بالنهر العظيم لأنه كان فاصلا طبيعيا بين الأقوام العربية التي نزحت إلى العراق وخاصة بعد نشر الإسلام والتي وصلت إلى نهر بينما الأقوام الأخرى كانت تسكن إلى شرق دجلة وهم السكان الأصليون لتلك المنطقة .لم يكن اللواء عبدالكريم قاسم يعدو الحقيقة حينما أكد للوفد الفيلي الذي زاره لتهنئته في 14-10-1958 بأن سكان شرق دجلة هم من الكورد الفيلية بقوله:إن المناطق التي تبدأ من الضفاف الشرقية لنهر دجلة هي موطن الكورد الفيليية منذ القدم. قامت مدن في جنوب وادي الرافدين تعود إلى 5500-5000ق, م حيث ظهرت مدن عبيد، أريدو، اور،سوس وسوس تقع ضمن أراضي الكورد الفيليين حاليا وفي منتصف الإلف الرابع قبل الميلاد 3500ق,م تكونت مدن الدويلات في أور وسومر وفي السوس في عيلام ،قام الملك سرجون الاكدي بتوحيد سومر وعيلام 2350ق,م ،وسيطر الكوتيين وهم من القبائل وادي وسفوح جبال زاغروس ،وأحكموا سيطرتهم على المنطقة 2200ق,م وعاد العيلاميون السيطرة على المنطقة 2002ق,م وأستمر حكمهم لأكثر من مائة عام ،استولى الكورد الكيشيون وهم من قبائل أعالي ديالى في حدود 1700ق,م ليتبعها قيام السلالة العيلامية والعاصمة بابل وملكها شتروك ناخونته ملك عيلام 1595ق,م ثم تلاها قيام السلالة الكيشية1570ق,م والعاصمة عكركوف ليتبعها قيام المملكة الميتانية والمملكة الحيثية 1500ق,م ثم لتتبعها الحضارات الأخرى حتى سقوطها في يد الأخمينيين الفرس ولتتوالى حضارات حتى تنتهي بنشوء الإمبراطورية الساسانية في المدائن في 224ق,م وهذا يبرز دور العيلاميين (أجداد الفيليين)وتواجدهم التاريخي في المنطقة رغم تداول الحكم بين إمبراطوريات وأقوام مختلفة. الكورد الفيلييون شعب عريق عاش على أرض الحضارات وهم جزء من الأمة الكوردية وهم من بقايا العيلاميين يتواجدون في إيران والعراق (مندلي زرباطية،بدرة،جصان،خانقين ،كوت،كركوك،بغداد،عمارة،وغيرها من المدن العراقية إلى جانب المدن الإيرانية) في كوردستان إيران يطلق عليهم اللر ويحمل أكثر اللر في العراق أسم الفيلي.وهناك قبائل في العراق من اللر لا يقرون بلقب فيلي . تبين لنا من خلال إطلاعنا على هذا الموضوع بأن للكورد الفيليية أو اللر كما يسمون في إيران وبأن الموجودين منهم في العراق لم يأتي من إيران وإنما أراضيهم يمتد بين عراق وإيران وحالهم كحال أمتهم الكوردية التي قسمت أراضيهم بين الدول بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية بين العراق وتركيا وسوريا وإيران التي كانت بعيدة عن اتفاقيات سيكس بيكو وتعرض الكورد الفيليية إلى التهميش والترحيل وإسقاط الجنسية ومصادرة ممتلكاتهم وزج أبناءهم في غياهب السجون وأرتكب بحقهم جرائم إبادة جماعية ،وهم ينتمون لهذه الأرض قبل تكوين الدولة العراقية بعد الحرب العالمية الأولى ولهم وجودهم قبل آلاف السنين قبل الميلاد ورحلوا لأسباب عبر مراحل الدولة العراقية التي ظهرت بصيغتها الحالية بعد الحرب العالمية الأولى وتعاظمت عمليات التهجير والتسفير 1980 ونذكر بعض الأسباب: 1-الأنظمة التي تعاقبت على حكم العراق لم تكن تحمل فكر بناء دولة المواطنة وإنما جاءت بأيدلوجيات ونهج ومنهج وسلوكيات هدامة ولم تتعامل مع المكونات بروح المواطنة وما يقدمونه للمجتمع فقامت بطرد السكان الأصليين من وطنهم ومصادرة أملاكهم خلافا لكل القوانين فرحلت الكورد الفبليين وهم الذين كانوا من المساهمين في بناء البنية التحتية للمجتمع العراقي . 2-كان الكورد الفيليية قوة اقتصادية(العامل الاقتصادي كسبب للترحيل) وخصوصا في بغداد فيهم من عمل في الصناعة والزراعة والتجارة والمواصلات ولديهم عقلية المجتمع المدني ومجدين وعاملين والبعض يقارن بينهم وبين الأرمن في نشاطهم . 3- العامل الديني كون أكثر الكورد الفيليية من الشيعة مع إن النظام كان لا يمثل طائفة بعينها . 4- كان للكورد الفيليية ولاء لقوميتهم وساهموا في صفوف حركة التحرير الكوردية والبعض الآخر كان ذو انتماء سياسي في صفوف الحزب الشيوعي العراقي, 5-شريحة بعيدة عن تنظيمات الحزبية السلطوية ،شريحة تعطي ولا تملك روح العدائية . إن ما أصابت هذه الشريحة الكوردية من ظلم وقسوة نقطة سوداء في تاريخ الاجتماعي بالدرجة الأولى وخاصة ونقطة سوداء بصورة عامة واليوم تقع مسؤولية على الدولة العراقية تعويض المتضررين وإعادة ممتلكاتهم ومنحهم كل استحقاقاتهم وأن تأخذ القرارات والقوانين التي صدرت لأنصافهم طريقها إلى التطبيق وبسرعة وهذه مسؤولية الجهات التنفيذية . الدعوة إلى بناء دولة لا تهمش أحدا من مكوناتها وبأن الكل مواطنين من الدرجة الأولى وأن تطوى صفحات الجور إلى الأبد.