محمد قاسم الصالحي/ كاليفورنيا
الحراك السياسي الصدري الأخير والمتمثل في سلسلة اللقاءات التي أجراها السيد مقتدى الصدر مع بعض الأطراف العراقية المؤثرة أو ممن هي في طريقها للتأثير في المشهد العراقي، يوحي الى، بل يؤكد على الحرفية العالية التي تتمتع بها قيادة التيار في إدارة الأزمات والفهم العميق لطبيعة المرحلة التي يمر بها العراق، وقد تجلى ذلك بوضوح في مبادرة الثماني عشر نقطة (وثيقة أربيل الخماسية) والتي لم تُطرح كحلًّ آنيّ للأزمة الراهنة وحسب، بل وثيقة تعكس، وبوضوح رؤية القيادة الصدرية للمسار السياسي المستقبلي الذي يشكل الأرضية المناسبة، والمساحة المشتركة للعمل مع الأطراف الوطنية الأخرى.
ولايمكن القول بأن الوثيقة الصدرية (18 نقطة) قد جاءت لتنسخ ماتم الإتفاق عليه في (إتفاق أربيل) بين حكومة السيد المالكي والأطراف العراقية الأخرى، لكنها في ذات الوقت جاءت لتؤكد للآخر بأن الصدريين ليسوا ملزمين بتبني حيثيات الإتفاق السابق مع حكومة السيد المالكي بكافة تفاصيله،(خاصة مايتعارض منها مع الدستور).. بعبارة أدق، يُعد ماجاء في الوثيقة الصدرية تأسيساً لمنطلقات العمل المستقبلي الكفيلة بتفعيل القدرات العراقية على الساحة العراقية، من وجهة نظر صدرية، سواءً مايتعلق منها بالسياسة الداخلية أو الخارجية وعلاقة كلا السياستين بوحدة العراق. ومن جانب آخر، يمكننا القول بأن الأطراف المجتمعة، وعلى وجه الخصوص السيد مسعود البارزاني والدكتور أياد علاوي قد أبدوا تفهمّاُ وقبولاً كبيرين للفقرات التي نصّت عليها الوثيقة الصدرية، وذلك مايمكن إستنتاجه من عدم وجود أية تحفظّات إعلامية أو سياسية من قبل الفريقين حيال مضمون الوثيقة.
كما وفي سياق التعامل الواعي المدرك لتفاصيل المسار الديمقراطي في العراق، يأتي إستقبال السيد مقتدى الصدر الى رئيس المؤتمر الوطني الدكتور أحمد الجلبي ليبرهن حرص القيادة الصدرية على ديمومة التجربة السياسية في العراق، ودقة إختيارها للوسائل والأساليب والوجوه الكفيلة بإدامة التجربة. فإن قيادة التيار الصدري تدرك بإن من الطبيعي أن يشوب الفترة الماضية من عمر التغيير في العراق (مابعد 2003) العديد من «الإشكالات السياسية» نتيجة وجود قوات الإحتلال وإختلاط الإنتهازيين ومتسللي اللحظات الأخيرة من عمر النظام القديم مع البناة الحقيقيين للتجربة الديمقراطية الحديثة، الأمر الذي قد يسهم، بل أسهم في تنمية النزعة السلطوية لدى بعض (الديمقراطيين) ممن أمسكوا بزمام الأمور في الدولة.. ومثل هذا الأمر يبدو طبيعيا في مرحلة (الإنتقال الديمقراطي)، أما اليوم ومع ما آل إليه الوجود الأجنبي وبالتزامن مع حركة التغيير في المنطقة العربية فالقيادة الصدرية ذاتها تبدو مدركة أيضا، الى أن العراق بحاجة الى الشروع في (عملية التحول الديمقراطي الحقيقي) والتي تعتمد بالدرجة الأساس على وجود إدارة ماهرة تمتلك الرغبة الكبيرة في إحداث التحول المنشود، وقادرة على توسيع رقعة المشاركة في عملية صنع القرار السياسي ورفع فعالية نوزيع الموارد الإقتصادية.
قد تتسبب (الفترات الإنتقالية) للتحولات الديمقراطية كتلك التي تلت التغيير 2003 والى اليوم، في تواجد قوى طارئة تتمتع بقدرة على التسلق السياسي وإستثمار ظروف التغيير، لكن التحولات الديمقراطية الحقيقية في نهاية الأمر كفيلة بغربلة النظام السياسي وإعادة التوازن بين القوى وفقا لتمثيلها الحقيقي في الشارع العراقي و تبعاً لعمق إيمانها بالتجربة الديمقراطية وتمسكها بالقيم الوطنية. ولاشك بأن الحراك الصدري بما يمتلك من عمق جماهيري في الساحة العراقية وثوابت وطنية لم تزحزحها المنافع الآنية والمصالح الحزبية، وكذلك (وهوالأهم) وجود قيادة إصلاحية تستوعب الشراكة الوطنية متمثلة في سماحة السيد مقتدى الصدر، لاريب أن مثل هذا الحراك سيفضي بالنتيجة، (وبمعزل عما يستغرق من وقت)، الى تشخيص دقيق لطبيعة المرحلة وماهية رجال إدارة التحديات الراهنة. ومن ثم الوصول الى أفضل صيغ التحول الديمقراطي قبولاً لدى المجتمع العراقي وقواه السياسية الفاعلة.