غسـان نامق
في سبعينيات القرن العشرين نشرت منظمة اليونسكو تقريراً قالت فيه إن التعليم في العراق يُضاهي التعليم في الدول الإسكندنافية.
كان ذلك قبل أكثر من ثلاثين سنة.
وتنص قوانين التطور ومبادئ المنطق على أن الأمور يجب أن تسير إلى الأمام.
وهذا يعني في ما يعنيه أن التعليم في عراقنا اليوم يجب أن يكون أفضل مما كان عليه قبل أكثر من ثلاثين سنة. وهذا أمر لابد منه وفقاً لقوانين التطور ومبادئ المنطق. فالعراق سار على طريق التطور والتقدم طوال سبعة آلاف سنة تقريباً أو أكثر.
فالبلد الذي صنع أول حضارة في تاريخ البشرية،
والبلد الذي ابتكر أول كتابة في تاريخ البشرية،
والبلد الذي أسس أول مدرسة في تاريخ البشرية،
والبلد الذي وضع أول قوانين في تاريخ البشرية،
والبلد الذي أنشأ أول دولة في تاريخ البشرية،
والبلد الذي أنشأ أول امبرطورية في تاريخ البشرية (الإمبراطورية الأكدية)،
والبلد الذي أنشأ أكبر امبراطورية في التاريخ القديم للبشرية (الامبراطورية الآشورية)،
والبلد الذي كان موطن أبي أنبياء البشرية (النبي إبراهيم عليه السلام)،
والبلد كان مركزاً لأكبر دولة عربية إسلامية في تاريخ البشرية (الدولة العباسية)،
والبلد الذي أنشأ أول جامعة في تاريخ البشرية (المدرسة المستنصرية)،
كانت الأمور تسير فيه وفقاً لقوانين التطور ومبادئ المنطق. أي أنه كان يسير في تطور وتقدم مطّردين على الرغم مما كان يواجهه من مخاطر وأزمات.
واستمر التطور والتقدم بشكل أو بآخر حتى سبعينيات القرن العشرين حين نشرت منظمة اليونسكو تقريرها المذكور أعلاه.
بل استمر التطور إلى ما بعد السبعينيات والتقرير المذكور. ففي ثمانينيات القرن العشرين كان التعليم متميزاً في عراقنا، وكانت الجامعات العراقية قِبلة الطلبة العرب من مختلف البلدان العربية.
لكن الأمر المؤلم هو أن مسيرة التقدم والتطور قد توقفت في العراق بعد ثمانينيات القرن العشرين. فلو راجعنا مؤشر ترتيب الجامعات في العالم، على سبيل المثال، لوجدنا الجامعات العراقية تحتل مركزاً متأخراً على هذا المؤشر، هذا إن كانت موجودة أصلاً على المؤشر.
فما الذي حدث إذن كي تتدهور الأمور إلى هذه الدرجة؟
السبب الرئيسي وراء التدهور هو الحصار الظالم الذي فُرِضَ على عراقنا عام 1990. كان حصاراً لم تشهد له البشرية والإنسانية مثيلاً. ويتوهم مَن يظنّ أنه كان حصاراً اقتصادياً وعسكرياً فقط. فقد كان حصاراً اقتصادياً وعسكرياً وطبياً وعلمياً وتعليمياً وأكاديمياً وإنسانياً. كان حصاراً على كل شيء. ولو كان بالإمكان منعُ الماء والهواء عن العراقيين لفُرِضَ عليهما الحصار هما أيضاً.
كان حصاراً دام ثلاث عشرة سنة عجافاً. ثلاث عشرة سنة أكلت كل شيء وأكلت أهل العراق معها.
وتبع ذلك الحصارَ غزوٌ ودمارٌ واحتلالٌ للعراق، عراقنا.
واليوم، ها نحن نشهد إخراجَ العراق من طائلة الفصل السابع الذي بقي بلدُنا رازحاً تحت بنوده طيلة ثلاث وعشرين سنة.
وبما أني أتحدث هنا عن التعليم تحديداً (وليس عن السياسة أو الاقتصاد أو غير ذلك)، فهل سيكون لهذا الحدث التاريخي تأثيرٌ على مستوى التعليم في العراق؟ هل سيعود العراق إلى الحياة الطبيعية كما اعتدنا على عودته طوال أكثر من سبعة آلاف سنة؟ فطوال أكثر من سبعة آلاف سنة كان العراق ينهض بعد كل كبوة. وكانت كل الكبوات تحدث نتيجةً لتأثيرات خارجية. كانت كل الكبوات في تاريخ العراق تحدث نتيجة غزو واحتلال. ثم لا يلبث العراق أن ينهض ليواصل مسيرته الحضارية.
حدثت كبوة في زمن السومريين .. ونهض العراق.
حدثت كبوة في زمن الأكــــديين .. ونهض العراق.
حدثت كبوة في زمن الآشـوريين .. ونهض العراق.
حدثت كبوة في زمن البـــابـلـيين .. ونهض العراق.
حدثت كبوة في زمن العباســيين .. ونهض العراق.
ثم حدثت كبوة في زماننا .. فانهض يا عراق. إنهض واثبت للعالم أنك متواصل منذ سبعة آلاف سنة بلا انقطاع.
29 حزيران 2013