الفحوصات المخبرية للأسماك النافقة في هور الدلمج ومشكلات التسمم المكرورة
د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
مع تراجع الثقة بالمؤسسات المنتهكة بنيويا للحكومة ومع تمرير كثير من اللجان لتقارير تغطي على الحقيقة نجد خبراً جديداً ملفتاً للنظر من وزارة الزراعة، بشأن نتائج الفحوصات المختبرية للأسماك النافقة في هور الدلمج. وقد زعم التقرير أن نسبة الأسماك النافقة جد منخفضة أو قليلة وليس كما أبرزته جهات إعلامية وشعبية كثيرة!
ما يمكن أن يكون موجزاً مفيداً هو أن النماذج المائية والسمكية برهنت بالفحص أنها غير مصابة بيولوجياً بالبكتريا أو الفيروسات. ولهذا فإن تفسير الكارثة لدى منسوبي وزارة الزراعة أحيل إلى أما إلى الصيد الجائر بخاصة بالمواد السمية أو لأن كثافة الأحياء بالمنطقة مع (النفايات) قللت الأوكسجين الذائب بالماء بخاصة بظروف الحرارة العالية ما أفضى للتلوث القاتل…
إن اللجنة المعنية قدرت مساحة الإصابة بعشرة كيلومترات أو ربع طول هور الدلمج وحصرا بمنطقة الديوانية التي تدفع بمياه البزل المالحة غير الصالحة والملوثة بالنفايات من مخلفات المستشفيات والمعامل بخلاف منطقة واسط الخالية بنسبة كبيرة من ذلك.. ولم تنسَ الجهات المعنية من تأكيد حرصها على الثروة السمكية والبحث عن (الفاعلين) ومحاسبتهم
إنّ تكرر هذه الواقعة ليس بحال نادرة ولا بجديد وكانت بصورة مهولة طوال السنوات المنصرمة حتى أن خسائر استثنائية من جهة قد حدثت وأن إصابة أهالي المدن على النهرين وفي الشط قد تعرضوا لآثار ليست قليلة دع عنك أن اللجنة التي تريد تقليل نسبة الإصابة وكأن هذه إجابة تلحقها بموقف تحذيري لم يقدم بقدر ما أخَّر وساء به الوضع إنما تهمل تلوث المياه بالنهر (الثالث) أي نهر البزل المالح بكل ما فيه من ملوثات لا علاج لها حتى يومنا! وإذا ما أضفنا التلوث العام من دخول ملوثات تركيا وإيران وجعل الأحياء النهرية غير صالحة للاستهلاك الآدمي ومعه دخول مياه الخليج العربي باتجاه الشط في البصرة فإن نسبة الملوحة لوحدها تمنع من استخدام الماء وتحيل البساتين إلى يباس ما يعني قرار إعدام (كل حي) من خضر وبشر…
إن كارثة الديوانية ليست عابرة وليست هامشية والتقليل من هولها لا يلغي من فداحة الحقيقة في الظرف العراقي الراهن.. كما أن الموضوع لا يعتمد على لجان فرعية أو محلية بل يجب اتخاذ قرار وطني شامل يبدأ من الحديث عن الإطلاقات المائية وكفايتها وسلامتها البيئية من التلوث إلى جانب ضبط أجنحة الأنهر والملوّثات والمسؤوليات على وفق قانون عام شامل لا يسمح بوقوع مثل تلك الجرائم…
وهي جرائم تستهدف الإنسان ومجمل الحياة وصحتها وسلامتها.. بمعنى أن خيوط الفعلة الشنعاء قد لا تكون داخلية ومحدودة وقد خبر الشعب التدخلات السافرة والانتهاكات التي تريد الإضرار به وتريد منعه من أي مشروع إنتاجي زراعي أو صناعي ومن ثم فإن الأصابع تطلب بإلحاح تتبع الخيوط حتى مصادرها الفعلية الأصل..
إننا نطالب الحركة الحقوقية العراقية بمتابعة الأمر لكونه يمس حيوات الناس مثلما نطالب كل الأطراف المعنية بالموضوع للكشف عما تمتلكه من حقائق ووقائع كي يتم مفاعلتها تكامليا والوصول إلى الحقيقة الحاسمة…
والثقة لن تعود طالما كانت الأمور تجري بطريقة التغاضي والتبسيط أو التسطيح مع تقليل الأهمية والمخاطر ولكنها ستعود بتضافر الجهود لفضح الجريمة والمجرم وكونها تأخذ طابع استهداف الإنسان جميعا بما يُحدِث إبادة في الحياة ومنها إبادة الحياة في العراق وهي ليست باتهام أو اختلاق تهويل بل هي الواقعة التي يجب الانتباه عليها أو الاستسلام لمصير الهلاك وهو ما لن يقره الشعب العراقي الحي وسيحسم الأمر اليوم قبل الغد فذلكم مصير وجودي وليس أزمة عابرة..
كل التحية للمخلصات والمخلصين ممن يغطي الحقيقة كما هي وبشفافية وبصورة تتصدى جوهريا للكارثة سواء إنسانيا وما يمس الحياة أم اقتصاديا وما يمس قدراتنا وثرواتنا ومسيرة التحول من الريعي إلى الاستثماري ولو بمنطقة محدودة..