تذكّرت راوية مقولة بمعنى: إذا التقى رجل وامرأة لوحدهما فالشيطان ثالثهما. مضى زمن طويل منذ سمعت هذه المقولة، التي وردت على لسان أمها، وأكّدها أخوها بأنّ الرجل الذي يجتمع بامرأة ولا يهم لأي أمر يلتقيان، ولا يحظى منها بقبلة فهو ليس رجلا. فالأمهات هن من ينشرن نظام تحكم الذكور بالسلطة السياسية والثقافية والاقتصادية والعادات ويثبتن هذا النظام بتربية أبناء متغطرسين وبنات خاضعات.
دائمًا، استهزأت راوية بهذه الاقاويل، فالمرأة بنظرها قويّة ويمكنها الالتقاء بأيّ رجل كان، وفي أي مكان، وهي قادرة على صدّه وردّه إذا شاءت ذلك، ولا تسمح له ان ينال منها ما لا ترغب فيه، ولكن ألم يحسّ أحدكم ذات مرّة بذاك الألم الذي ينتابه عندما يشعر بعجز أمام شخص قوي يحاول ايذاءه وهو لا يملك أن يردّ الأذى!
***
التقت راوية بكريم مرّتين فقط، اللقاء الأول كان تعارفا لتنضم إلى أحد الحلقات الثقافيّة البيتيّة التي ينظمها، لم يدم اللقاء بينهما إلا نصف ساعة، قال لها وهو مودّعا إياها: حين القاك في المرّة القادمة، سوف أقبلك. لم تكترث لما قاله ظنًّا منها إنّه انسان عفوي ويتكلم دون حساب لكلماته.
كريم قوي البنية، في عقده السابع، يتحدث بإفاضة وتلذذ (كلمنجي)، أديب واستاذ للغة الإنجليزية، متقاعد، ينفق على من حوله دومًا من سعة، مهزوز من رأسه حتّى أخمص قدميه، سريع الهمة والخطو، به غلظة وعنف. تفوح منه رائحة البصل. يحب الحياة ويهوى السهر في جحور السمر المسائي، تغمره الطيبة رغم ما يبدو منه من هبل، والأنكى من ذلك انه يتبوأ مناصب قيادية وقوية ويمثل حركات نسائية ورجالية في مجتمعنا الفلسطيني.