الـعـالـم الـخـجـول الـذي يـَفـرُّ مـن الأضـواء..
الدكتور عـبـد القـادر حسين ياسين
لا يحتاج إلى “ألف” و”دال” ،
فهو بها وبدونها “الرائد” الذي جمع فأوعى..
وقرأ الناس في خطوط حياته الصدق والجدية والنزاهة والتواضع والعطاء..
يظلُّ الكبيرُ كبيراً..
فرغم “مشاغله” لم ينشغل..
غريب جداً أمر هذا الرجل…
يقف في الظل…
متنازلاً عن مكانه الطبيعي تحت الشمس…
يصمت..
وهو القادر على الحديث بطلاقة وبلاغة..
يكتب، عندما يكتب، بخجل…
ويبدي رأيه، عندما يبديه، بحياء..
هذا الرجل الخجول
الذي يفرُّ من الأضواء..
ويعـشق الظلَّ…
ويحـبّ الصمت..
جنى على موهـبته..
وجنى علينا..
جنى على موهبته حين حبسها
في سجن من رقـته…
وجنى علينا حين ضنَّ علينا
بإنتاجه… إلاَّ لماماً..
غـريب جداً أمر هذا الرجل…
مثقف واسع الثقافة…
ويرفض أن يعتبر نفسه مـثـقـفـاً..
ذلك هو سـفـن ـ إريك لـيـدمـان…
لا تعـرف مدى ثقافته..
إلاَّ بالمصادفة..
ولا تعرف عـذوبة حديثه..
إلاَّ بالمصادفة…
في زمن الضجيج آثر الهدوء…
في زمن العلاقات العامة اكتفى بالعلاقات القليلة الحميمة…
في زمن الإعلام أتقـن التواري
موهبة سـفـن ـ إريك
ستبقى في وضح النهار..
ستلمع تحت الشمس
حتى لو توارى هو
في خيمة الخجل والحياء…
إن أسعدك الحظ بلقائه فإنك تهابه وتـنجذب إليه…!!
تهاب إشعاع علمه وتوقّـد ذهنه وفـراسة نظراته ،
ويجذبك صباح وجهه ولباقة حديثه ولين جانبه وحسن معشره ودماثة خلقه..
تأسرك حفاوة لقائه وكرمه،
يبتدرك بالسؤال عن صحتك وأحوالك..
يلاطفك معاتباً على انقطاعـك..
فـتـظـن نفسك مليك جلسائه وحادي ندمائه!
كان أول لقائي به عام 2005.
دخلت عليه في مكتبه بجامعة غـوثـنبيرغ .
ألقيت عليه التحية فـردَّ بأحسن منها..
طلبت منه مرجعاً في تاريخ الأفـكار ، ـفحدثني حديث العالم المتمكن..
فاكتفيت بفـتـواه العلمية لما كنت أبحث عـنه في المراجع.
رجل ناخت له نياق العلم والفكر والفلسفة والأدب..
ينتمي إلى جيل العمالقة الموسوعـيـيـن،
يـُحـدِّثـك في التاريخ فـتـظن أنه يقـرأ من كتاب!!
يـُحـدِّثـك عن أرسطو وأفـلاطون وفـلـهـلـم هـيـغـل وبـاروخ سـبينوزا وكارل ماركس ،
فـتـظـن أنه عاش عـصرهم وساهم في فكرهم ونتاجهم؛
ينتقد الأدب فـتـدهـش لثاقـب فكره؛
تقـرأ كتبه فـتـعــيد قراءتها لترتوي من سلاسة وطلاوة أسلوبه وجديد أفكاره وحداثة منهجه… ،
فتجد نفسك دارساً لكتبه لا قارئاً مطلعاً!!
رجل دائم البحث عن المعرفة…
عن الحـقـيـقـة..
يستكشف مظاهرها ،
يغوص في بحار مصادرها..
يحيل عنها ركامها.. يصقلها..
يصفها بأحدث الكلمات الدالة.
رجل مطلع على شؤون مجتمعه ومحيطه وعالمه الواسع..
ناصح أمين..
شجاع في رأيه..
ناقد صريح..
لا يتحـرّج في إفـحام مـُشاكسه!!
رجل يتواضع مع جلسائه ويـتـنـاغـم معهم..
بارع في استهلال حديثه..
يعرج من موضوع إلى آخر في سلاسة الماء..
يمحو كل الفواصل بين ما نظنه متفـرّقاً من معارفـنا العلمية..
يقول:
“إذا انفصل العلم عن الفلسفة صار جسداً بلا روح،
وإذا انعـزلت الفلسفة عن العلم صارت بناءً لا تسنده من الواقع دعائم أو لبنات…”
فيعـيدنا إلى نبع واحد نهلت منه كل البشرية.. نبع الـعـقـل؛
رجل رحال.. بروحه وعـقـله وخياله وجسده..
سما إلى مدارك العـلا بروحه..
وغاص في مراجع العلم والأدب والفـلسفة بعـقـله..
وجاب كل عواصم الثقافات والحضارات..
ولم يترك منبعاً للفكر والثقافة إلا ونهـل منه..
ذلكم هو الدكتور سـفـن ـ إريك لـيـدمـان