خيري هه زار
استوقف جحا ذات صباح ومن أمام داره التي ليست له وانما استأجرها ليأوي اليها بقية عمره الذي شارف الخمسين احد الزبالين سائلا اياه اذا ما كان يعرف شيئا عن ما يسمى بالاصلاح فقال له المنظف وهو ينظر الى ملابسه المتسخة بفخر واعتزاز :
ان ترني زبالا … فقد كنت طبالا … قبيل ان أحترف … ها انا ذا أعترف … باضاعة السنين … حسب كشوف الرنين … في بلاهة التطبيل … والمساس والتقبيل … للأيادي العفنة … والنفوس النتنة … كانت لهم رميتي … لأجلهم حميتي … فما أزددت الا الذل … والتنائي من الكل … وتحت يدي أجساد … خفت من شرالافساد … بان يولج فيها … داءا وقد يفنيها … ليتني كنت أعلم … بالذي الآن أحلم … به وبالعاقبة … حسب الرؤى الثاقبة … بموازاة الضمير … للمنتهى والمصير … بعد أن يأتينا الحين … ونراه رأي العين … وقد قيل في الجنان … راحا ليست في الدنان … مع الحوراليافعات … انما بالنافعات … لأعمال تقية … من مهج نقية … للحيارى المساكين … الضعفاء الباكين … وفي النعماء ثاوين … أحرارا متساوين … جزاءا لصبرهم … وخفوت نبرهم … استهوتني القضية … وبالروح الرضية … دعتني تلك العزة … أن أبدل البزة … وألجأ للغربال … كي أغيرالسربال … ولتقديم الخدمة … بالكاروك والجزمة … للوطن المستلب … وضرعه المحتلب … فقط لتلك الفئات … ممن تبغي الافتئات … وما برحت تصطف … خلف مصفدي الكف … ويلجمون اللسان … لبني هذا الانسان … يذيقونه الصديد … فهل بات كالطريد … أجل ايها الحكيم … ان ديدن اللئيم … ان يستصغرالفقير … ويستعظم الحقير … فكان أن أفضت … من عل وغضضت … طرفي عن تلك الفعال … وألقمتها النعال … لأعود أدراجي … وقد بانت أوداجي … تبسمت ضاحكا … لم أعد مماحكا … كما كنت في الأمس … بت أصوغ رمسي … صياغة جديدة … بالافكارالسديدة …. وما هذه المهنة … مع أسوداد السحنة … الا بداية السير … في درب منهج الخير … دأبي تنظيف العرين … أتخذه قرين … بيني وبين ذاتي … في هذا الدهرالعاتي … حيث استفحال الفساد … والمثل في كساد … خيرلي ان لا أكون … من وقفتي في السكون … ارى تفاقم الحال … ويستنزف الطحال … دون حراك يذكر … والفعل الذي ينكر … من جمع متكالب … على الحرالمطالب … باستقامة الأيدي … وطهارة الجهد … من بقية الأثر … للعرف الذي أندثر … بين تكوينات القوم … حين السبات والنوم … وعندما كان النور … يحتكم للديجور … فمالي ارى الغربال … يزيد فينا الوبال … كلما مرالزمن … يرابينا في الثمن … للحياة القاسية … بالسفينة الراسية … في ميناء التحكم … والهزء والتهكم … بمستقبل العباد … آمادا بعد آماد … وبتنا من الخفة … لا ننبس بنت شفة … في الريح عند الهبوب … ننزل من الثقوب … لذلكم الغربال … المشدود بالحبال … لأواصرالذوات … في المركزوالنواة … لأضيق دائرة … وبينها نائرة … في فن كسب الحرام … والوله والغرام … بالفردية الدائمة … وللحكرهائمة … فيا لحسن الحظوظ … ماترى من الرضوض … على جسدي النحيف … وعقلي ذاك الخفيف … نعمة من السماء … ابتغي لها النماء … اصبرواحتسب … خيرمن ان انتسب … الى الفئة الضالة .. وأقع في الدالة … للفساد والعلة … وعند يوم الظلة … ساهوي الى الجحيم … فهل اخسرالرحيم … دعني يا جحا الكريم … ابدولهم كالغريم … ولا تزيد همي … فمن اراد ذمي … تحت سطوة الرقيب … ومنهجه الرتيب … ادعوله بالهدى … بصفوقطرالندى … ولا اشكومن تأنيب … كلامي عين التهذيب … خيرما في الانتقاد … دون خدش الاعتقاد … لأي كائن كان … يحيا في ظل الأمان … والكل عابرسبيل … الجاحد والنبيل … هذه بضاعتي … سري وقناعتي … فان كنت أصبت … ذلك ما أحببت … وان كنت خاطئا … فلست مواطئا … تنح عن طريقي … أنضم لفريقي … ليس لنا والغربال … قصرثوب واسبال … فكل ما يعنينا … لقيمات تغنينا … عن سؤال البخلاء … ولا نبقى في الخلاء … بلا بيت يؤوينا … فمن اذن يغوينا … ونحن كل راضون … في سبيلنا ماضون .
وودع جحا حاملا كاروكه على كتفه ومضى مسرعا ليلتحق بزملائه …. فقال جحا في نفسه متعجبا من قناعة الرجل وهو يمارس هذا العمل المحتقر في مجتمعاتنا على العموم وأردف قائلا :
ليحفظك السماء … ويفري عنك العناء … فلولا تلك الجهود … من اشبال للفهود … كأمثال هؤلاء … ميامين أصلاء … بالرفع للقذارة … لخدمة الحضارة … لما كان الأغنياء … أصحاء أسوياء … وما داخل الغرور … أنفسا تأوي الشرور … الفضل فيهم سابق … وعلوهم سامق … ليس لهم من خيار … غير تنظيف الديار … لعمري هذا شرف … ليس لأهل الترف … ما يزيد في المقدار … عما لديهم في الدار … لكنها السياسة … تخلو من الكياسة … تجاه المستضعفين … تحابي المرتجفين … في الفكروالعقيدة … بالأهواء العديدة … كيف تصلح الأمة … وتغادرالغمة … التي بها حلت … فأغوتها وضلت … ما دام فيها المعدوم … مستهجن ومذموم … تهادن المنافق … تجتبي كل آبق … فباتت المعايير … معكوسة في التسيير … فماذا يعني الاصلاح … وهل يحوزالفلاح … مبدأ الوزن والكيل … في الخفاء وبالليل … وسوء الظن بالناس … حدا بها الى الباس … لا ينفعنا الغربال … ونحن بهذا الحال … من فرقة وتمييز … وأثرة وتحييز … فالى متى نبقى … لا نعي ولا نرقى … الى ذلك الوعي … ونقدرالسعي … لأناس وهبوا … مهجا وذهبوا … الى ابعد الحدود … مغضنين الجلود … في خدمة البلاد … بنفس في اعتداد … لتحمل المشاق … وقبالة المساق … اناس مستغلون … في الفساد يغلون … تحت تصرفهم … لا لتشرفهم … حاشية وغلمان … كل غدا جنتلمان … ليس في قاموسهم … ولا في ناموسهم … كلمة أو جملة … غيراكتنازالعملة … ولا نسمة تعشق … تختلج وتنشق … لأجل هذا الوطن … غيرتمديد الشطن … مختفيا أم سارب … يُترك على الغارب … للغريزة البهماء … في الحدائق الدهماء … على تلول الوطن … كأعجمي رطن … وليس لرأسه … مسقط في كأسه … غيرمط وانتفاخ … ولجامع الأوساخ … ان يرفع القاذورات … تصده المحذورات … قائمة طويلة … والبطون العويلة … كي تقتني وتقتات … عليها الى الميقات … ان تعاني وتصبر … فهل للكسرمجبر … لقد خابت الظنون … قد عاهدتنا السنون … أن تبقى ولا تلد … ايام الدهرالصلد … عاقرة عقيمة … والأفكارالسقيمة … تمشي فينا وتكثر … لتعيق وتعثر … خطونا نحوالأمام … فكيف نُسقى الغمام … لا جدوى من الكلام … وما تكتب الأقلام … فقد مرت العقود … نحن لا زلنا رقود … تحت شتى الأغطية … في انتظارالأعطية … تأتينا مفبركة … وحتى مبرمكة … من القدرالقاسي … والمارد المواسي … الداعم للفساد … حين الينع والحصاد … وعندما يغربل … يحرك ويفرمل … تحت شعارالولاء … ويخشى من الجلاء … الى حيث المزبلة … ان صحت الغربلة … بيد انه الحرام … هام به للغرام …
ولن يثنيه وازع … حتى يأتيه النازع … لروحه الخبيثة … الفاسدة المعيثة … من الجسد الناعم … كأجساد البراعم … من لذة المعيشة … لنفس كالكميشة … ما دعانا للاسهاب … حول معاني الارهاب … هذا النوع المستجد … يفرضه المستبد … الذي يطال النفس … ويعمل دون الهمس … ينتج الكبت المريع … في حشى الفتى القريع … من نظرة العلية … السافرة الجلية … بشزر وريبة … وللمقت قريبة … للصنوف الوديعة … قرابين الخديعة … وتحاك من الفوق … بهندسة وشوق … لأجل بقائهم … وعلى نقائهم … خاضعين للذوات … ودمائهم دواة … يعانون من كمد … ولهم رب صمد .
قالها وقفل راجعا الى داخل الدار ثم انسل مسرعا الى حجرته وبدأ يفكر في كيفية كتابة الجزء الثاني من الغربال .
والسلام ختام