عبد المنعم الاعسم
مر السادس والعشرين من هذا الشهر، يوم ادانة العنف ضد النساء، مزدحما بالاحتفالات والاجتماعات والخطب الرنانة التي حرصت، في غالبيتها، على تقديم آيات من الشفقة للنساء المظلومات اللواتي فقدن ازواجهن وحـُرمن من اسباب العيش ومصدره الوحيد لهن، بما اتاحته اللغة السياسية من بلاغة الهروب عن تسمية مفردات ذلك العنف “المكروه” باسمائه الفصيحة، وتواقيعه المعروفة، وظلاله المعلنة في كل منعطف من حياة العراقيين، واصبحت المرأة لدى المحتفين والخطباء مثل اي مأساة، كمأساة هيروشيما، حلت وصارت من الماضي، ومطلوب ان لاتتكرر، وكفى المؤمنين شر القتال.
بل اننا تتبعنا من على شاشات التلفزيون ما يشبه الفحولة الفياضة بالشفقة الباردة، او التعويذات، سيئة الاخراج، حيال كيان بشري بدا للمذكورين الذكور عارضا او زائدا عن الحاجة، إلا في ما يخص الانجاب وغسل الملابس والصحون وتنظيف البيت وتربية الاطفال، باعتبار ذلك فرضا من فروض تقسيم العمل الاسري، الكلاسيكي، علما بان جميع هذه “الواجبات” يمكن ان يقوم بها شغيل ومأجور، عدا عن ان العلم في طريقه الى اختراع الإنسان الآلي الذي سيقوم بها ليحرر المرأة من عار التابعية المنزلية، وقد يقلب هذا العـِلم وظائف واليات الانجاب ايضا، فما حاجتهم الى المرأة آنذاك غير متعة الفراش، او ان تكون جارية في عصر الجندر والمساواة، ولهذا حديث قد يخدش وجنات حراس القيم الزائفة؟.
اقول، لايضر ملايين النساء العراقيات اللواتي يتعرضن للعنف، على مدار الساعة، اكثر من تلك الشفقة المـُذلّة التي تختزل حقائق العنف المسلط عليهن، كنوع، من الدولة وسلطاتها والنظام الاجتماعي والديني والذكوري، ومن الرجل في المقام الاول، الى احتياجات معيشية يمكن ان تـُوفر، في الحد الادنى، بتنظيم طوابير متراصة وصبورة من المسبيات الملفوفات بالسواد والغبار، ليستلمن، بمنـّة وزجر وربما بتعهدات بالتصويت في الانتخابات لسيّد هذه النعمة، قسائم بمبالغ ضئيلة لاتعادل ثمن قنينة عطر من النوع المحسـّن الذي يستخدمه رجل على دست الحكم والنفوذ والثروة.
على ان تحسين الحياة المعيشية للنساء وتأمين مصادر عيش لهن ولاطفالهن، على اهميته الخطيرة، ليس سوى مستوى واحد من مستويات الحياة اللائقة، المطلوبة، للنساء، فان الضرب بأنواعه والسب والشتم والاهانة والاحتقار والطرد والحرق والارغام على القيام بفعل ضد الارادة هي انتهاكات شائعة ربما لايخلو مجتمع منها، غير ان الحالة النسائية العراقية اتسعت لمفرات اضافية، واكثر بشاعة، من الانتهاكات، سجلت في ثلاثة ملفات مترابطة، الاول، هو التشريعات التي رخصت استعباد النساء وتحويلهن الى فروض منزلية، والثاني، ما يطلق عليها بالاعراف التي جعلت من المرأة عورة ينبغي حمايتها او قبرها بل والتنابز بها، والثالث، ملف التشوّهات في التركيبة السكانية وانقلاب التوازن بين الذكور والاناث الامر الذي عرّض الملايين من الارامل والعانسات والمعوقات بسبب التفجيرات واعمال العنف الى محنة مستعصية ومتفاقمة في الحياة، وثمة قصص ووقائع حلت بالالوف من نساء هذه الشريحة ما يندى له جبين العراق.. او ما تبقى من ذلك الجبين.
“عندما يقرر العبد أن لايبقى عبدا فإن قيوده تسقط”.
غاندي