هذه معالجة عجلى موجزة تكشف مخاطر استمرار العنف المجتمعي ومنه العنف السري وما يمكن أن يتفاقم عنه هذا العنف من مشكلات معقدة نشهدها اليوم.. وقد جاءت في ضوء إحصاءات مهولة للظاهرة..
فلقد كشفت تصريحات مسؤولين حكوميين وبرلمانيين عن تسجيل أكثر من 15 ألف شكوى عنف أسري خلال العام المنصرم [رسمياً] فقط. وكانت أغلب الحالات المسجلة تجسد عنف الزوج ضد الزوجة و-أو ضد أبنائه فضلا عن الإحالة إلى تفاقم خلافات أخرى منسوبة لأعضاء الأسرة الواحدة. علما أن تلك الحالات المسجلة هي مجرد غيض من فيض مما لا يُسجَّل بسبب ضغط العامل الاجتماعي من تقاليد وعادات والموقف السلوكي القيمي العام…
كما أن ظواهر قيود ضاغطة على عمل المؤسسات الرسمية الحكومية بسبب كورونا وتقليص عمل كواردها، يقف بوجه فرص التسجيل للحجم الفعلي لظواهر العنف الأسري وهي بحقيقتها أكبر بكثير وبصورة تؤشر كوارث مجتمعية مأساوية..
لقد تمَّ تقديم قانون مناهضة العنف الأسري في البرلمان، منذ ثلاثة أشهر وأكثر، إلا أنه لم يحظَ بحسم من جانب مجلس نواب سلطة انتفض الشعب لتغييرها بسبب طابع نهجها وفلسفة الحكم فيها..
ومع تراكم عرض حالات العنف الأسري أمام منظمات المرأة والمنظمات الحقوقية يزداد الموقف إلحاحاً بضرورة إصدار قانون مناهضة العنف الأسري وتشريعه فوراً، للشروع بمهام التصدي ومعالجة تلك الظاهرة الخطيرة التي استشرت في مجتمعنا بخلفيات متنوعة من المسببات والدوافع…
وفي مجتمعنا ذكوري النهج والفلسفة والسلوك تتعرض المرأة للتعنيف من قبل ((زوجها و-أو شقيقها و-أو والدها، وحتى ابنها الطفل مادام الذكر في العائلة!
إنّ قضية العنف الأسري ونسبتها الأهم والأبرز الواقعة على النساء بسبب جندري حصري تفرض إصدار القانون بلا تلكؤ أو تأخير ومماطلة…
ونحن هنا نؤكد على رئاسة مجلس النواب بضرورة إرساله فوراً إلى اللجنة القانونية لمزيد دراسة وتدقيق بجوانب تخصصية بقصد عرضه على القراءة والتصويت بلا أي مجال للتسويف والتلكؤ…
إن قضية العنف السري ليست قضية محدودة بانعكاساتها ونتائج مخرجاتها فإذا ما استمرت بلا ضابط قانوني فإن تشوهات بنيوية قيمية سلوكية وأخرى في العلاقات الاجتماعية ستنعكس بصورة سلبية خطيرة على البنية العامة للمجتمع والعائلة وعلى فرص النمو المستقر لأعضاء العائلة الواحدة ولمستقبل ما يُخلق من ظواهر غير سوية تصل حد تمكين العنف من لغة العلاقات العامة…
من هنا ينبغي أن يوجد الرادع القانوني من جهة والعمق التربوي المجتمعي لفلسفة القانون وأهدافه في إعادة بناء الذات وتصحيح مسار العلاقات ومنع استسهال الخروق والانتهاكات والتوجه لعالم جديد يتأسس على الاحترام وتبادل العلاقات الآدمية بصورة تؤكد الأنسنة وتعمِّد الروح السلمي اللاعنفي للعلاقات، وهو الأمر الذي يتطلب مشاركة جميع الأطراف المجتمعية سواء المنظمات المعنية أم المؤسسات الرسمية والأجهزة الإعلامية بجانب وجود قانون يحدد معالم العلاقات ويفي بمهمة حماية العناصر الهشة مجتمعيا من منطق البلطجة والسوقية في عنف تمادى وتفاقم حتى وصل حد الابتزاز والتحرش بل ارتكاب جرائم الاغتصاب ليس مجرد اغتصاب الحقوق والحريات ولكن تكرار جرائم الاغتصاب الجنسي خلف جدران المنعزلات التي يسمونها قهراً بيوت الزوجية أو بيوت العوائل وفيها تتخلّق الزنازين والغرف المظلمة لمختلف الموبقات بما تحمل من عدوانية النهج والسلوك والاعتداءات السافرة التي تتطلب قانوناً قادرا على توفير الحماية..
فلنقف معاً وسويا ونؤكد إنسانيتنا القائمة على المساواة الجندرية بين المرأة والرجل وعلى امتناع خطاب العنف بينهما بخاصة إيقاعها بحبائل فرض قوانين مجتمع ذكوري ظلامي يجري اجترار شروطه وتقاليده قيودا واصفادا وأغلالا يُرتكب بحقها ما تشاء الرغبات المرضية لبعض الذين يحيون بقوانين الفحولة ومنطق استعلائها وتفوقها ما يتكرس أكثر بسبب انكسار ثقافة بعض النساء ممن يؤمنَّ بالمنطق الذكوري خشية أو خنوعا وخضوعا أو التباساً في فهم صحيح ما ينبغي تقديسه من قيم سامية…
هل من مراجعة ترسم استراتيجية لا تشريع قانون فقط وإنما نشر ثقافة تنويرية سامية للأنسنة وللمساواة والعدل وخطاب العلاقات القائمة على الرحمة والرعاية وتبادل الاحترام انطلاقا من إنسانيتنا لا من تفوق طرف على آخر؟ وتحايا للمرأة العراقية ولنساء العالم وهن يخضن معركة التحرر القائم على سلامة القيم وعلى إقرار القوانين التي تحمي المنجز ومثلما استطاعت العراقية الانتصار لوجودها بقانون رقم 188 لسنة 1959 فإنها قادرة اليوم بدعم من المتنورين أخوتها في الإنسانية على فرض إرادتها بقانون مناهضة العنف السري وقوانين ضمان الحقوق والحريات بعيدا عن تشويهات الفساد والمفسدين وغاياتهم المرضية بخاصة منها مشاغلة المجتمع بقضايا تفريغ الاحتقان مع السلطة المتسببة بما يتعرض له المجتمع عبر مشكلات العنف الأسري بدل مجابهة خطاب العنف برمته وبجوهر من يدفع إليه بالتصدي له بفرض القوانين الأنجع وبنشر الثقافة القادرة على تحجيمه…
وبالمجمل لا ترى هذه المعالجة أن العنف السري ناجم لمجرد خلافات عائلية محدودة وكما مر معنا فإن الضغوط المجتمعية والظروف العامة المحيطة بالإنسان تدفعه لاحتقانات غير سوية في مؤدياتها وفضلا عن فرض ثقافة ماضوية تؤمن بالحلول المستندة للقوة العضلية وللتفوق الذكوري ولعنتريات ما أنزل الله بها من سلطان فإن ظواهر البطالة والفقر وتفاوت مستويات العيش وأمور كالمخدرات وما يشبهها وعدم توافر دور السينما والمسرح ومنتديات الثقافة والفنون بجانب طابع ما فرضته العزلة لظروف كورونا كل ذلك وغيره أودى بنا لمزيد عنف واستفراد بالمرأة بتلك المجاهل غير الخاضعة لقانون ولقيم بظروف الانفلات المتفشي..
فلنعمل متكاتفين رجالا ونساء من أجل أفضل منصات الحلول وتجاوز الأزمة وفرض إرادة المجتمع بأنسنته وتنظيمه بالقانون….
العنف الأسري نافذة مفتوحة لمزيد استغلال للمرأة وعموم المجتمع
اترك تعليقا