العلمانيون والفاسدون..من سيضحك اخيرا؟!
أ.د.قاسم حسين صالح
في ( 31 تموز 2015) تنفس العلمانيون الصعداء في العراق الديمقراطي! بعد أن حاولوا في (25شباط 2011 ) التنفس في ساحة التحرير فبعثت لهم الحكومة احد (مناضليها)ليعتلي سطح العمارة المطلة على الساحة ويعطي أوامره بخنق صوتهم.
في جمعة السابع من آب 2015..تبدلت المعادلة..العلمانيون مع جماهير المحرومين يملئون الساحات والفاسدون في الحكومة صاروا في مرمى مدفعية الشارع..وبدأت اللعبة..فما يجري الآن هو مباراة سياسية يخوضها فريقان : الشعب ممثلا بالمتظاهرين والحكومة ممثلة بالفاسدين باستثناء رئيس وزرائها.
لكن المباراة اشواط والفوز يكون لمن يعرف فنون اللعبة..فلنحلل الفريقين سيكولوجيا وفنيا..ولنبدأ بفريق المتظاهرين.
ما يغلب على هذا الفريق هو انفعال الغضب وفرح فردي يشبه فرح عصفور محبوس في قفص..وانطلق،ممزوجا بفرح جمعي يشبه فرح عرس صديق..لكنه فرح سياسي عنوانه :الكرامة..فيما الفريق الثاني يتحكم به انفعال الخوف من خطر حقيقي صار يتهدده فجأة عنوانه:الاستماتة..ما يعني ان الفريق الاول يسعى الى تحقيق هدف مفقود فيما الفريق الثاني يريد الدفاع عن هدف موجود.وعلميا ،ان انفعال الغضب الجماهيري يخفت مع الزمن ان لم يتحقق الهدف بسرعة،فيما انفعال الخوف يتصاعد مع الزمن ان بقي الخطر قائما..فلقد اسقطت تظاهرات الفرنسيين والاسبان واليونانيين حكومات هم انتخبوها فيما خفت الغضب وانتهى في تظاهرات شهدناها نحن قبل اربع سنوات.
وفنيا،ان فريق العلمانيين لا يجيد فنون اللعبة السياسية،فضلا عن ان بينهم من هو مصاب بـ(تضخم الأنا)،فيما فريق الفاسدين من السياسيين يمتلك المهارة والخبرة ويجيد المراوغة والمكر والخداع والذكاء والخبث ولا يلتزم بأخلاقيات اللعبة.
وهنالك عوامل اخرى تقرر الفوز كما في لعبة كرة القدم حيث الارض والجمهور.فلقد حصل فريق العلمانيين على موقف ايجابي من المرجعية الدينية بدعوة السيد السستاني الى اقامة دولة دولة مدنية حديثة تحترم فيها كرامة الانسان وسلطة القانون..وهي المرة الأولى في تاريخ العراق السياسي والديني التي تلتقي فيها المرجعية بالعلمانيين،لتشكل ضمانة لتحقيق مطالب المتظاهرين، وتبني علاقة صحية جديدة مع الذين يؤمنون بالعلمانية تمهد لعراق ديمقراطي جديد..ان وفق الطرفان في حسن استثمارها.
نعم ان فريق المتظاهرين الذي يضم العلمانيين يحظى بتأييد المرجعية وبموقف صريح من السيد رئيس الوزراء الذي اعلن بأن سيمضي في تحقيق الاصلاحات حتى لو كلفه هذا الأمر حياته، ما يعني ادراكه ان الفاسدين في القوى السياسية سيستهدفونه ان لم تنفع معه الصعوبات والتخريجات الدستورية التي وضعوها وسيضعونها لعرقلة تلك الاصلاحات التي تستهدفهم.فليس من السهل مطلقا ان يتخلى مسؤول في السلطة عن مكانته وامتيازاته وحياة مرفهة وثروة طائلة ،والأصعب عليه حين يكون مهددا بمقاضاته بتهم فساد تسترد منه ما نهب وتسقطه اجتماعيا واخلاقيا وتودعه السجن.
من هذه الحقيقة،وحقيقة اخرى هي ان السياسيين اختلفوا على كل شيء..الا الفساد ،فهم اتفقوا عليه لاسيما الآن حيث اليوم يومهم لأن الخطر يوحدهم ولا يستثني احدا منهم،وانهم يبقون هم الأقوى موقفا من العلمانيين وان ادركوا انهم اصبحوا الان في مرمى مدفعية ساحة التحرير.
وعلينا ان نوضح حقيقة اخرى،هي ان الوزير لا يمكنه ان يكون فاسدا ما لم يكن محميا من رئيس كتلته السياسية،ما يعني ان رؤساء الكتل السياسية جميعهم فاسدون.يؤيد حكمنا هذا ما قاله السيد نوري المالكي بان لديه ملفات فساد لو كشفها لأنقلب عاليها سافلها،في اشارة صريحة من رئيس وزراء في حينه الى ان قادة ومسؤولون سياسيون كبار بما فيها كتلته متهمون بالفساد..فضلا عن فساد آخر مشرعن باستيلائهم على ممتلكات تابعة للدولة..وانهم ما زالوا هم المتنفذون..وهم الأقوى وان بدوا الآن هم الأضعف..تجلى ذلك في موافقة البرلمان على حزمة اصلاحات السيد العبادي بسرعة قياسية لأدراكه بأنه صار في مرمى مدفعية الشارع ،لاسيما اولئك النواب الذين تحولوا الى دلالي عقارات!.
ان (العز) الذي عاشه السياسيون الفاسدون وغير الفاسدين (على قلتهم) في الرئاسات الثلاث،سواء في حياة البذخ والرواتب والمخصصات الخرافية(مثالا:راتب رئيس الجمهورية العراقية ثلاثة اضعاف راتب اوباما) والحمايات التي يزيد عدد افرادها على عديد الجيش العراقي النظامي،والذين يقومون حتى على خدمة افراد عوائلهم..نكون من السذاجة ان اعتقدنا انهم سيستسلمون بسهولة لمطالب المتظاهرين.ولا يغرنكم انهم يبدون الآن تعاطفهم مع المتظاهرين..فلقد عودتهم السلطة على ان لا يخجلوا..وحصل من المفارقات ما يجعلك تسخر حتى من المفترض ان يكون من افضلهم.فبعد يومين من تظاهرات جمعة السابع من آب صرح وزير التعليم العالي عبر فضائية الحرة عراق بأنه سيعمل الآن على مكافحة الفساد في وزارته امتثالا لأمر الجامعية!!.وهذا يعني أمرين:اعترافه بوجود فساد في التعليم العالي،واستمراره بالسكوت عليه لولا دعوة المرجعية!.فاذا كان هذا منطق وزير تعليم عالي وحامل دكتوراه..فما بالك بآخرين لا يمتلكون شهادة جامعية ويحتلون مناصب عليا!.
ما نخشاه وما نحذر منه ان التظاهرات سينحسر مدها ،اما بتسويف المطالب او الالتفاف عليها او بترضيات جزئية او باغراءات تقدم للناشطين منهم ،او قيام الحكومة والبرلمان بالتفاهم مع اشخاص يعدونهم ممثلين عن المتظاهرين يكون بينهم من هو محسوب عليهم بالقربى او المصلحة،او بشخصنتها او بملل يعيد المتظاهرين الى زمن كانوا وصلوا فيه الى حالة يأس من اصلاح الحال.
عليه، ينبغي ان تكون هنالك هيئة رأي او لجنة تنسيق تمثل المتظاهرين في المحافظات التسع من علمانيين ودينيين متنورين ومثقفين واكاديميين وفنانيين وشرائح اجتماعية اخرى..تكون مهمتها وضع استراتيجية تأخذ في حساباتها اسوأ الاحتمالات بما فيها استهداف السيد حيدر العبادي لا سامح الله،وتضع خططا علمية وعملية لكيفية التعامل مع خصم ماكر وذكي وخبيث وقوي..وان تنتخب وفدا مفاوضا مع الحكومة يشترط على كل عضو فيه ان لا يقبل بأي عرض وظيفي او اغراء تقدمه له الحكومة او البرلمان الى حين تحقيق مطالب المتظاهرين..والا فان سفينة التظاهرات تبقى تبحر في مهب الريح..وان حدث واستولي عليها قراصنة السياسة..فسيكون العلمانيون فيها اكبر الخاسرين.