الدكتور زاحم محمد الشهيلي
اختلف الفقهاء في التوصل الى تعريف جامع لمفهوم الدولة، لكن التعريف الاقرب للدولة؛ بانها تلك الرقعة الجغرافية التي تحيط بها حدود معترف بها بموجب القانون الدولي، يقطنها مجموعة من الافراد (الشعب) بغض النظر عن قومياتهم وانتماءاتهم الدينية، تحكمها القوانين والانظمة والمؤسساتية في العمل، والتي تمنحها الشخصية القانونية المعنوية العليا، ويكون الفرد فيها (الشعب)، الذي يكتسب الشخصية القانونية منذ الولادة، مصدرا للسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في النظام الديمقراطي، وهو من يختار افراد النظام السياسي ويعطي الصفة (القانونية المعنوية) لهم لادارة الدولة.
اما النظام، فيعرف بمجموعة الافراد الذين حصلوا على تفويض شعبي في اطار القانون لادارة الدولة سياسيا واقتصاديا وثقافيا ومجتمعيا واكتسبوا الحق القانوني في تمثيل الدولة اقليما ودوليا من خلال المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية استنادا لدستور وقوانين البلاد والرؤى التي يمتلكونها، وبموجب خطة عمل لفترة محددة من السنين، والتي يجب الا تتعارض ومصلحة الدولة والشعب، يصان فيها المال العام وتحفظ الحقوق وتحدد الواجبات في اطار القانون، وتصان فيها ايضا وتحفظ الحريات ويحترم حق التعبير عن الراي الهادف للفرد والجماعة.
وهنا، يكون العمل تكامليا بين الدولة ممثلة بالشعب وبين النظام السياسي المنتخب ديمقراطيا للنهوض بالواقع الجمعي للمجتمع، حيث تكون الرقابة في تنفيذ المشاريع والمحافظة على المال العام مسؤولية الجميع سواء كان الشعب او النظام في اطار القوانين النافذة وكذلك العرف الاجتماعي من باب الحرص من قبل الشعب على سيادة القانون وعدم تبذير الموارد.
لكنه، يستطيع النظام ان يشحن الدولة/ الشعب لمصلحته قوميا، كما فعل الرئيس الامريكي ترامب في تسلقه سلم الدولة للوصول الى كرسي النظام السياسي، وكذلك يستطيع النظام في بعض الاحيان ان يستفز مشاعر الناس عرقيا وطائفيا ودينيا ومذهبيا لتحقيق مصالح فئوية وشخصية ضيقة على حساب مصلحة الدولة والشعب، ولكن حين تستشعر الدولة بتعارض ما يقوم به النظام السياسي مع مصلحتها العامة يخرج الشعب الممثل الحقيقي للدولة للاعتراض على تصرفات النظام للحد منها وايقاف التمادي والاستمرار بالحاق الضر بمقدرات الدولة ومؤسساتها وتشويه سمعتها على المستوى المحلي والاقليمي والدولي سواء كان ذلك بقصد او بغير قصد.
وحين يعجز النظام عن ادارة الدولة بالشكل الصحيح ويتنصل عن التزاماته ووعوده في تصحيح مسيرة العملية السياسية، يبدا الصراع بين الدولة ممثلة بالشعب وبين النظام السياسي الذي امتلك الصفة القانونية المعنوية للسلطة من الدولة، صاحبة الشخصية القانونية المعنوية العليا، وكذلك استحوذ على المال العام والسلاح والانصار، لكنه خرج عن ارادة الجماهير. وحين يبدا الصراع والتصادم ويتم تبادل الاتهامات بين الشعب والنظام السياسي بالتخوين والتخريب والقتل، ويسمح لبعض الاطراف الخارجية بالتدخل في الشان الداخلي للدولة لتدارك الموقف، حينها يفقد النظام السياسي شرعيته وشخصيته القانونية المعنوية باعتبار ان الشعب هو مصدر السلطات. ولتفادي تفاقم الازمة وتطورها الى ما لا يحمد عقباه تعلن الحكومة استقالتها كما حدث في بلدان عديدة ذات الانظمة الديمقراطية وتتحول الى حكومة تصريف اعمال يومية، وتحل المؤسسة التشريعية وتتم الدعوة الى انتخابات مبكرة لانتخاب نظام سياسي جديد من قبل الشعب لادارة الدولة.