سقطت قيادات من المعارضة السورية في الخطأ الفاضح، لحظة تغيير بوصلتها السياسية، وبإملاءات قوى إقليمية، من الهجوم على نظام الأسد، إلى مهاجمة الحراك الكوردي، وبأوجه متعددة، وعرضهم الإدارة الذاتية، والـ ب ي د أو قوات قسد في الواجهة، كحجة، وقد كنا نظن أنهم ينطلقون من مبدأ الصراع لإسقاط النظام، وكانت بين الطرفين، السلطة والـ ب ي د علاقات لوجستية، أدت إلى انتقادات حادة من قبل شريحة واسعة من الحراكين الثقافي والسياسي الكوردي قبل المعارضة الفاسدة بكثير، وتبينت: وفي حالات عدة، أن خلفية مهاجمة الإدارة الذاتية، والتي توسعت مع السنوات إلى تهديد الأطراف الأخرى من الحراك الكوردي، كالمجلس الوطني الكوردي، أنها ليست مبنية على قناعات أو اختلاف في المواقف، بل هناك من يتحكم بمفاهيم وإرادة الشريحة التي ارتهنت الارتزاق، وتهجمها مبنية على إملاءات القوى المتربصة بكل الحراك الكوردي، إلى جانب أن الركيزة التي تسهل لتلك القوى التحكم بهم، هي خلفيتهم الثقافية والصور النمطية المغروزة فيهم من زمن البعث ونظام الأسدين، فمعاداتهم للإدارة الذاتية ليست سوى تغطية، لحقد مستدام متراكم على مر العقود، تجاه الكورد، أضيفت عليها بعض الطفرات على أثر المكتسبات البسيطة التي حصل عليها الشعب، مقابل دماء الشهداء، والكوارث التي حلت بالمنطقة.
لم يعد يخفى ارتزاق هذه الثلة من الدول الإقليمية وعلى رأسهم تركيا، فضحت على الإعلام، خاصة بعدما بدأت قياداتها تبرره تحت حجج العلاقات اللوجستية بينهم وبينها، فطابت لهم منهجية محاربة كل من يؤثر على مصالح أردوغان، الكورد يندرجون ضمن قائمتهما السوداء، وليس فقط ذاك الفصيل، وتبينت هذه في مناسبات عدة، وأخرها التهديدات الموجهة للمجلس الوطني الكوردي، وفصل ممثلهم من هيئة التفاوض، ونحن هنا لن نأتي على ذكر ما يقومون به من الجرائم والتجاوزات اللا إنسانية في المنطقتين الكرديتين عفرين وما بين سري كانيه وكري سبي، والتي أصبحت أكثر من واضحة، فلقد بدأت تتحدث فيها معظم منظمات حقوق الإنسان الدولية.
على مدى قرن من الزمن لم تكن السلطات المحتلة لكوردستان تحتاج إلى المبررات لاتهام الحراك الكوردي بالانفصالية، والشعب الكوردي بالخيانة، دون توضيح للتهمة، خيانة من؟ وماذا كانوا يعنون بها؟ وعلى ماذا كانوا يستندون في مقاييسهم؟ هل كانوا يعنون بها خيانتهم؟ وتلك كانت تشرفنا، وكثيرا ما كنا نرددها، لأننا كنا نضع خيانتنا للأحزاب العنصرية الفاشلة كحزب البعث أو سلطتي الأسد، أمام الوطن والشعب، مقياس لوطنيتنا ومصداقيتنا. وإن كانوا يريدون ترويجها على أنها خيانة للوطن، فقد كنا نحن حماته وحملة راياته ولا زلنا، في الوقت الذي لم يكن هم يعترفون بوجوده كحاضن للشعب الكوردي والعربي، وقد كانوا ضد كل من يرفع شعار الأخوة الكوردية العربية. والشرائح التي تقود المعارضة العربية بهذه المفاهيم، ليسوا سوى مفرزات الثقافة العنصرية ذاتها، والذين لم يكن الوطن لديهم سوى منبع للارتزاق، وجلهم لا يزالون عبدة نفس الصور النمطية تجاه الوطن الشعب الكوردي، لذلك لا يتحرك فيهم النخوة وتركيا تحتل ثلث سوريا، المشابهة للقيم والأخلاق التي يتحلى بها بشار الأسد وثلته في السلطة، فمن أجل السلطة؛ إيران بدأت تمتلك نصف سوريا.
تبيان المظلومية من منطق الإخوة، لم تنقذ سوريا من كراهيتهم، فتحدثنا بلغة الوطن، اعتبروها نابعة من ضعف، ثم شاركنا كل أطراف المعارضة في محاربة النظام؛ أيضا لم تغير من منهجيتهم، بل بالعكس؛ مع مرور الزمن أصبحت معاملتهم معنها أكثر خباثة، فتأكدنا أن الذين يستولون على المعارضة السورية الحالية هم جزء من النظام الذي كان يجب أن يسقط. بالمناسبة، هؤلاء هم من ساهموا في بقاء سلطة بشار الأسد قبل روسيا وإيران، بخلقهم لهذا الكم من المنظمات السياسية والعسكرية المتنوعة والتابعة للقوى الإقليمية وفي هذه الفترة القياسية، هم من شكلوا منظمات بإعلام جل مهماتها توسيع شرخ الخلاف بين العرب والكورد، وهم في الواقع من وقفوا بالضد في خلق الجديد على الساحة الوطنية، واجتروا الماضي العنصري بألبسة مغايرة تتلاءم والظروف.
ومن المؤسف، سقطت معظم أطراف المعارضة العربية في شركهم، فلم تنتبه إلى أن تهجمهم على الحراك الكوردي نابع من خلفياتهم الفكرية، يتجافون حقيقة أن متطلباتهم النظرية من الكورد حول تشكيل الوطن لا تختلف عما تطبقه الإدارة الذاتية على أرض الواقع، وأن بينهم وبين منهجية الـ ب ي د مسافة أقرب مما هي بين الأخيرة والأطراف الأخرى من الحراك الكوردي، مع ذلك وعلى خلفية البنية الثقافية العنصرية يجدون ذاتهم على خلاف معها، وبشكل عشوائي أو بسبب الإملاءات الخارجية، ويرفضون دراسة الواقع، السياسي والعملي الجاري، في المنطقة الكوردية، ففيما لو قارنا ما بين الإدارة الذاتية والتي ترفع شعار الأممية، أي الوطن الجامع لكل المكونات الموجودة في المنطقة، والتي تطبق بشكل عملي اليوم على الأرض، أوضح من يتم شرحها، هي ذاتها التي تطالب بها المعارضة من الحراك الكوردي التمسك به، علما أن الأطراف الأخرى من الحركة الكوردية والإدارة الذاتية على خلاف في هذه المنهجية، بقدر ما هم على توافق!
لولا انجرارهم وراء القيادة الممتهنة الارتزاق لتركيا، والتي هي محور خلافهم مع الـ ب ي د أو الإدارة الذاتية، لكانوا اليوم في وئام مع جميع أطراف الحراك الكوردي وفي مقدمتهم الـ ب ي د ولساهموا في دعم قسد، وهي قوات مشتركة من أبناء المنطقة، ولكانوا من أوائل الذين طالبوا بتطبيق النظام الفيدرالي في سوريا اللامركزية، كأفضل نظام لإنقاذ سوريا، ولتشاركوا في تطوير الفيدرالية الكوردستانية، والتي هي الأن جغرافية الإدارة الذاتية، والتي تحتضن كل مكونات المجتمع السوري، والجميع يعلم أن المنطقة تحتضن قرابة مليوني مهاجر ونازح عربي من كل مناطق الداخل إلى جانب أبناء المنطقة من العرب، والغمريين، وغيرهم من المكونات الأخرى.
مع ذلك يظل السؤال، ماذا تريد المعارضة السورية العربية من الكورد؟ والذي بدأ يحيرنا، لأن معظم أطراف المعارضة، بشقيها السياسي والعسكري، بحد ذاتها لم تعد تعلم ماذا تريد، بقدر ما تعلم ماذا تريد منها القوى الإقليمية. وهنا تكمن معضلة خلافاتهم مع الحراك الكوردي، فقد سقطوا في ضلالات التبعية، والوطن لم يعد أكثر من سلعة يتاجرون بها.
فالمفاوضات الكوردية الكوردية، هي بداية طريق لبناء سوريا القادمة على أسس وطنية صادقة، وفيما إذا كانت المعارضة السورية العربية جادة فعلا في تحقيق السلام، وبناء وطن للجميع، وأسقاط النظام، عليها: التخلص من قيادتها المتسلطة عليها منذ بدء الثورة حتى الأن، الوجوه هي نفسها منذ عام 2012م حتى اليوم، يغيرون المناصب ويبدلونها بين بعضهم، لا يختلفون عن سلطة بشار الأسد في تبوأ السلطة. من ثم التخلي عن مهاجمة الكورد، ودعم المفاوضات الجارية إعلاميا على الأقل، بل وفتح أقنية للحوارات مع الحراك الكوردي بكل أطرافه.
فالوطن يبنى بيد أبناءها وليس بيد القوى الإقليمية المتربصة بها، وليعلموا أن محاربة الكورد يزيد من أمد الصراع في سوريا، وتجربة السلطات العنصرية السابقة خير مثال يجب أن تدرس بنباهة.
الولايات المتحدة الأمريكية