العقد الاجتماعي تطورات مستمرة
يوسف السعدي
” العقد الاجتماعي” Social Contract أن ثمة تعاقداً تم بين مجموعة من الأفراد من أجل نشأة الدولة، سواء كان هذا التعاقد بين الحكام والمحكومين، كما هو الحال عند لوك، أو بين المحكومين وبعضهم البعض، عند هوبز.
وانطلاقاً من كون الأفراد هم مصدر السلطة، فإن الباحث سيحاول أن يعرض لفكرة العقد الاجتماعي وما تحمله من تأكيد للحرية الفردية لدى أبرز فلاسفة العقد الاجتماعي (هوبز، لوك، وروسو).
1- العقد الاجتماعي عند توماس هوبز:
كانت نقطة البدء في فلسفة هوبز هي تحليله للطبيعة البشرية في ضوء سيكولوجية تفترض أن المصلحة الذاتية هي المحرك الأساسي للسلوك الإنساني. وفى حالة الفطرة كانت دوافع الإنسان تتمثل في مصالحه الأنانية، دون أن يأخذ في اعتباره العقل أو مصالح الآخرين.
بما أن الأفراد يختلفون في قوتهم، فلن يستطيع أحدهم أن يضع حداً لهذا الصراع؛ ولذلك فسوف يظلون في حالة خوف وترقب، حرصاً على حقوقهم الطبيعية، وفى هذه الحالة يمتنع التعاون، ولا يمكن قيام أية صناعة أو تجارة أو علم أو فن؛ لأن الخوف الدائم وعدم الثقة وخطر الموت يعوق قيام أي مجتمع أو حضارة.
ولما كان كل إنسان حريصاً على تحقيق مصالحه، تولدت لدى الجميع ضرورة التعاقد على المصالح المشتركة، وعدم الصراع إلا في الحدود المعقولة، فلولا خوف الناس من بعضهم لما ظهرت فكرة التعاقد، كأحسن وسيلة لبث الطمأنينة بين النفوس الأنانية في تصرفاتها. وأصبح الإنسان بمقتضى التعاقد ملزماً بالوفاء؛ مخافة ألا يحترم الآخرون العقد الذي بينه وبينهم. فالخوف إذن هو أساس التعاقد، والخضوع للعقد مرده خوف الناس بعضهم من بعض، والخوف المشترك أيضاً هو أساس القيام بالواجبات والالتزامات، وتأدية الحقوق المفروضة. فيجتمع عدد من الناس ويتفقون على اختيار حاكم أو هيئة حاكمة تمارس سلطتها وتنهى حالة الحرب الشاملة. وبمقتضى هذا العقد يتنازل الجميع عن إرادتهم لإرادة الحاكم، فيكون له بمقتضى هذا العقد السلطة المطلقة لعمل كل ما يراه صالحاً لرعاياه. فالعقد الاجتماعي عند هوبز هو اتفاق الأفراد فيما بينهم على التنازل عن حقوقهم المطلقة لشخص يستطيع أن يتصرف بالإنابة عن كل فرد شارك في إقامة العقد، وهو تنازل أبدى لا رجعة فيه. ولا يعتبر الحاكم طرفاً في العقد؛ لأنه بين رعايا ورعايا، وليس بين حاكم ورعايا، وتبعاً لذلك لا يستطيع الحاكم أن يرتكب أي خرق للعقد؛ لأنه لم يشارك في إقامته.
2- العقد الاجتماعي عند جون لوك:
فلقد افترض لوك حالة فطرة ساد فيها السلام والمساواة والحرية، فيرى أنه قد ساد خلال حالة الفطرة قانون طبيعي يحكمها، ويُلزم كل شخص، ويُعلم الناس المساواة والاستقلال والحرية. فلم يكن عهد الفطرة الأولى تحكمه نزعات الأنانية والمصلحة الذاتية – كما ذهب هوبز – ولكنه محكوم بالعقل والمعونة المتبادلة، فلقد كانت القوة موزعة بين الأفراد، ولم يكن ثمة أحد يملك أكثر من الآخر، بل أفراد من نفس النوع والرتبة، قد ولدوا شركاء في كل مميزات الطبيعة (. ولكن أحس الناس بضرورة تنظيم حياة الفطرة هذه، إذ لا يوجد تحديد واضح متميز للقانون الطبيعي، وليست هناك هيئات منظمة تباشر تنفيذ هذا القانون وتتخذ القرارات اللازمة لذلك. فقرروا بكامل حريتهم أن يتنازلوا عن بعض من حقوقهم بالقدر الذي يتيح للسلطة أن تقوم بواجباتها في الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم (الحياة Life –الحرية Liberty –الملكية Property) ولا يجوز هذا الانتقال إلى الحالة السياسية إلا برضاء الأفراد، حيث أن رضاءهم هو أساس قيام الحكومة وليست أية سلطة أخرى.
3- العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو:
والعقد الاجتماعي عند روسو هو ميثاق يتنازل بموجبه الأفراد كلٌ عن نفسه للجماعة، والفرد جزء من هذه الجماعة، وبذلك ينهى العقد عهد الفطرة، ويعمل على إنشاء المجتمع، حيث تصبح السيادة والسلطان من حق المجموع ككل لا من حق فرد واحد، إذ يتنازل كل فرد عن حقوقه للمجتمع كله حينما ينطق بالصيغة التالية ([40])” يُسهم كل منا بشخصه وبكل قدرته تحت إدارة الإرادة العامة العليا، ونلتقى على شكل هيئة كل عضو كجزء لا يتجزأ من الكل”.
ومن العرض السابق لفلاسفة العقد الاجتماعي نجد أن ثلاثتهم كان لساناً صادقاً في التعبير عن طبيعة عصره واحتياجاته، كما أنهم دفعوا الفكر التحرري خطوات هامة نحو الأمام، وتمثلت تلك الخطوات على النحو التالي:
– مرحلة التحالف مع السلطة الزمنية؛ من أجل القضاء على سلطة الكنيسة التي كانت إحدى المعوقات الأساسية في إرساء دعائم النظام الجديد، فتطلبت طبيعة هذه المرحلة القضاء على هذه السلطة المعوقة. ولقد عبر عن طبيعة هذه المرحلة الأولى من تاريخ الليبرالية” هوبز” وذلك من خلال تأييده لسلطة الملك في مقابل القضاء على سلطة الكنيسة التي رأى أنه لابد أن تخضع لسلطة الحاكم، فوجود سلطتين حاكمتين يؤدى إلى القضاء على السلطة كلية وانتشار الفوضى.
– مرحلة الحد من السلطة الزمنية؛ لصالح البرجوازية الناشئة، أو الطبقة الوسطى Middle Class، ولقد عبر” لوك” عن هذه المرحلة ودافع عن مطالب أصحابها من خلال كتاباته حول النظام الدستوري والحياة النيابية، التي تُقلص سلطة الحاكم وتُقلل من صلاحياته المطلقة، وذلك لصالح الطبقة الناشئة وهي الطبقة الوسطى.
– مرحلة التحول إلى الشعب، ولقد عبر عن هذه المرحلة” روسو” من خلال نظريته عن الإرادة العامة، حيث لا سلطة عنده تعلو على سلطة الإرادة العامة، فهي لا تُباع ولا تُشترى، وغير قابلة للتقسيم، كما أنها لا تُخطئ، إذ أنها معصومة من الخطأ. كما أنه يرى أن القانون ما هو إلا فعل الإرادة العامة.
والواقع أن كل فيلسوف من فلاسفة العقد الاجتماعي، إلى جانب كونه عبر عن طبيعة عصره وحاجاته خير تعبير، فإن كلاً منهم أيضاً قد ساهم بنصيب في بلورة ملامح الفكر التحرري، بما يحمله من دفاع عن الحرية الفردية
بالدراسة لتجارب التاريخية من الناحية العقد الاجتماعي في بناء الدولة نرى انه ليس هناك ثابت محدد في جميع المراحل التاريخية، وذلك بسبب ان العقد الاجتماعي في بناء الدولة يرتبط بالإنسان، الذي هو متطور في وعيه ونظرته الامور واحتياجاته تبعا لتطور الزمني.
نحن في العراق اليوم بحاجة الى وعي في هذا الجانب، ومعرفة انه المعطيات الذي بني عليه نظام ما بعد 2003 تختلف عن المعطيات الحالية لذلك يجب وضع عقد اجتماعي في ادارة دولة جديد يناسب المرحلة الحالية
هو عقد اجتماعي يعاد صياغته بما يتناسب وعراق اليوم بكل متغيراته وتوازناته، كل تلك العناصر التي ادت الى انبثاق ما موجود كلها غير موجودة حالياً، القوى السياسية بعضها تغيرت وبعضها اندثرت، الجمهور تغير (بالرؤية والاولويات والمزاج العام)، النظام الحالي أثبت انه غير منتج لان كل جهة تعرقل الجهة الاخر، يسود النظام حالة من التصارع وليس التنافس، بغاية الاستحواذ وليس بغاية الانجاز، وبالتالي النظام معطل وغير منتج.