لقد أصبح التعليم والكتابة إحدى الوسائل التي يقاوم بها الأسرى السجان وظلام الجدران، من هنا نجد ميل العديد من الأسرى إلى تكملة تعليمهم والكتابة بمختلف أنواعها، وتأتي هذه النصوص كوسيلة مقاومة، تثبت بها “أماني خالد حشيم” أنها متعلمة/ مثقفة/ أديبة، وعلى أن السجن لا يليق بها ولا بمثيلتها من الأسيرات والأسرى.
فمن يكتب هو إنسان، وإنسان متفوق، ومرهف، وممتلئ بالمشاعر والعاطفة، واعتقد أن الإهداء كاف وحده لتأكيد (إنسانية) “أماني”، وعلى أنها تمتلك مشاعر مرهفة، تجاه عائلتها وأسرتها، جاء في الإهداء: “إلى أبي الذي زرع بداخلي صورة صمود امرأة أمام مصاعب الحياة، أحبك أبي، إلى أمي التي لم تتوقف عن الإيمان بي ودائما كانت تصلي وتتمني لي الأفضل، أحبك أمي، إلى أبنائي أحمد وآدم، الآن ابتسامتكم بحجم جمال الوطن”، نلاحظ أنها قدمت الأب على الأم، وهذا يشير إلى ميل الأنثى نحو الأب أكثر من الأم، كما يستوقفنا أنها تعتبر الأب هو من علمها الصمود والثبات، لهذا قدمته على الأم التي اقتصر دورها على الدعاء والتمني، فالأب كان أثره عليها (مادي/ تعلمي)، بينما أثر الأم روحي/ عاطفي، من هنا قدمت الأب على الأم، وجعلت أولادها في الخاتمة، فرغم قرب الأبناء من أمهم، إلا أن “أماني” تعاملت مع عائلتها على أنها ما زلت (بنت) أبيها وأمها، فقدمتها على أولادها، معتبره أنهما أهم من الأبناء، كما أن صغر الأبناء، وعدم (تفهمهم/ استيعابهم) لغياب أمهم، جعل “الكاتبة تقدم والديها على أبنائها.
الكتاب عبارة عن مجموعة نصوص، تحاول فيها الكاتبة إيصال مشاعرها تجاه واقعها كأسيرة، وكيف أنها استخدمت القلم الورقة وكسيلة مقاومة وإثبات الذات، جاء أول نص تحت عنوان “مقدمة” وجاء فيه:
“في معزوفة الصمت الساكن في الزنزانة
تتعاقب الأيام وتتوالي السنون وتتغير فصولها
يتلو النهار ضياءه بعيون الشمس
فيأتي ليل حزين بدمع نجومه
صفحات من حياتي تطوى
يغيب العمر من بين يدي ويمضي
ضاق الفضاء علي وضيعت الخطى
وصار دربي أكثر وحشة وظلمة
فجأة القلم وفك قيدي
وقالت الورقة هيا انطلقي
وثق قلمي بصوت العزيمة لدي
وآمنت ورقتي بأمنياتي
كتبت وكتبت نصوصا من مسار أفكاري
وبين أيديكم بضعها” ص13
نلاحظ أن للمكان أثره على الكتابة من خلال استخدامها للفظ “الزنزانة” ونجدها تعاني من ثقل الزمن عليها، الذي نجده في: “الأيام، السنون، نهار، ليل، فصولها” ولم يقتصر الأمر على ما يتعلق بالزمن مباشرة، فنجد أثره على الكاتبة من خلال استخدامها لأفعال ثقيلة عليها: تتعاقب، وتتوالى، وتتغير، يتلو، فيأتي، تطوى، يغيب، ضاق، وضيعت” اللافت أن الكاتبة توصل فكرتها للمتلقي من خلال الألفاظ المجردة، إضافة إلى المعنى/ الفكرة التي يحملها المقطع.
واعتقد أن تتابع حرفي التاء في: “تتعاقب، وتتوالى، وتتغير” يخدم فكرة ثقل الوقت/ الزمن على الكاتبة، كما أن لفظ “يتلو” الذي تكثر فيه حروف المد: “الياء، اللام، والواو” خدم فكرة (اشتياق) الكاتبة للضياء/ للشمس، وخدم فكرة (عدم وجوده/ عدم أخذ الكاتبة كفايتها منه) لهذا كان لفظ كلمة “يتلو” ممدودا وطويلا.
بينما لفظ “فيأتي” كان سريع وخاطف، رغم أن عدد الحروف فيه أكثر من “يتلو” وهذا يعود بسبب أنه متعلق بالليل الذي تعاني منه الكاتبة، وتعيشه، لهذا استخدمت لفظ “سريع” وكأنها به تريد أن ينتهي ال “ليل حزين”.
من هنا يمكننا القول أن الكاتبة استخدمت ألفاظ تخدم الفكرة التي أرادت تقديمها، وأيضا لفظ هذه الألفاظ يعزز الفكرة التي يحملها المعنى.
إذا ما توقفنا عند النص، ستنجد أن بدايتها كانت قاسية من خلال المعنى والألفاظ المستخدمة، لكنه في النصف الثاني أخذ يتجه نحو البياض/ الفرح، خاصة بعد هذا المقطع: “فجأة القلم وفك قيدي”، فقد تحول النص إلى مضمون فرح/ أبيض، وأيضا جاءت الألفاظ بيضاء: “وقالت، الورقة/ ورقتي، انطلقي، وثق، قلمي، بصوت، العزيمة، وآمنت، بأمنياتي، كتبت (مكررة)، نصوصا، مسارح، أفكاري” وهذا التحول نحو الفرح/ الأمل ناتج عن القلم والورقة.
وهنا سنتوقف قليلا عند ما جاء في المقطع الثاني، خاصة ما يتعلق بالمذكر، المؤنث، القلم، الورقة” وكأن الكاتبة تؤكد نسق (الطبيعة) التي تتكون من نظيرين، المرأة/ الأنثى والرجل/ الذكر، كما أنها تؤكد أنها جزء من هذه الطبيعة من خلال استخدامها: “قلمي، ورقتي”، وهذا يشير إلى حاجة “أماني” (الطبيعية) في الحياة، فقد أشارت ـ بطريقة غير مباشرة ـ إلى أنها تتحدث عن “أماني” من خلال عنوان الكتاب: “العزيمة تربي الأمل” فالأمل وأماني يتقاربان في المعنى وفي الحروف، وأيضا نجد “أنا الكاتبة” من خلال “المقدمة” التي استخدمت فيها لفظي: “وآمنت، بأمنيتي” وهما يحملان معنى أسمها “أماني” حروفهما مكررة.
كل هذا يجعل النص مكتوبا من داخل الكاتبة ومن قلبها، وليس من بنات أفكارها وحسب، فالألفاظ المستخدمة تؤكد حالة التوحد التماهي بين الكاتبة وبين ما تكتبه.
الكتاب صدر في عام 2021، دون اسم دار نشر.