العروض والموهبة
مشكلة علم العروض تكمن في أن الخليل ابن أحمد الفراهيدي حول ما كان سهلا إلى ما صار صعبا، بمعنى أن تعليم الشعر عند العرب كان أسهل مما هو عليه الآن. لماذا؟
لان الخليل ابن أحمد وزن انغام البحور إلى قواعد الصرف والأوزان الصرفية، التي هي
الفاء والعين واللام، ولأن علم الصرف كان وقتها سهلا ومستبطنا كالنحو فكان الأمر سهلا على من عاصره واستقبل استقبالا حسنا، أما الآن ومع صعوبة علم الصرف والنحو وجهل الشباب بهذه العلوم صار العروض كالطلاسم، والألغاز، والأولى أن نعود إلى طريقة العرب في تعلم الشعر، وهي طريقة سهلة، فالإنسان العربي كان يعُلم من يريد أن يصبح شاعرا ولديه الموهبة _الاستعداد _ بأن يستمع إلى ما يقول :ويصحح له البحر وأنه منغم ب:
لا لا نعم (مستفعلن)
ونعم لا (فعولن ونعم لا لا _مفاعلين)وهو بحر الطويل
أي أضبط كلامك على هذا النغم أو النعم والبحر أصلا يقصد به النغم وسمي به لأنه لا ساحل يحيط به بل يتسع ويمتد.
ولنأخذ مثلا بحر الطويل يتكون من
فعولن مفاعلين
فعولن مفاعلين
مكررة بكل شطر
ويقابلها عند العرب
نعم لا نعم لا لا
مكررة أيضا
وهي نفس المقاطع الصوتية
والخليل يعرف ذلك* جيدا، إذ يروي أبو الحسن الأخفش عن الحسن بن يزيد أنه قال : سألت الخليل ابن أحمد عن العروض فقلت له :هلا عرفت لها أصلا؟ فقال نعم، مررت بالمدينة حاجا فبينما أنا في بعض طرقاتها، إذ أبصرت بشيخ على باب يعلم غلاما وهو يقول له :
قل: نعم لا نعم لا لا
نعم لا نعم نعم
نعم لا نعم لا لا
نعم لا نعم لا لا
قال الخليل فدنوت منه فسلمت عليه وقلت له :أيها الشيخ ما الذي تقوله لهذا الصبي؟ فذكر أن هذا العلم شيء يتوارثه هؤلاء الصبية عن سلفهم، وهو علم يسمى علم التنعيم، لقولهم فيه نعم.
والعيب ليس في الخليل وإنما فيمن يصر على السير خلفه مع غياب علم الصرف والنحو لدى الناس.
وبالعودة إلى علم الصرف نجد أن الميزان الصرفي هو مقياس وضعه علماء اللغة لمعرفة بنية الكلمة وجعلوا أصوله ثلاثة
الفاء
العين
اللام
إذ تقابل الفاء الحرف الأول من أصل الفعل، وتقابل العين الحرف الثاني وتقابل اللام الحرف الثالث، فمثلا شرب
يكون مقابلها ووزنها الصرفي فعل، نزل مقابلها فعل.
ولاحظ علماء الصرف أن معظم أصول الكلمات تتكون من هذه الأحرف، ولأن الصرف مقدمة لفهم علم النحو وضروري للإعراب وظبط آخر الكلمات، للإيقاع، والقافية ،دفع الخليل ابن أحمد لربط الصرف بالعروض.
ولمعرفة أهمية الصرف للنحو نأخذ مثالا : زيدٌ قارئ كتابا، فأنت لا تعرف موقع كلمة( كتابا) من الإعراب؟ إلا إذا عرفنا أن كلمة (قارئ) هي اسم فاعل، أي أننا لا نعرف الوظيفة النحوية لكلمة كتابا إلا بمعرفة البنية الصرفية لكلمة قارئ
وهكذا تعرب كتابا مفعولا به لأسم الفاعل قارئ.
فلا يجب الفصل بين النحو والصرف والعروض.
والميزان الصرفي الذي لجأ إليه الخليل واقحمه في البحور سببه معرفة أصول الكلمة في الحركات والسكنات واختيار حروف الفاء والعين واللام
فعل لان لفظ فعل عام الدلالة، وتطلق على كل حدث، فكل الأفعال تدل على فعل، كالفعل أكل وشرب وجلس… الخ
واللغة العربية بنحوها وصرفها وسياقها وسباقها ولحاقها وبلاغتها وموسيقاها لغة أفعال وحركة
كتب =فعل
الكاف في كتب تساوي فاء فعل
التاء في كتب تساوي عين فعل
والباء في كتب تساوي لام فعل
وتعليم الصرف لمعرفة الدخيل من الأصيل برجوع الكلمة إلى أصلها
وكذلك بالعروض تكون البحور لظبط الكلام على نغم موسيقي يساعد على الحفظ.
فأنت تستطيع أن تحول كل كلام نثري إلى شعر إذا حولته إلى نغم عروضي اي تحوله الى نغم،أو نعم عند العرب وبالتالي تعيد ضبط الحركات والسكون بما يوافق النغم.
ومعروف أن
اللغة أصوات وتبدأ بالحروف التي تكون الكلمة التي تكون الجملة،والحروف أما متحركة أو ساكنه
والحرف وسيلة كتابية يعبر عن صوت معين، ولأنك حين تتكلم سيكون الكلام أو الكلمة بها حروف ساكنة ومتحركة مثل إلى، يرى، فتى، استطاع الإنسان العربي أن يميز الشعر عن النثر عن طريق ضبط الحركات على الأوزان فيقابل الحرف المتحرك في الشعر حرف متحرك في الميزان، بمعنى أنه حول الكلام لوحدات صوتيه _ أو ما يسمونه بالأوتاد والأسباب وبمعرفة هذه الأسباب والأوتاد تعرف التفعيلة ويضبط الوزن، ومنه يهتدي إلى البحر.
فجعل السبب حرفين متحرك فساكن، مثل قد، وجعل الوتد ٣ أحرف متحركين فساكن مثل على، ورمز للفتحة ب/ورمز للسكون 0
وكانه حول البيت لوحدات موسيقية مرتبه تتناسق فيها الحركات مع الحركات والسكنات مع السكنات.
_
* المدخل في علم العروض دكتور :مصطفى عبد العزيز السنجرجي
كلية دار العلوم جامعة القاهرة
ناصر رمضان عبد الحميد