رضوان العسكري
منذ زمن طويل والعراق يمثل واحدا من أهم النقاط المحورية التي تدور حولها رحى الصراعات الاقليمية والدولية..…
تعرض هذا البلد للكثير من الاحتلالات المتتالية، كسقوط بغداد على يد المغول بقيادة (هولاكو خان عام ١٢٥٨م) الذي انهى بذلك حكم الدولة العباسية، ليأتي بعده (تيمورلنك) وهو آخر حاكم مغولي للمنطقة، فيقع العراق بعدها تحت سطوة الدولة العثمانية، التي ذهب حكمها على يد الاحتلال البريطاني عام ١٩١٩م، ليكون الاحتلال الامريكي عام (٢٠٠٣) آخر الاحتلالات، الذي تحول فيما بعد من احتلال عسكري الى احتلال سياسي، يسيطر تقريبا سيطرة كاملة على القرار العراقي الداخلي والخارجي.
تلك الاحتلالات خلفت ورائها بنى تحتية متهالكة, وصراعات سياسية مستمرة, وشعب يعاني من التشتت والتبعثر المجتمعي، كما كانت عاملاً اساسياً لإنتاج حكومات دكتاتورية متسلطة, واقتصاداً هشاً، ينهار عند ابسط الازمات المالية والاقتصادية التي يتعرض لها.
تغير السياسات في المنطقة المحيطة بالعراق, ونمو اقتصادات الدول, ودخول بعضها في تحالفات كبيرة لتعضيد قوتها، وحماية مصالحها، جعلها تفكر في تغيير الادوات وتعددها، لإدارة مرحلة جديدة من الصراعات حول الهيمنة والنفوذ.
خصوصية التركيبة السكانية العراقية، واهميته موقعه الجغرافي, واطلالته على رأس الخليج العربي، دفع بالمتصارعين الكبار الى توسيع نفوذهم, وتغيير ادواتهم, من اجل احكام السيطرة على القرار الداخلي والخارجي.
هدم كيان الدولة العراقية, وتفتيت قوتها العسكرية والامنية, جعله ساحة مفتوحة للاستخبارات الدولية للتدخل المباشر في القرارات السياسية والاقتصادية المصيرية للبلد، حيث دفع بهم الى تجنيد كل من يقع تحت طائلة ايديهم ليكون اداة للصراع الجاري.
الحكومة العراقية بوضعها الحالي، والتفكك الكبير للفرقاء السياسيين، والتناحر الطائفي الذي اخذ يخرج للعلن من خلال التصريحات السياسية المتبادلة, زعزع الثقة بين السياسيين انفسهم تارة، وبينهم وبين الشعب تارة اخرى، ولحفظ النسيج العراقي من الانهيار والدخول في صراع داخلي، يؤدي الى فقدان المكتسبات السياسية، تطلب الدخول في مرحلة جديدة تبنى على اساس الثقة المتبادلة بين الشعب وممثليه القادمين.
ان تشكيل #تحالفات_عابرة_للمكونات خطوة فيها مخاطرة كبيرة لدى الداعين اليها، لأن فشلها ينعكس سلباً عليهم، ونجاحها يعني الانتقال بالعراق الى بداية وفجر جديدين، يمكنه تغيير المعادلة في العراق، والنأي به عن الصراعات الخارجية والتجاذبات السياسية، وبداية للتخفيف من حدة الصراع الاقليمي والدولي في العراق، وهي خطوة جريئة تحتاج الى دعم داخلي بحت، من القوى السياسية المؤمنة بالقضية، بالإضافة الى دعم كبير من الشعب، وفي حال نجاحها تكون بداية لتخلص العراق من المحاصصة الطائفية والمكوناتية..
كما سيؤدي بالاندحار الصراع الطائفي السياسي، واضمحلال التنازلات التي اعتدنا عليها بين الاطراف، من اجل الحصول على المناصب الحكومية، والمكتسبات السياسية والاقتصادية احادية الجانب، وهذا لا يأتي بين يوم وليلة بل يحتاج الى مراحل متعددة، وتبادل الثقة بين الاطراف المؤمنة بالمشروع.
لن تكون النتائج وردية, ولا شيء من الخيال, بل هي بداية النهاية لحقبة سوداء في تاريخ العراق, او فجر جديد يمكنه تغيير المعادلة السياسية.
لن يستطيع الشعب تغيير الواقع الحالي بذاته، لوجود خروقات استخباراتياً، وقوة نفوذ اليد الخارجية، كما لا يستطيع السياسي تغيير ذلك الواقع لوحده، بسبب شيوع عدم الثقة التي تم ترسيخها في اذهان المجتمع.
التحالف العابر للمكونات، هو التحالف الوحيد الذي يستطيع تغيير المعادلة السياسية للبلد، والنهوض بواقع جديد لانتشال ما تبقى من العراق ليكون هو النقطة المحورية لاستقرار المنطقة، والا سيبقى محور للصراعات السياسية الاقليمية والدولية.