العراق: سياسيون يغادرون العراق بعد اعتقال الكربولي!
صلاح حسن بابان
بعد صيام طويل عن مكافحة الفساد، وفي شهر رمضان، لم تكتف لجنة مكافحة الفساد، التي شكلها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي برئاسة الفريق الحقوقي أحمد أبو رغيف، بـ”الإفطار” على المسؤولين الصغار سواء كانوا رجال أعمال أو مدراء مصارف أو هيئات، بل أصرّت على أن يكون “افطارها” في 18 نيسان/ أبريل الماضي دسماً على إحدى أكثر الشخصيات السنية المؤثرة في المشهد السياسي العراقي وهو شقيق وزير الصناعة الأسبق أحمد الكربولي، بالاضافة الى ياسر ولؤي الكربولي، المقربان منه، بتهم فساد مالي وعقود مشاريع وهمية، بمئات ملايين الدولارات.
زعزع هذا الاعتقال المفاجئ، الوضع النفسي والمالي للكثير من المسؤولين ورجال الأعمال من أصحاب المشاريع العملاقة بالإضافة الى مكاتب الصيرفة، مما دفع الكثير منهم إلى مغادرة البلاد خوفاً من أن تصطادهم صنّارة لجنة أبو رغيف، وسط أنباء تشير إلى أن الأيام المقبلة ستشهدُ اعتقال شخصيات سياسية ورجال أعمال بارزين ومنهم نواب بعد تقديم طلب رفع الحصانة عنهم.
حتى الآن وصل عدد المحتجزين من قبل لجنة أبو رغيف إلى أكثر من 31 مسؤولاً سابقاً وحالياً وبدرجات وظيفية مختلفة منها رئيس هيئة ووكيل وزير ومحافظ ومدير عام ورئيس قسم وكلهم موقفون قيد التحقيق، بالإضافة إلى أصحاب ومدراء مصارف وشركات مالية معروفة.
رغم الجدية التي تحملها خطوات لجنة مكافحة الفساد، إلا أنها لا تخلو أبداً من شكوك أنها تأتي ضمن الاستعراضات السياسية التي اعتاد عليها العراق قبل كل دورة إنتخابية، وبهذه الخطوة وغيرها، بدأ الكاظمي كما يرى الصحفي العراقي كمال بدران حملته الإنتخابية منذ توليه السلطة “وهذا من حقه بالتأكيد، فالوصول الى ولاية ثانية يتطلّب تحقيق مكاسب على مستويين، شعبي وسياسي، بسبب طبيعة النظام”.
الكاظمي اقتحم ميادين لم يجرؤ سابقوه على الإقتراب منها قاصداً تحقيق هذه المكاسب، فنجح في بعضها وأخفق في أخرى وبقي بعضها محل أخذ ورد وصراع حتى اليوم و”منها ميادين مكافحة الفساد على مستويات عالية، أي انه تجاوز النمط الذي ساد وهو ملاحقة الفاسدين الصغار فأنشأ لجنة قوية لمكافحة الفساد تولت فتح ملفات مهمة”، يقول بدران.
يرى بدران ان الكاظمي بدأ في الآونة الأخيرة بضرب حلقات مؤثرة في سلسلة الفساد، لكنه يختار شخصيات ليس لها حضور شعبي ولا تحظى بدعم الميليشيات، وبعضها فقد الدعم السياسي داخل حاضنته الشعبية، فبات “لقمة سائغة”.
وعمّا اذا كان اعتقال الكربولي وتغييبه عن المشهد السياسي العراقي على المستوى السُنّي سيفتح الباب أمام رئيس مجلس النواب الحالي محمد الحلبوسي للتفرّد بالقرار السني، لا يخفي الصحفي العراقي ان الصراع على زعامة البيت السُنّي مستمر منذ 2003 وحتى اليوم، مذكّراً بما حصل في السابق مع شخصيات سُنية بارزة أبرزهم عدنان الدليمي وطارق الهاشمي وأسامة النجيفي، ومن ثم سليم الجبوري، إلى أن رست سفينة السنة في مرفأ الحلبوسي وشركاءه.
ما يشدّ انتباه بدران هو وجود تقارب من نوعٍ ما بين الكاظمي والحلبوسي، مع لفت الإنتباه الى حاجة الكاظمي لشريك وداعم سياسي مهم يمثل السنَّة اذا أراد تغيير قواعد اللعبة المتعارف عليها، ولهذا لا يستبعد ان يكون اعتقال الكربولي جزءاً من الصفقة التي بموجبها سيحصل الكاظمي على ولاء البيت السُني في مقابل حصول الحلبوسي على مكاسب مماثلة في مقدمتها الإعتراف بزعامته.
لكن ما يبدو أنه مقلق للغاية في هذا المشهد – أي اعتقال الكربولي- أن استمرار عمليات اعتقال حيتان الفساد يعني أن العملية السياسية قد تكون مهددة، بعد أن كشف رئيس مؤسسة الإصلاح والتغيير الشيخ صباح الكناني في لقاءٍ تلفزيوني وجود أكثر من 50 نائباً يعملون كموظفين لدى رجل الأعمال المثير للجدل بهاء الجوراني المعتقل حالياً لدى القوات العراقية وهو من اعترف على الكربولي وغيره، ليؤكد بأن الجوراني “كان يسعى لشراء ولاء وزارة الدفاع بعد أن نجح في الخطوة ذاتها مع وزارتي الكهرباء والصناعة للإستحواذ عليها”، وأن “عمله يقتصر على دمار الصناعة العراقية بعد اهدار أكثر من 54 مليار دولار في قطاع الكهرباء فقط منذ 2003 دون احداث أي تطوّر فيه حتى الآن”.
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي العراقي أحمد الخضر مع ما ذهب اليه الكناني بأن مصير العملية السياسية في العراق ستكون مهددة لو فتحت ملفات فساد كبيرة لتورط جهات سياسية كبيرة على المستوى الداخلي وكذلك الخارجي، و”هذا ما يزيد استحالة قيام حكومة الكاظمي بحملة تطال رؤوس الفساد بالإضافة الى أن الفساد في العراق إما محمي بقوانين تعرقل محاربة الفساد أو محمي بقوة سلاح خارج إطار الدولة أو محمي بتدخلات خارجية”.
يتمنى المحلل السياسي العراقي حسين الركابي أن يتكرّر سيناريو شبيه باعتقالات فندق الريتز كارلتون السعودي التي قام بها ولي العهد محمد بن سلمان في العراق، لكنه يفضّل ان يتم الأمر عبر مؤسسات الدولة والقضاء، وليس عبر شخصية معينة أو جهة بحدّ ذاتها، مشترطاً لنجاح خطوات مكافحة الفساد أن تشمل أيضاً الفساد الإعلامي والسياسي بالإضافة الى المالي واهدار المال العام وأن يكون ذلك حصراً قبل الإنتخابات وليس بعدها، “واعتقال شخصية مؤثرة مثل الكربولي يمتلك ثقلاً سياسياً واعلامياً، بإمتلاكه فضائية لها وزنها الإعلامي، يجب أن يبتّ فيه القضاء بعيداً عن الأهواء السياسية والتوجهات الشخصية”.
ينتقد الركابي الكاظمي لتأخره كثيراً في مكافحة الفساد ويقول إنه سار على نهج أسلافه، ويرى من الصعوبة أن ينجح الكاظمي لوحده بتجفيف بؤر الفساد ومنابعه “المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بدعم خارجي بوجود ماكنات اعلامية ضخمة وأرصدة في المصارف”. داعياً إياه إلى “البدء بهرم السلطة في مكافحة الفساد وتحديداً الوزراء والمسؤولين الكبار ومن هم على شاكلتهم”، وإلا فإن كل نضال لجنة مكافحة الفساد لن يبلّغها فرحة “العيد”.