د.خالد ممدوح العزي
الأزمة المتجددة تخرج من تحت الرماد :
كما يبد الوضع في العراق بدأ يتخذ شكلا جديدا من المواجهة السياسية بين الإطراف المكونة للعملية السياسية ،فالحالة التي تدور اليوم في العراق ليس زوبعة في فنجان ،وإنما تدخل فعليا في إطار أزمة تكاد أن تكون خانقة في محاولة
لربط مستقبل العراق السياسي والأمني ودوره الإقليمي ،وخاصة بعد خروج القوات الأمريكية من العراق ،وبظل تسلم الحكومة الحالية للملف الأمني والعسكري والاقتصادي لإدارة الحياة في العراق الجديد الخارج للتو من شرذمة وإطماع إقليمية تحاول الالتفاف حول عنقه وفرض أجندتها الخاصة ،وخاصة الدولة الحالية خارجة من مرحلة احتلال دامت 9 سنوات من
الخراب والانهيار للبنى التحتية ومزيد من سرقة ثروات البلاد ،والغناء الفاحش لأمراء الحرب.
اندلاع شرارة الأزمة الداخلية:
لم تكن الأزمة الحالية وليدة الصدفة بين الطرفيين ،وإنما هي تراكم لازمات واختلاف في التعاطي والتفرد في السلطة والقرار ومحاولة كاملة للتفرد في ممارسة القرار السياسي العراقي،فالأزمة التي اندلعت شرارتها في الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب مؤخرا بين نور المالكي رئيس الوزراء ورئيس القائمة العراقية وحليف إيران المباشر وزعيم حزب الدعوة “الشيعي المتطرف”،وطارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية العراقية وعضو القائمة العراقية والرجل السني الأول،وصالح المطلق نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون التنمية الإدارية، وعضو القائمة العراقية والرجل السني “القومي العربي
” .
فالمالكي الذي استخدم القضاء من اجل الانقضاض على الهاشمي الذي ذهب إلى مدينة اربيل في إقليم كردستان من خلال طرح قضية أمنية يجمع عليها الجميع بأنها ملفقة ومركبة من شخص المالكي،ومحاولة جز الهاشمي بموضع إرهابي تخريب من خلال اعترافات م مكتب المالكي بعد مداهمة مكتبه واعتقالهم ومحاولة عرض اعترافاتهم التي انتزعت منهم بالقوة كما يبدو مما دفع بالهاشمي بالتصريح العلني بأنه مستعد للخضوع لمحاكمة في محاكم كردستان الراقي بوجود ممثلين للجامعة العربية والقضاة العرب وممثلو حقوق الإنسان العرب والمسلمين لكونه يمتلك معلومات مهمة بتوريط دول إقليمية بإثارة هذا
الموضوع.
فالهاشمي الذي يعتبر بان القضاء العراقي أضحى سياسيا منذ سنوات عديدة وخاضعة للسلطة التنفيذية لتنفيذ مآربها ،ولقد نفى التهم الملصقة به وبحاميته بضلوعهم بعمليات إرهابية في تصريحه التلفزيوني من كردستان العراق في 20 كانون الأول “ديسمبر”2011.
أما صالح المطلق فهو الذي تعرض منذ العملية الانتخابية لشطب اسمه ومنعه من ممارسة حقه الانتخابية بعد اعتباره، من أعضاء البعث، والذي يمارس المالكي حربا مباشرة ضدهم. وبعد توليه منصب نائب الوزراء بعد تسوية سياسية تم الاتفاق عليها بين إيران وأمريكا،والتي كلفت نور المالكي السلطة لحل الأزمة العالقة أو المختلقة،بعدها كلف المطلق بان يكون نائب لرئيس الوزراء الذي لم يعجب المالكي وعمل جاهدا لإبعاده عن هذا المكان وخاصة بعد تصريح المطلق لقناة “السي إن إن “الفضائية ، واصفا فيها المالكي بأنه دكتاتور وشبيه بصدام حسين مما اثر نقمة المالكي عليه، واصف المطلق
بأنه لا يلبي الحياة المطلوبة للشعب العراقي والإخفاق في إدارة التنمية وإخفاقه بالمهمة . لذلك طلب المالكي بان يلغي صلاحيات المطلق والتهديد بالاستقالة بحال تقاعص البرلمان العراقي عن تنفيذ سحب الثقة عن المطلق .
بالوقت الذي يعاني العراق من أزمة فساد مالي وتسلط سياسي وانتشار قوى مليشيوية، ومحاولة ملئ الفراغ الأمني من قبل قوى خارجية وإدخال العراق بأحلاف سياسية معينة وجره في أزمات جديدة ،بظل حكومة المالكي التي تحاول الهروب من حل الخلافات، والوقوف أمام المشاكل التي تعصف بالبلاد ،لكن المالكي يصدر أزمتها إلى الإمام من خلال افتعال مشاكل تقود العراق إلى نفق جديد من حرب طائفية لها مغزى معين بظل الوضع الحالي الذي يسيطر على المنطقة في إشعال حرب طائفية وفتنة مذهبية تمتد نيرانها من إيران حتى لبنان مرورا بسورية الذي تكاد إيران تفقد وجودها فيها من خلال الوقف بوجه
حليفها الوحيد في المنطقة نظام بشار الأسد الذي يتهاوى من ضربات الشعب اليومية بالرغم من شدة القسوة الذي يستخدمها الأسد في قمعه للمتظاهرين بمباركة عراقية وإيرانية ولبنانية وبدعم مالي وتقني.
والجميع يتخوف من تكرار سيناريو عام 1979 عند ما استفرد الراحل صدام حسين بسلطة الدولة وانقلابه على الشركاء وانفراده بالسلطة وتحويل السلطة إلى دكتاتورية فردية تقودها قوات المخابرات والأمن في ممارساتها السلطة التي أضحت مشكلة العراق طوال فترة البعث الصدامي ،وهذا ما يحال، المالكي تدرجيا التفرد بالسلطة من خلال الانقضاض على شركاءه.
المالكي دكتاتور جديد:
فالمالكي الذي يحاول التفرد بالسلطة وأقصى كل القوى السياسية عن ممارسة دورها السياسي ودخوله بصراع مع الأطراف الشيعية الأخرى في معركة فعلية ،فالمالكي الذي يشن معركة فعلية منذ مدة على ما يسمى بقايا البعث وقدامى الجيش العراقي المنحل الذي يرى فيهم الخطر الفعلي على مستقبله السياسي ،فالمالكي يزعم مرة بمحاولة انقلاب تم اعتقال منفذيها ومرة أخرى باعتقال مجرمين إرهابيين ،مما يدخل مباشرة في صراع مع الطرف الثاني الشريك في العملية السياسية ويضع البلاد على حافة الهاوية .
المالكي الذي يحاول كسر ذراع العراقية التي تعاني من مشاكل سياسية معينة وتهميش سياسي ومالي وأداري ، يحاول المالكي إلى فتح المعركة على مصراعيها الوصول إلى هدفه الخاص القاضي بالتفرد في السلطة السياسية ،إرغام الكتل السياسية وتحديدا العراقية بتعين الوزراء الآمنين حسب توجهه الخاص،وأنهى مشكلة إعلان المحافظات نفسها إقليم ذات سيادة سياسية واقتصادية تحد من حكومة المركز حسب الدستور العراقي ووفقا للمادة 116 ، بظل مقايضات سياسية مع القائمة العراقية بعد هذه الزوبعة السياسية .
الرد على سياسة المالكي :
لم تكن الإطراف السياسية التي تؤلف المكونات السياسية راضية على تصرفات المالكي مما دفعها إلى التروي والنظر بالحالة الجديدة التي تتطلب تماسك وترابط من اجل العراق كي لا تعود عقارب الساعة إلى الوراء ،وضرورة طرح مؤتمر سياسي لإنقاذ العملية السياسية في البلاد من التمزق.
أما رد القائمة العراقية لم يكتفي بطلب نوابها عدم المشاركة في ممارسة إعمالهم النيابية، ودعوة وزراءها إلى مقاطعة جلسات مجلس الوزراء، بل تعدى ذلك إلى تصريح رئيس القائمة العرقية ورئيس الوزراء السابق إياد العلاوي بنعيه للعملية السياسية في العراق ،في خطة هجومية قام بها أعضاء القائمة العراقية ردا على عملية التصعيد الذي يقوم بها الرئيس المالكي . فالعلاوي الذي يطلب من تحالف دولة القانون باستبدال المالكي بمرشح أخر لإدارة البلاد لان المالكي لم يعد يستطيع إدارة الدولة وملفاتها المستعصية بطريقة ديمقراطية وسياسية ،لان البلاد أضحت على أبواب أزمة
سياسية جديدة.
الثقة المفقودة بين الإطراف:
فالمشكلة التي تتفجر اليوم بين المكونات العراقية الحالية ليست وليدة الانسحاب الأمريكي من العراق لان أمريكا انسحبي من الحياة العراقية عسكريا ،وما تزال متواجدة فيه بقوة امنيا وديبلوماسيا وتعتبر أفضل حليف للعراق وحكومة المالكي،بل هي أزمة في التوجه والإيديولوجية والتفكير والانتماء ،فالقائمة العراقية المتهمة بأنها مشروع مؤامرة مستمرة على العراق مرتبطة بالأردن وقطر وإسرائيل.
مما لاشك به بان أزمة العراق الحالية هي أزمة ثقة فعلية بين اكبر الكتل البرلمانية والاصطفاف الطائفية المتمترس خلف هذه الكتل لا يبشر بالخير، وإنما تبشر بان الأزمة متصاعدة وبدء دخانها الأسود يتصاعد ،و الدخان الأبيض لا يظهر في السماء بسبب حدة المواقف وتأزم النفوس ،قد تتوجه نحو صراع وفتنة مذهبية من خلال التهويل والتشويش الذي يستخدم وترتفع عناوينه في الإعلام العراقي والعربي من اجل تهيج الرأي العام العراقي وتسييسه نحو المجهول.
الخروج من المأزق المتأزم :
يرى الخبراء والمحللون السياسيين بأنه لبد من تأيد مبادرة مسعود البارازاني الداعية إلى عقد مؤتمر وطني عراقي يجتمع فيه كل الإطراف المتصارعة والمتنازعة من اجل الوصول إلى خريطة طريق كاملة تنقذ العملية السياسية في البلد وتحافظ على الشراكة السياسية التي تخص كل الإطراف وليس الكتلتين المتنازعتين،لان شرارة الأزمة سوف تصيب كل الأطراف حتى التحالف الكردستاني الذي يحاول الدخول في وساطة بين الكتلتين .
أو الوصول إلى تنفيذ مشروع ينص على الخروج من الأزمة من خلال النقاط التالية:
1-العمل على إقامة انتخابات مبكرة لإخراج البلاد عنق الزجاجة الذي وقع بها.
2- حكومة أغلبية سياسية تتحمل مسؤوليتها بإدارة العراق .
3-الدخول في المجهول الذي ينتظر العراق وشعبها والدخول في نفق الظلمات.
لكن من المؤكد بات كلام وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا في زيارته الأخيرة للعراق في 15 ديسمبر “كانون الاول، أثناء الاحتفال بتسلم العراق مهامه الرسمية بعد عملية الجلاء ،أضحى حقيقة فعلية بان العراق بهذا اليوم التاريخي :” يفتح صفح جديدة بعد الخروج الأمريكي من العراق لإثبات وجوده وقدراته على إدارة البلاد الذي عانى الجميع من الدكتاتورية الصدامية السابقة”، وهم الذي يعتبرون بان العراق بدون صدام أفضل وأجمل ، فهل يؤكد نور المالكي هذه الحقيقية ليضع المواطن العراقي يترحم على أيام صدام السابقة ،فالسيد المالكي الذي ناضل لتغير نظام صدام حسين واستشرس بحل
حزب البعث وملاحقة أعضاءه وإعدام قادته ، فالمالكي الذي شكل لجنة للتوسط لبقاء نظام الأسد البعثي الحليف لإيران ، كذلك استشرس المالكي لإنتاج وسطه بين سورية مع الجامعة العربية لمنع انهيار بعث الأسد من الانهيار وخاصة هو الذي قال في أمريكا لا يسمح لنفسه بان يطلب من الأسد بالتنحي ولا يريد أن تفرض على نظام الأسد قوالب معلبة خارجية ويرفض التدخل الخارجي الذي أتى به أصلا إلى سدة الحكم ،يضع العراق في مهب العاصفة من اجل تنفيذ أجندة إقليمية حليفة له ولنظام الأسد .
لم تبقى الوساطة محصورة بالتحالف الكردستاني وزعماء الأكراد ،بل تعدى ذلك لتدخل الولايات المتحدة على خط الوساطة من خلال سفيرها في بغداد وقيادة مخابراتها ،والطلب الرسمي من نائب الرئيس الأمريكي جون بيدن الذي طالب المالكي بلقاء كل الكتل السياسية لاستمرار العملية السياسية لانها حاجة ضرورية للعراق.
فهل بثنا أمام صفحة العنف القادم من اجل خدمة مصالح أخرى،يقدم فيها العراق على طبق من فضة ويضع الطائفة الشيعة كلها أمام تحدي حقيقي في المنطقة خدمة لمشروع نظام الملالي النووي ،ونظام ولاية الفقيه.
لقد أضحت المشكلة العراقية اليوم ملف زور لبنان جديد من اجل الانقضاض على السلطة الحالية.
كاتب صحافي ومختص بالإعلام السياسي والدعاية.