د.خالد ممدوح العزي
انتصار العراق،وخسارة أمريكا:
احتفل العراق رسميا في 15 ديسمبر كانون الأول ،2011، بإنزال العلم الأمريكي ،ورفع العلم الذي العراقي رفرف فوق كافة الأراضي ، بعد احتلال دام 9 سنوات ، سيطر به الاحتلال على مفاصله الحياة العسكرية والأمنية،الاقتصادية،والاجتماعية على بلد وقع رزحت تحت احتلال أدى إلى انهيار الحياة وتشرذم المكونات الوطنية التي دخلت في أهلية ضروس كانت ضحاياها أكثر بكثير من فوائد الاحتلال الذي لم يحقق أهدافه الذي وعد العالم بها عند احتلاله لدولة عضو في هيئة الأمم المتحدة بسبب رغبات بعض الأشخاص الذين نفذوا أحلامهم ورغباتهم الشخصية من خلال هذا الوجود .
فالانتصار الذي يعتبره العراق رسميا يحتفل به لتعزية نفسه بأنه انتصر على فلول البعث ،والإرهاب الدولي،لكن الإرهاب قد غزى العراق بعد الاحتلال الأمريكي ، وهنا السؤال الفعلي الذي يطرح نفسه هل انتصر العراق ،وخسرت أمريكا فعليا.
فالاحتفال الوحيد بالنصر هو انتصار الفلوجة وأهلها، الذين انتصروا في حرب أبقتهم موجدين على خريطة العراق السياسية ،بعد تعرضهم لحربين في ابريل 2004، نتيجة إعدام أربعة جنود من قوات النخبة الأمريكية وتعليقهم على عواميد الشوارع ،لترد أمريكا ردا عنيفا على أهل الفلوجة وتستخدم أسلحة محظورة دوليا انتقاما لجنودها لتدم الفلوجة على سكانها ،ولم تمضي عدة شهور حتى قامت الولايات المتحدة بشن هجوم جديد ضد الفلوجه وأهلها تحت حجج وأعذار مختلفة،بمباركة من رئيس الوزراء السابق إياد علاوي،وتترك لوحده في قبضة المحتل دون التضامن معها من قبل المدن العراقية الأخرى لأسباب عدة أهمها العامل الطائفي الذي ساد على العراق الجديد وقيادته ،لقد ذهب ضحيتها المئات من الجنود الأمريكيين والألف من المدنيين والمقاتلين العراقيين .
أهداف الاحتلال الأمريكي :
لقد دخلت أمريكا في حربها الغير متكافئة ضد العراق المنهمك بحصار طال دوام 13 سنة وقيادة مربكة سياسية ،وتحالف إقليمي ساهم بوصول الأمريكي إلى بغداد لأهداف خاصة وتوازنات دولية جديدة ،وضعف صمت عربي كامل ،دخل الأمريكي العراق منطلقا من شعارات وهمية ابتدأت من وجود سلاح نووي ودمار شامل وارتباط مع تنظيم القاعدة لتنتهي بشعارات حقوق الإنسان وحرية التعبير والتعددية الحزبية ،لقد أتى الاحتلال بأشخاص أتوا على ظهر الدبابة الأمريكية ليمارسوا اكبر عملية انتقام في بلاد الحضارات والتعددية العرقية ليسلموا سلطة في العراق مدعومة من الاحتلال الأمريكي والدول الإقليمية مؤلفة من مليشيات تم تشكيلها على أسس مذهبية وطائفية مارست أبشع الأعمال الحربية التي دمرت العراق الجديد، بعيدة عن الديمقراطية والحرية . فإذا كان صدام قد اعدم نتيجة قتله140 شيعي في عملية الدجيل الشهيرة ،فمن يحاكم الذين قتلوا أكثر من مليونيين عراقي والذي خاضوا معركة ضد المدن الشيعية كاملة في “البصرة ومدينة الصدر”، تحت اسم صولة الشجعان.
خسائر الحرب في العراق :
1-الخسائر الأمريكية:
وحسب مصادر الصحافة الأجنبية تعتبر وخصوصا صحيفة الاندبندنت بتاريخ 16 ديسمبر 2011 وفي تقريرها الص3ادرة بمناسبة خروج القوات الأمريكية من العراق تشير بان الكلفة العالمية للحرب العراقية من قبل أمريكيا كانت على الشكل التالي :
1-خسارة عسكرية لجنود قتلوا في الحرب بين 4500-5000 جندي.
2- جرحى حرب في ميدان المعركة تراوح عدده مابين 33500.
3- لقد دفعت أمريكا في الحرب نفقات مادية مابين 800مليار إلى 2تريليون دورا أمريكا مما ساهم في التأثير الفعلي على الاقتصاد الأمريكي .
4- بالإضافة إلى فضائح سجن أبو غريب السيئ الذكر،معري أخلاق الديمقراطية الأمريكية ونشرها بين العالم .
2-الخسائر العراقية :
لقد فاقت الخسائر العراقية أكثر بكثير من الخسائر الأمريكية لقد دمر العراق ونهبت ثرواته المالية والطبيعية وقتل علماءه ومفكريه ، وتهجر شعبه ،وترملت نساءه ويتم أطفاله ،وبالرغم من أراء الكثير تصر على أن ثروات العراق النفطية سوف تمكنه في المستقبل القريب من النهوض السريع وبناء بنيته التحتية التي لم يتمكن الأمريكيون من بناءها بعد أن هدمتها الحرب .لكن خسائر العراق طوال هذه السنوات كانت قاسية جدا، وحسب تقرير صحيفة الفانشال تايمز ، بالرغم من اعتبار العالم وأمريكا بان العراق بدون صدام أفضل بكثير لكن الثمن كان غاليا جدا ودون تحقيق المطلوب:
-1 لقد كانت خسائر العراق بلغة في الرواح ،وصل تعدادها إلى أكثر من مليون قتيل عراقي .
2-لقد بلغ عدد القتلى من الأطفال العراقيين أكثر 25000.
3- وصل عدد الأرامل إلى نحو 3 مليون أرملة عراقية.
لاجئو العراق لا يزال مصيرهم مجهول :
إضافة إلى موضوع اللاجئين التي فرضت الحرب عليها أوزرها طوال هذه المدة ،وحسب تحقيق صحافي لجريدة الاندبندنت البريطانية في 16 ديسمبر 2011 عن أوضاع اللاجئين العراقيين الذي شرذمتهم الحرب والأوضاع المعيشية والحالة الطائفية والمذهبية .
لقد بلغ عدد اللاجئين العراقيين خارج العراق 2،5 مليون لاجئ وهم ينتشرون ما بين الأردن وسورية وبلاد الغرب، ولاجئون في مدن العراق نفسه هربا من الحروب الطائفية والمذهبية ،وسعيا وراء الحياة المعيشية لهما، ولقد بلغ عددهم أكثر من 1،5 مليون ونصف مهجر عراقي ،إضافة إلى مجموعة صغيرة تبلغ تعدادها حوالي 70 ألف موظف كانوا يعملون مع الأمريكان وتم وعدوا باللجوء، و إعطاء هم تأشيرات لأمريكا ولم يحصلوا عليها.
العراق الحالي ونور المالكي:
بالرغم من خروج الأمريكان من العراق فالحياة السياسية العراقية تعني من الاحتقان الداخلي بين القوى المتصارعة التي تعبر عن أزمة نظام ،فالمالكي يحاول التفرد بالسلطة والقرارات السياسية العراقية وتنفيذ السياسة الإيرانية ،ويحاول إقناع اوباما بضرورة إبقاء الرئيس السوري في الحكم خوفا على عدم تدهور الأوضاع والذهاب نحو حروب طائفية ،بالوقت الذي هو يدين بوجوده للدبابة الأمريكية التي فرضته على رأس سلطة هو وحزبه وفرقه الأمنية “كتائب الموت التي تلاحق حزب البعث التي يعتبرها المالكي معركته الشخصية ، فهو الذي جاء بواسطة الغرب لمحاربة نظام البعث يرفض تدخل الغرب في سورية ويحاول إبقاء البعث في سلطة سورية رغما عن انف الشعب السوري وأكثريته الرافضة لبقاء الأسد ونظامه،يخوض حرب دستورية ضد المحافظات التي تعلن نفسها إقليم مستقلة بالوقت الذي قبل بقاء إقليم كردستان الكردي على كيانه الحالي،المالكي يحارب القائمة العراقية التي جمدت أعمالها النيابية والسياسية وسوف تخرج من الائتلاف الحكومي .
المالكي ينتصر بالوقت الذي أدار العراق بتحالف مع أمريكا والدول الإقليمية،التي تدعمه دون إطلاق أي طلقة فعلية ضد الاحتلال الذي جثم 9 سنوات على صدور العراقيين ،فمن انتصر المقاومة التي حاربت ضد الأمريكان وأنزلت خسائر بالمحتل أو النظام الذي وجد وعاش بظل هذا الاحتلال. إلا يحق للمقاومة العراقية في دولة المالكي أن تشكل دويلة تفرض شروطها على الدولة كما هي الدويلة في لبنان.
الانسحاب الأمريكي :
لكن الانسحاب الأمريكي من العراق ، قد وضع المنطقة مكشوفة على كل الاحتمالات المحتملة للقوى الإقليمية والدول المجاورة التي تسهر على مصالحها الخاصة بظل تدهور الأوضاع الإقليمية،وبظل فورة الدبابير لتأجيج الصراع الطائفي والمذهبي ،عوضا عن نو الديمقراطية وإحلالها محل الأنظمة الدكتاتورية والشمولية . فالاحتلال الذي جاء إلى العراق ليزرع الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان،وهاهو يتركه منهكا مشتتا ما بين إقليم كردي في الشمال وشيعي في الجنوب وسني في الغرب ،وأقليات مبعثرة محرجة ،لقد انسحب الأمريكي وليس لديه ورقة عمل واضحة لتنفيذها مستقبلا بعد الانتهاء من الانسحاب الأمريكي ،لكن العديد من الأسئلة التي تطرح نفسها على العراق ،فهل تملئ إيران الفراغ الأمني في العراق بعد الخروج الأمريكي ،وتدخل في وحل العراق ، حل ندخل في حرب الإقليم والتمرد على سلطة المالكي ، هل تخوض أمريكا الحرب الناعمة في العراق ضد إيران بالوقت التي أضحت واشنطن اقوي وأجدر في حربها القادمة من خلال قبضتها القوية على السياسيين العراقيين .
لكن الذي انتصر حقيقيا من خلال الانسحاب الأمريكي هو نفسه الرئيس برابك اوباما الذي وعد الشعب الأمريكي بالانسحاب ،ونفذ عملية الانسحاب لكونه كان ضد حرب العراق منذ بدايتها ،واليوم يستخدمها ورقة قوية في انتخاباته الثانية ،وبحال الانتكاسات الأمنية في العراق سوف يدفع ثمنها الرئيس اوباما نفسه.
وبنفس الوقت لن تستطع إيران من التحرك بحرية في عراق يسوده التوتر، والنار لا تزال تحت الرماد،وبظل وضعها الحالي، ولن يكون بوسعها خوض معركة ناعمة بوجه الولايات المتحدة التي تتمتع بقدرات أمنية ودبلوماسية ومالية وثقافية هائلة ، وبظل سفارة تعتبر من اكبر السفارات في العالم التي تدير مهام أمريكية خاصة،وخاصة في العراق الجديد والمنطقة التي بات العراق وراقة بيد أمريكا بظل كل التغيرات الحالية في المنطقة.
كاتب صحافي ومختص بالإعلام السياسي والدعاية.